صورايا ڨواسم
لم تكن الروائية الجزائرية يمينة مشاكرة، التي قال عنها الروائي كاتب ياسين صاحب رائعة “نجمة” إنها كاتبة بوزن البارود، بل تنبأ أن تكون علامة فارقة في جيلها، مجرد مبدعة تكتب باللغة الفرنسية، لأنها كانت الطبيبة الكاتبة، التي انتهت حياتها في مستشفى المجانين الذي كانت تعالج فيه مرضاها باحترافية عالية، في مفارقة عجيبة جعلت منها الفقيدة التي احترقت بنور إبداعها، بعد التهميش والإقصاء اللذين عانت منهما
يمينة التي اشتهرت بروايتها “المغارة المتفجرة”، التي كتبتها باللغة الفرنسية، وصدرت طبعتها الأولى سنة 1979 وانتظر قرّاؤها عشر سنوات بعد ذلك لتصدر ترجمتها إلى اللغة العربية من طرف الكاتبة اللبنانية عايدة أديب بامية.
تناولت مشاكرة في “المغارة المتفجّرة” ما عاشه الجزائريون زمن الحرب ضد المستعمر. من أجل ذلك جعلت بطلة عملها فتاة يتيمة الأبوين تقيم داخل مغارة جبليّة يستخدمها الثوّار كمستشفى ميداني فعملت كممرّضة تتكفّل بعلاج جرحى الحرب فتسمع بوح الجرحى والمعطوبين وتسجّل تفاصيل اعترافاتهم عبر توالي فصول الرواية.
تقع الفتاة في حبّ أحد الثوّار الجرحى، ليتوّج حُبّهما بزواج باهت وسط عتمة المغارة، بلا بهرج أو احتفالات. وسرعان ما يتعرّض الموقع إلى قصف جوي مدمّر، لم يلبث أن تفقد زوجها، ويصاب طفلهما بتشوّه في رجليه ويفقد بصره، هكذا وأمام هول ما عاشته ستصاب بما يشبه الجنون.
هذا الجنون الذي تحدثت عنه في روايتها سيقود يمينى الكاتبة لأن تنتهي حياتها داخل إحدى المصحّات النفسية التي كانت تعالج فيها، رحلت يمينة مشاكرة في 19 ماي 2013 عن عمر يناهز الـ64 سنة في صمت، بعد معاناة طويلة مع المرض. سقطت في سنواتها الأخيرة فريسة الاضطرابات النفسية وهي الطبيبة المتخصّصة. وبعد أن طالها التهميش والنسيان انطفأ صوتها وبريق نور إبداعها للأبد، .ذلك أنها عاشت أهوالاً أخرى، غير تلك التي كتبت عن تفاصيلها داخل المغارة أثناء الاستعمار الفرنسي. عاشتها بعد الاستقلال سنوات التسعينات بكل مآسيها .
بينما أدرك الأكاديميون الجزائريون متأخرين قيمة صوتها الأدبي من الناحيتين الجمالية والتاريخية.
كتب ياسمينة خضرا يقول: “الموهبة لا تشعّ نوراً، بل تُحرق. لقد نسيها الجميع. هكذا عاشت يمينة مشاكرة في أواخر حياتها شاهدة على غرق سفينة، حاول أن يلوذ بها أصحاب الضمائر والمخلصون في هذا الوطن. اليوم تقبع يمينة جاثمة على ذاكرتنا المنكوبة”.
*منقول من احدى الصفحات التي تعنى بالأدب الجزائري.