“غبيّ مَن يقول إنّها كذلك” لجميل الدويهي

 

المرأة ليست خادمة لكم، ولا جارية تتعرّى في أسرّتكم. فمزّقوا الكتب القديمة وحطّموا التماثيل التي رفعها الغابرون في أفكاركم. واحملوا نساءكم في أرواحكم لكي لا يخرجن منها بعد.

لقد رأيتكم تضطهدون النساء وتأخذون زوجاتكم إلى الحقول فيعملنَ في الأرض اليابسة، ويعصرنَ من الكروم خمرة ولا أشهى، ويعجنّ ويخبزنَ لتأكلوا، أفلم تشبعوا بعد من خمرة العصور ومن الخبز والجسد؟

وسمعت أنّ المرأة عندكم آلة تحبّونها عندما تكون جميلة، وتكرهونها حين تكبر وتشيخ، فهل أنتم لا تكبرون ولا تشيخون؟ وهل نظرتم في مرايا أنفسكم لتعلموا كم أصبحتم عاجزين عن الفهم والتخيّل، ولتفهموا أنّ المرأة ليست شجرة إذا أثمرت تقدّسونها، وإذا يبست تقطعونها من الجذور؟

وعندما تحبّ المرأة رجلاً غير زوجها، فأنتم تعاقبونها وتصفونها بأقبح النعوت، فهل عاقبتم الرجل الذي أحبّها هو أيضاً وتحتقرونه كما احتقرتموها؟ أم هي أحبّت وحدها واضطجعت مع رجل من الخيال لا تعرفونه وليست لديكم وسيلة للعثور عليه؟

إذا كانت امرأة تبيع جسدها، فإنّ رجلاً يشتري منها، وكلُّ واحد يبيع لأنّه محتاج، وكذلك مَن يشتري. وقد رأيتكم تحاكمون مَن يبيع ولا تحاكمون مَن يشتري. وصدقاً أقول لكم إن التاجر الغنيّ الذي يأخذ بعضاً من ذهبه وفضّته إلى السوق، ولا يجد من يشتريه، لا يتركه عندما تقفل السوق أبوابها لكي يسطو عليه السارقون، أو يستولي عليه المارّة، بل إنّه يحمله ويعود به  إلى البيت لكي يخبّئه في صندوقه.

وعندما يبيع الرجل نفسه إلى امرأة، فمَن تحاسبون؟

إنّكم أيضاً تحاسبون المرأة، وتعفون الرجل إذا اشترى أو باع، فأين عدالتكم يا قليلي الإيمان؟

وليست كلّ امرأة تعطي جسدها من أجل المال، فالمرأة التي تحبّ قد تعطي جسدها أيضاً، في الحالتين يعطي الرجل جسده أيضاً. فلا تنظروا بعين واحدة وتهملوا العين الأخرى، فقد تكون العين التي أهملتموها هي التي ترى بصدق، وتلك التي تنظرون بها لا تعرفون بها الحقيقة إلاّ كما تريدون أن تعرفوا.

وتطلبون من المرأة أشياء كثيرة لا تطلبونها من الرجال، والله لا يميّز بين أبنائه، أمّا التقاليد التي تميّز فأنتم وضعتموها لغاية في أنفسكم، ولكي تنفعكم… وليس من أجل الحقّ.

جاءني رجل بالأمس إلى المعبد وكانت زوجته تسير وراءه وكأنّها تابعة له، فقلت لهما: كان أجدى بكما أن تسيرا معاً، فلا أحد منكما يسبق الآخر، لكي تتمجّدا بالحبّ الذي أعطيَ لكما، ومن غيرِه لا معنى للحياة. وعندما ذهب الرجل إلى عمل له أوصى امرأته برعاية الماشية، وبأن تطحن القمح، وتأخذ الماء من النبع الذي في الغابة إلى المنزل البعيد. وما إن غاب الزوج، حتّى اشتكت المرأة من التعب الذي يسحق أيّامها ولياليها، وقالت إنّها أصبحت لا تطيق أن ترى رجلاً بعد أن عانت من اضطهاد زوجها لها، فقلت لها: إنّ الأرواح القويّة لا تتعب، بل الأجساد هي التي تتعب، وأنتِ تحملين الأحمال الثقيلة لا من أجل زوجك بل من أجل الحياة التي تحتضنكما معاً ولا تفترقان. ولست أقول هذا لكي أدعوكِ إلى مزيد من المعاناة، بل لكي تصبري، والأجدى أن تتقاسمي مع الرجل أعباء تلك الحياة، ولا تقولي أمام الناس إنّك تكرهين الرجال، فالضغينة ليست من عمل الإنسان بل هي دخيلة عليه، بسبب الشرّ الذي ينتصر على الخير ويطعنه في الصميم بينما يكون نائماً. وكم رأيت من النساء اللواتي يرفعنَ الصوت من أجل الحرّيّة، فما أكرمهنّ وما أعظمهنّ! وكم رأيت من النساء اللواتي يحتقرنَ الذكور، فإذا احتلّت المرأة منصباً كبيراً جاءت بكلّ النساء ليعملنَ معها ورفضت كلّ الرجال ولو كانوا أكثر قدرة وعلماً وفكراً، فإنّ هذا انتقام بشع لا يستقيم مع الحضارة، وتمييز مهين لا يليق بالمرأة التي ناضلت طويلاً لكي تمحو آثار التمييز عن جسدها ومن تاريخها.

وإنّي لأسألكم: ما هو ذنب الأبناء إذا كان آباؤهم قد ارتكبوا جريمة أو فعلوا إثماً؟ وهل يُعفى من العقاب مَن يعاقب الناس على ذنب لا يعلمون عنه شيئاً؟

غبيّ من يقول إنّ المرأة لا تساويه، وغبيّة من تقول إنّ الرجل لا يساويها. كلاهما جزء من الكلّ، وأساس في البيت الذي إذا انهارَ ركن من أركانه لا يسلم قاطنوه من الخراب، وإن كانوا عنه غائبين.

***

*مشروع الأديب د. جميل الدويهي “أفكار اغترابيّة” للأدب الراقي النهضة الاغترابيّة الثانية – تعدّد الأنواع.

اترك رد