“يوم زفافي” لجميل الدويهي

 

صادفتُ في الطريق رجلين، أحدهما سليط اللسان، نمّام، خبيث، يثير الفرقة بين الناس، ويدسّ الدسائس، والآخر ذو عقل رصين، ومنطق هادئ، فحديثه صَلاة ومعابد، وقلبه واحة للخير والسماح.

ودعاني الرجل الأوّل إلى عرس لابنه، فلبّيت الدعوة. ورأيت في منزله الكثير من الناس، يغمرونه بالعاطفة والمحبّة، ويقدّمون لابنه العريس الهدايا الغالية… ولا يخرجون من عنده إلاّ في ساعة متأخّرة من الليل، وهم يتحدّثون عنه، وعن قيَمِه العظيمة، ومآثره النبيلة.

ودعاني الرجل الثاني، الذي يفيض عذوبةً واحتراماً، إلى خطبة ابنته، فشكرته، وذهبت إلى منزله المتواضع… ولكنّني رأيت عنده قليلاً من المدعوّين… هم بعض أقربائه وجيرانه. وعندما انتهت الخطبة، وتفرّق الحاضرون، دنا منّي وقال لي: أعذرني يا أخي، فإنّ الحفل كان بسيطاً، ولم يلبّ كثيرون دعوتي، وأرجو ألاّ تكون انزعجت من ذلك!

ابتسمتُ، وأجبتُه: لم أنزعج البتّة، كما لم أستغرب أن يكون العرس الذي حضرتُه قبل أيّام مزدحماً بالمدعوّين، وأن يكون المحتفلون في دارك أقلَّ من أصابع اليدين… إنّك أفضل من أناس كثيرين، ففي يوم زفافي لم يحضر أحد، وقد تغيّب الكاهن… وتغيّبت العروس أيضاً.

***

*مشروع الأديب د. جميل الدويهي “أفكار اغترابيّة” للأدب الراقي ,,, النهضة الاغترابية الثانية – تعدّد الأنواع .

اترك رد