انطلق مؤتمر “النهضة الاغترابية الثانية – لإبداع من أجل الحضارة والإنسان” الذي ينظمه مشروع أفكار اغترابية للأدب الراقي-سيدني ، منتدى لقاء – لبنان، بستان الإبداع – سيدني. يصدر عن المؤتمر كتاب من جزءين او ثلاثة، يضم جميع الأوراق المشاركة، وترسل نسخ منه إلى المشاركين والمكتبات والكبرى. يعقد المؤتمر حضوريا في جلسة واحدة، فور انتهاء الأزمة الصحية، وتقرأ مختصرات الأوراق بالنيابة عن المشاركين المقيمين خارج أستراليا.
في القسم الأول من المؤتمر تم نشر عشرين ورقة لأدباء ومفكرين من لبنان وأنحاء العالم.
القسم الثاني ويضم 12 ورقة، في ما يلي الورقة الثانية للدكتور جودت ابراهيم – سوريا(2): “عادل ناصيف شاعر فذّ من شعراء النهضة الاغترابية الثانية، شاعراً وإنساناً”.
كنت فتى في مقتبل العمر حين سمعت لأول مرّة باسم عادل ناصيف كاسمٍ مهمٍ في قرية الكيمة وغيرها لأسباب كثيرة لسنا بصدد ذكرها الان، اسم يردده الناس إيجاباً في وادي النضارة الواسع الجميل، ومن هنا ارتبط اسمه بذاكرتي التي لها وظيفتان: الحفظ والنسيان، ولكن هذا الاسم بقي في ذاكرتي التي لم تنسَه أبداً.
بعد أن أصبحت عضواً في الهيئة التدريسية في جامعة البعث بحمص كلفت في نهاية التسعينيات أو بداية الألفية الثالثة بالمشاركة في لجان المؤتمر التربوي لتطوير التعليم الذي أعدت له وزارة التربية في الجمهورية العربية السورية، وأثناء الجلسات عرفت أن عادل ناصيف يعمل في وزارة التربية بصفة موجّه أول للغة العربية، فدخلت إلى مكتبه وسلمت عليه وعرّفته بنفسي وسررت بلقائه.
تباعدت بيننا الأيام والأماكن إلى منتصف العقد الثاني من الألفية الثالثة عندما انتشرت بقوة في العالم وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة الفيس بوك، فظهر أمامي عادل ناصيف بصفته شاعراً على صفحات الفيس بوك معلّقاً على مقابلة معي في التلفزيون العربي السوري محيياً (فرددت التحية بأحسن منها) كما يقول… فأصبحنا صديقين في العالم الافتراضي, ووجدت به شاعراً مختلفاً جداً مبنىً ومعنىً ووطنية، فازداد التواصل بيننا وأخذت اهتم بشعره الذي وجدته يرقى إلى مصاف الشعراء الكبار في عصورنا الأدبية المختلفة, ووصفت بعض قصائده بالمعلقات، ولا أبالغ في ذلك… شعره ينضح وطنية وإنسانية في وقت وقف فيه كثير من الشعراء على الحياد من القضايا الوطنية الكبرى في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين أو وقفوا في الصف الآخر متفرجين، أو يصفقون لأعداء الوطن والإنسانية.
منذ عدة أسابيع تواصل معي الشاعر عادل ناصيف من مغتربه القسري ليعلمني بقدومه إلى سورية بلده الذي يعشق والذي سخّر جلّ عمره في محبته وخدمته.
سارعت إلى لقائه الذي أسعدني كثيراً، ورتبنا له لقاءات مع رابطة الخريجين الجامعيين واتحاد الكتاب العرب وطلابي في الدراسات العليا: الماجستير والدكتوراه وبعض الشعراء الأصدقاء والمهتمين، وأمسيات شعرية في رابطة الخريجين الجامعيين والمراكز الثقافية وغير ذلك، وكل ذلك قليل على هذا الشاعر الوطني الكبير.
عادل الناصيف مدرس وكاتب وشاعر من مواليد قرية الكيمة عام 1942. إنسان متعدد العطاءات، مثقّف، محدّث، يكتب الشعر بالفصحى الراقية، ينظم شعره بالطريقة الخليلية مليئاً بالخواطر والحوادث، والقصص المنتقاة من الواقع وحياة الناس الذين يعرفهم ويعيش معهم. تعرّف الأستاذ عادل على تقنيات كتابة الشعر عبر المدارس والجامعات، وهو بارع في استرجاع المعلومات من ذاكرته المزدحمة بالحوادث والموضوعات والقضايا والذكريات، ذاكرته مدهشة، يدخل إلى أعماق الناس الذين يتعامل معهم… ويكشف عن خبايا واقعه، محبّ ووطني في وقت لم يعد فيه للحب معنى مهم…
يقول: ” في الثامن من إيّار من كلّ عام، وأنا بعيدٌ عن وطني، أشعر بارتعاش غريب في كل أنحاء جسدي، شراييني تتصلّب ويداي ترتجفان والعرق يتصبّب من جميع أجزاء جسدي حتى أوراقي تتساقط أمامي وتتناثر كما تتناثر أوراق شجر التفاح بين أقدام عاصفة رملية هوجاء، وريشتي يصيبها الشلل وهالة سوداء تحيط بي يا ألله! لمَ كل هذا؟ ولماذا في مثل هذا اليوم بالذات؟ فأنتفض على نفسي بكل هدوء وأتأنّق وألبس ما توفّر لي من ثياب جديدة لأستقبل الأبناء والأحفاد مهنّئين بيوم مولدي فأعيش معهم إنساناً آخر وُلِدَ من جديد يتقبّل الحياة بكل ما تحمل من أفراح وأتراح بعين راضية ونفس مطمئنّة لما تجلبه إليَّ الورقة التاسعة والسبعون من مفاجآت .وما إنْ أنفرد بنفسي حتى أعود إلى مأساة وطني فألجأ إلى الشعر عسى أن يخفّف من حالي المأسوية التي أعيشها في هذه اللحظة وينقلني إلى كوكب آخر يُعيدُ لي توازني ويُرجعني إلى ساحتي الطبيعية وملعبي الحقيقي، وفجأةً في هذا العام حملني الشعرُ إلى حضنِ أمّي وبيت أبي ذي الطابقين والمسقوف بالقرميد الأحمر المبنيّ منذ أكثر من أربعمئة سنة بالحجر الأسود والأبيض، لم تنلْ منه عوامل الطبيعة على قسوتها وجبروتها بل بقي صامداً في وجه الريح ومعلماً من معالم ضيعتي (الكيمة) الشامخة على إحدى روابي وادي النضارة في وطني الحبيب سورية المزهوّ بحضارته ونضارته وطيب مائه ونقاء هوائه وصفاء أهله وساكنيه.
أرجعني الشعر في هذا اليوم إلى أترابي وأصدقائي وأبناء حارتي الذين يرحلون معي أين ارتحلت، وأبناء ضيعتي الذين أحمل لهم المودة والاحترام، أعادني تلميذاً في مدرسة الكيمة الرسمية التي أفتخر بها وأعتزّ بأنها أقدم مدرسة بُنِيَتْ في وادي النصارى بأمر من القياصرة الروس في ذلك الزمن وعلى نفقتهم الخاصة.
أعادني طالباً في ثانوية النهضة وثانوية القديس بطرس في مرمريتا والثانوية الحصينة في المزينة، أعادني إلى جامعة دمشق.
أعادني إلى سورية الأمان، سورية الحضارة، سوريا المحبة، سورية التاريخ، سورية المجد والكرامة، أعادني إلى الشعب السوري الطَّيِّب والراقي بمزيجه السلالي المتجانس الذي استطاع أن ينتج هذه الثقافة المادية الروحية التي أسهمت في تقدم الإنسانية عامة.
لقد فرشَ الشعر أمامي مصوّر سورية وتاريخ سوريا فانحنيت أمامها انحناء العابد الناسك أمام رَبِّه. لقد حملني الشعر في يوم ميلادي إلى مدينة القامشلي طالباً في الصف الأول الثانوي في عام ١٩٥٩ حين أستنفرنا جميعاً إلى بلدة عامودا حاملين الفؤوس والرفوش والمعاول لإنقاذ طلاب مدرستها التي التهمتها النيران على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم. لقد كان الوطن فوق الجميع ، والدين يجمعنا على مائدة المحبة والتسامح…”
شارك عادل الناصيف في المهرجان الكبير الذي أقامته رابطة المحاربين القدماء في عام ١٩٦١ بمناسبة ذكرى وعد بالفور المشؤوم وسلخ لواء إسكندريون وثورة الجزائر وقد ألقى في هذه المناسبة كلمة اتحاد الطلبة وتمّ اختياره عريفاً لهذا المهرجان، وتمّ اختياره عضواً في مجلس الإدارة لمجلة “صدى الخابور ” برئاسة الإعلامي يعقوب شلّمي وقد صدر منها عددان أو ثلاثة.
أخذه الشعر إلى إلى حرب تشرين التحريرية عام ١٩٧٣ حين كان ضابطاً في الجيش العربي السوري وهو يحمل صحيفة المقاتل التي كان يحررها يوميّاً بالتعاون مع أحد زملائه في خدمة العلم ويذهب بها إلى المقاتلين في خط النار، كلّاً في خندقه تحفّزهم على القتال والنضال لتحرير الوطن والإنسان إضافةً إلى تحريره مجلة “الفرسان” التي كان يقوم بتحريرها مع الملازم الدكتور أحمد داود كتابة بخط اليد في البدايات قبل أن تتم طباعتها ونشرها رسميّاً، ثمّ أعاده الشعر إلى اليوم الذي وقفَ فيه أمام الرئيس حافظ الأسد مرتجلاً هذه الأبيات ردّاً على من قال لسيادته ممازحاً إنّ قريحة الملازم عادل ناصيف جفّت في هذه الحرب نوردها كما ارتجلها أمامه تماماً دون أي تعديل:
تفجّري يا عيونَ الشعرِ وانهمري
وأورقي يا غصونَ الأيكِ وازدهري
وكلّلي يا شموسَ المجدِ دوحتنا
فكلّ شبرٍ بأرضي نيطَ بالعِبَرِ
قالوا: نضبتِ وما في الكأسِ من بللٍ
وجفَّ ماؤكِ رغمَ الدفقِ بالمطرِ
فأسمعينا نشيداً كنتُ أحبسهُ
خلفَ الجدار وغنّي نشوةَ الظفرِ
يا فارسَ البعثِ لم تنضبْ جداولنا
سأكتبُ الشعر لو نقشاً على حجرِ
بالأمسِ أكتبه حبراً على ورقٍ
واليوم بالمدفع الرشّاش بالشررِ.
ثمًّ أعاده الشعر إلى دمشق مديراً لثانوية فريز مالك, و(موجّه أول لمادة اللغة العربية) ومديراً لمجلة المعلم العربي في وزارة التربية, ومديراً للتخطيط والإحصاء فيها. أمضى الأستاذ عادل أربعة وأربعين عاماً في تدريس اللغة العربية وآدابها، وإعداد كتب اللغة العربية وتأليفها للمرحلة الثانوية، ومعهد إعداد المدرسين، وإعداد منهاج اللغة العربية لمعهد البيان الدولي للمرحلة الثانوية في دولة البحرين، وإعداد كتب التربية المسيحية لجميع المراحل التربوية في وزارة التربية. وأُحيل إلى التقاعد لبلوغه السن القانونية عام ٢٠٠٣. لكن الشعر أبى أن يحمله إلى سورية متذرّعاً بأنّه أصبح غريباً عنها وأنها أصبحت غريبة عنه فقال: إن سورية اليوم ليست كالأمس. كلّ شيء تبدّل وتغيّر. مات فيها الشجرْ، وفيها ذاب الحجرْ ، وتعفّنت فيها نفوس البشرْ ، قُرى تُهجَّر وتُبادْ ، مدنٌ تدمّرْ أطفال تُذبحْ نساء تُقَطَّع أرحامُها ، فيها تؤكل الأكباد وتُحرَق الأحياء. إنّ السوريين اليوم يقتل بعضهم بعضاً. لقد انقسم الله فيها على نفسه، إله صحراويّ قاتلٌ غريب جاءها من بعيد يلتذّ بالدم، وإله رحوم عطوف رؤوف يُقتَلُ كل يوم ويُذبح في كل لحظة.
سأدَعُك هنا في غربتك تنام حالماً وتستيقظ حالماً بسورية الماضي وشعبها العظيم وتبقى صورتها النقية الصافية أمام عينيك محراباً وهيكلاً تتعبّد فيهما معاً وتسجد لله الذي قتلوه ودفنوه في عيون أطفالها وأكبادهم. يقول: استنجدتُ بشيطانِ شعري فخاطبني الشعر هازئاً : لم يبق لك بعد اليوم شيطان أو ملاك لشعرك وقوافيك. لقد فرّ ملاك الشعر وشيطانه منذ تسع سنوات مضت، وتوالدت شياطين جدد وقرود وسعادين جاءت من أقاصي الأرض لتذبح الجَمال وتقتل المحبة في وطن المحبة، لقد فقؤوا عيون الشعر ونتّفوا قوافيه كما تتنتّف الورود على قبور الموتى. لقد أصبح ياسمين دمشق أحمر له رائحة الدم، وسواقي بردى جفّت مآقيها ونشفت عروقها، حُمص شاخت وعاصيها شابت نواصيه، ووجه ديك الجن الحمصي الوردي شحبَ واسودّ، وقدّه المياس انحنى على عكازين من القصب. حلب ما عادت حلباً التي تعرفها، وأبو العلاء المعري أبى إلّا أن يكون في عداد الشهداء دفاعاً عن الشعر والشعراء فقطعوا رأسه في المعرة من جديد. لقد هشّموا اللغة الفصحى وجرّحوها فماتت الكلمات في أفواه الشعراء والكتّاب. أخاف عليك من الموت المفاجئ إذا رسمتُها لك كما هي الآن. أيها الشاعر المجنون ماذا أعدّد لك؟ وإذا كنت تبحث عن ملاكٍ للشعر فلن تجد له أثراً. كُنْ عاقلاً ودعْ يوم ميلادك يمرّ بهدوء…
كيف للشاعر عادل ناصيف أن يهدأ ويستريح وهو مُحاصَرٌ بمأساة وطنه وأحزان أهله وأخوته ورفاقه ؟ فقال:
أنا يا شعرُ ما نضبتْ حروف
لها في كلِّ جارحةٍ دبيبُ
تأنّقْ فالشآمُ لها امتدادٌ
بقلبي واللقاءُ بها قريبُ
وجمّلْ ثوبَ عرسِك واصطحبْني
هناك العرسُ والنغَمُ الطروبُ
غداً يا شعرُ تزهرُّ الأماني
وتخضرُّ المدارجُ والدروبُ
وتحيا سوريا أرضاً وشعباً
وتأتلفُ السواعدُ والقلوبُ
ويجمعنا بها عصَبٌ وعرقٌ
ومئذنةٌ يعانقُها صليبُ…
كيف للشاعر أن يفرح وهو هناك غريب القلب واليد واللسان، بعيدٌ عن وطنه وأحبّائه وهم يتقاتلون، الأخ يقتل أخاه دون أن يدري، والأب يقتل ابنه دون علم به ؟ وكيفَ يدَعُ يومَ مولده يمرُّ بهدوء وهو بعيدٌ عن مكان مولده الذي مازال يعبق برائحة أمه ويختزن صوتها الدافئ وصوت أبيه الجميل الذي يصدح في كل أنحاء البيت بعذوبة وحنان… يصحبه معه إلى الكنيسة في أيام الآحاد ليرنّم ويرتّل مع كاهن الضيعة بصوته الدافئ العذب فيشعر وهو في حضنه بالأمان؟ فيطيب له أن يصلّي ضارعاً :
يا ربُّ لا ترفضْ صلاتي إنّني
ما كنتُ يوماً جاحداً وضليلا
هلّا لمستَ الجرحَ بي ومسحتَه
ورويتَ منّي في الضلوعِ غليلًا
ورميتني في أرضِ أجدادي ولوْ
جسداً على هضَباتِها مشلولا
أشتمُّ رائحةَ التي أحببتُها
ماءً نسيماً عاطراً وعليلا
هي كيمةُ الوادي عشقتُ ترابَها
والقلبُ فيها لمْ يزلْ متبولا…
ويعاتب الشعرَ فيقول له : لماذا أيها الشعرُ تعصفُ بي وبكبريائي؟ أنسيتَ صداقتنا وحبنا الأزلي الذي لا يموت؟ ألستَ أنت القائل :
سأعود أحمل فوق ظهري غربتي
لا الشيبُ يمنعني ولا الأقدارُ
لا ينهضُ البازي بغيرِ جناحِه
وبلا الثرى لا تنبتُ الأشجارُ…
وجئتَ الآن تقول لي دعْ يومَ ميلادك يمرّ بهدوء؟ لا أظنُّ أنّك جادٌّ في ما تقول. إنّ وطني يناديني وأبناءَ حارتي ينادونني هيّا إلى ضيعتك وأهلك وأحبابك، إنّ سوريا ستبقى شامخة عالية الجبين عاصيةً على الغزاة وما مرّ بها غيمة صيف لا بدّ أن تنقشع وتزول.
آه يا شامُ كيفَ أكتبُ شعراً
وحروفي كغوطتيكِ رمادُ
قتلتنا نوازعُ الدينِ فينا
ورمانا عن الجوادِ الفسادُ
لهفَ نفسي على بلادٍ تهاوت
وهيَ صرعى وأهلُها الجلّادُ
اجمعوا الشملَ يا رجال بلادي
ذروةُ الخزيِ أن تضيعَ البلادُ…
أستحلفكم بوطنكم بأرضكم الطاهرة المقدسة ، أستحلفكم بكل قطرة دمٍ سوريٍّ أُريق ، وبكلّ تنهدات امرأة ثكلى ، وصراخ أب مفجوع. أستحلفكم بدماء الأطفال المتناثرة في شوارع حلب وحمص وادلب، أستحلفكم ببردى. أستحلفكم بأشجار الغوطة وعصافيرها. أستحلفكم بحمص بحلب باللاذقية بالقامشلي بصيدنايا بمعلولا… أستحلفكم بالجامع الأموي بالسيدة زينب أستحلفكم بسوريا استحلفكم بالله العظيم الذي لا إله إلّا هو ، بالقرآن والإنجيل. أستحلفكم أن ترموا سلاحكم وتحفظوه ليوم عصيب آتٍ فيتقدّس السلاح في أيديكم وتعود له حرمته وجلاله. تعانقوا توحدوا اتفقوا تكاتفوا تعاضدوا إن إلهكم واحد ووطنكم واحد وإلّا فأنتم الخاسرون، اغسلوا قلوبكم واستحضروا ضمائركم أنتم حماة الضاد وبلادكم قلب العروبة النابض بالحياة وضميرها الذي لا يموت ومنارتها التي لا تنطفئ، أنتم المؤهَّلون لقيادة العالم العربي وتحريره من العملاء والخونة والفاسدين.
يقول: “الآن بدأ عام جديد في حياتي وأنا أدعو لكم ولسوريا أن يغمركم الله بمحبته ويؤلّف بين قلوبكم ويحرركم من أعدائكم الحقيقيين، أعداء الله والإنسانية وينصر جيشكم العظيم الذي حمى شرف البلاد والعباد ويتغمّد شهداء سوريا برحمته، وأن أعود إلى وطني عامراً بالمحبة وأنتم تنعمون بالدفء والسلامة والعيش الكريم أحراراً في بلد حرٍّ كريم، ها أنا الآن أحمل الورقة التاسعة والسبعين في يدي ولا أعلم ماذا تخبّئ لي من مفاجآت، هل ستسمح لي أن أعود إلى وطني وألقي بينَ أصدقائي وأحبابي قصيدة العودة في ربوع وادينا الحبيب الذي فيه وُلدتُ وفيه ترعرعتْ ونمتْ حروفي الأولى؟ أم ستبقى قصيدتي هذه مطويّة في الأدراج تنتظر من ينفض عنها غبار غربتها ويحملها الأثير إلى أبناء وطني كحمامةِ سلامٍ ترفّ في سماء سورية وتجوب فوق أسطحِ بيوت ضيعتي التي فيها نمتْ جذوري وأفرعتْ غصوني؟ وعلى أيّة حالِ أقول لكم أيها السوريون الأحباء :
لو قطّعتْ جسدي سكّينُ غربتِه
تظلّ روحي كشمعِ العيدِ تشتعلُ
على منازلكم تحلو الحياة لها
حيثُ النضارةُ لا بؤسٌ ولا مَلَلُ
تغازلُ الطفلَ والشيخَ العجوزَ ومَنْ
على الفراشِ ومَنْ منهم دنا الأجلُ
ضرعتُ للّهِ مستافاً لكم مدّداً
منَ السماءِ تقيكم شرّها العِلَلُ
وأن يقيكم بلاءَ الفاسدين ومَنْ
باعوا البلادَ ومَنْ خانوا ومَنْ خَطِلوا
ومِنْ شياطينَ جدّافين مَنْ لبِسوا
ثوبَ القداسةِ بينَ الناسِ وانتحلوا…
ستبقى سورية أمّ الشاعر الغريد، الشاعر الوطني بامتياز عادل ناصيف، يستريح بحضنها الدافئ، والعروبة فخره واعتزازه.
***
*غداً 6- 2- 2022 ورقة الأديبة نجاة الشالوحي – لبنان