مقتطفات من قصيدة “العاصفة” للأديبة ميّ علوش من ديوانها “أرض الياسمين”

 

 

 

كتبت ميّ هذه القصيدة الطويلة بعد ليلة من شتاء العام ١٩٩٠.

كانت الأديبة قد عادت إلى منزلها في بيروت بعدما نزحت عنه مثل معظم الأهالي الذين غادروا نتيجة المعارك الأكثر قسوة في المرحلة الأخيرة للحرب الأهلية اللبنانية.

وكان مثله مثل كثير من المنازل البيروتية، قد انهار زجاجه وتصدّعت أبوابه ونوافذه وغزته رائحة البارود، ولم يسعف الشتاء العاصف حينها الناس لإصلاح ما انهار، أو ما تدمّر، سوى ببعض العوازل السريعة.

يمكن لقصيدة “العاصفة” التي كتبتها مي علوش قبل اثنين وعشرين عاماً ورغم اختلاف الظروف السياسية والاجتماعية، أن تتشابه مع عواصف هذا الشتاء وغيره، وإن تتّفق في أحاسيسها مع أحاسيس كلّ امرأة تعيش في زمن الحرب او الترحال واللجوء…

 

***

 

“جاءت تئنُّ العاصفة

من بيتها المطمور في بطن الثلوج

قَدمت إلينا، فيمَ تأتي في السنين الرّاعفة؟

شبّاكي المكسور تنهكهُ الرياحُ الزّاحفة

هي تقرع الأبواب لاهية وروحي نازفة

كمّ من عدو جاء قبلاً

ثمّ تأتي العاصفة

نام الصغار وما دروا

انّي بهذا الليل وحدي

أنبري للعاصفة

أنا لي يَدان وللرياح

آلاف أيدٍ مطلقة

لكنّ أطرافي جميعاً موثقة

وجميع أبوابي غزتها الحربُ ليست مُطبقة

والعتمُ يوحشني وبعضُ الباب أصبح مِطرقة

وسُدادة الشباك تنوي

إن تطير مع الهواء وتلحقه

والليلُ جيشٌ قد تجمهرْ

وأتى على الشباك يسهرْ

والريحُ راحت ترتمي

في شقّ شباكٌ مكسّرْ…

آهٍ بماذا احتمي

آهٍ بماذا أتّقي

أمواجُ ريح جارفة

والطفلة الصغرى غزاها النوم ليست مُقلقة

آتي بأحجارٍ هَوَتْ

آتي بأخشابٍ قبيل الحرب كانت واقفة

وأثبّتُ الأخشاب بالاحجار

أنتصرُ إنتصاراً خاطفاً

تهوي خشيباتي فأهوي

ثم انهضُ من جديد

أبقى مقاومة وعن أسس التحدي عارفة

لقد تعلمتُ العناد وحسنَ ادراك الخطرْ

الرياحُ تزأرُ والليالي قاسياتٌ عابسة

النور لا اضواءَ بل اشباحُ ليل مائسة

ومدينتي في الليل تحكي عن وطنْ

تتعي الرجال الخاسرين

تبكي الطلول الدّارسة

تبكي احبة قد قضوا ما حققوا نصراً ولا حلماً

وراحوا بالأماني الخائسة

في الليل ينتفضُ الألم

وأنا اخافُ الليل والآلام

والرّيح المقطّعة النغمْ

وانا أخاف الطائرات القاصفة…

جاءت تُغالبني الرياحُ وهل دَرَت

أني هنا مثلُ الرياح الجارفة؟

بي الفُ عاصفةٍ مخبّأةٍ بصدري راجفة…

كم من يدٍ جاءت تقاتلني فجمّدها العياءْ

للهِ كم عاركتُها تلك الأيادي العابثة

وسلاحُ نفسي الكبرياءْ

كم طوّقتني عاصفة….

 

***

*صفحة الأديبة مي علوش على فيسبوك

اترك رد