بعد سنوات من ولادتي، سألتُ نفسي عن الاسم الذي تسمّت به، فقالت إنّها لا تعرف. وصدفَ أن مرّ الشتاء في المدينة، فخرجتُ إليه وسألته: هل تعطيني واحداً من أسمائك؟
أجاب الشتاء بغضب: ليس لي غير اسم واحد، ولا أريد سواه. لكنّني إذا أعطيتك إيّاه، فسوف يخاف منك الناس، ولا يعود لك أصدقاء.
قلت له: ولماذا يخافون؟
قال: هل أنت تغضب مثل غضب رعودي؟ وهل في روحك عاصفة كتلك التي تهبّ على الأشجار فتقتلعها وتعرّيها؟
أجبتُ: عندي الغضب وعندي العاصفة، فماذا أريد أكثر؟
قال الشتاء: لو أعطيتُك اسمي، فإنّي أخاف عليك من الوحدة، فالناس يمجّدون الفصول الأخرى، ويتمنّون لو أنها تطول، ولو أنّ أيامي تقصر وتنتهي، وهم يكرهونني أيضاً ويمطرونني باللعنات، وكلّما برقت السماء أو رعدت يهرولون إلى منازلهم في رعب وقلق، وعندما أغدق عليهم بالمطر، تتجهّم وجوههم، ويحملون مظلاّت لكي لا يصيبهم البلل، فأشعر وكأنّني أسيء إليهم بدلاً من شعوري بالسعادة.
توقّف الشتاء هنيهة عن الكلام، بينما كنت أراقبه وأشفق عليه من الخيبة التي يشعر بها، وعندما أيقن أنّني ساكت وليس عندي جواب، أردف قائلاً: إذا كان اسمي يعجبك، فخذه، وستكون أنت أوّل من يتسمّى به في البشر.
صرخت بفرح عظيم: هل صحيح أنّك ستسمح لي بأن أتّخذ اسمك أيّها الشتاء؟
رعد الشتاء رعدة قويّة اهتزّت لها مفاصلي، وقال بصوت قويّ: خذه، فلعلّك تحمل عنّي بعضاً من اللعنات التي أصابتني في الدهور.
مضى الشتاء عنّي مسرعاً، ومنذ تلك اللحظة أصبح اسمي الشتاء، وصار أهل المدينة يخافون منّي كلّما مررت بجانبهم، ويلعنونني كلّما التقيت بهم، ولم يعد أحد يلقي عليّ السلام.
***
*مشروع الأديب د. جميل الدويهي “أفكار اغترابية – سيدني