كَأْسِي وكَأْسُكِ! 

   

رَمَيتِها بِدَلالٍ، لَفتَةَ العَتَبِ!             وَرُبَّ لَوْمٍ رِضًى يُغْوِي على الهُدُبِ

ومِلْتِ لِلكَأْسِ في غُنْجٍ، تُدَغدِغُها            أَنامِلُ الِّليْنِ في إِشراقَةِ الذَّهَبِ

نَسِيْتُ وَقْرِي، وأَكداسَ الهُمُومِ، وما       رَسَمْتُ لِلعُمْرِ، في شِعْرِي، وفي كُتُبِي

ما السِّحْرُ إِلَّا عُيُونٌ مِنْ تَدَلُّلِها            خُلاصَةُ الوَحْيِ في شِعْرٍ، وفي أَدَبِ!

***

كَأْسِي وكَأْسُكِ! لو تَدرِينَ كم نَهِلَتْ            عَينايَ مِنْ كَأْسِكِ الزَّهراءِ بِالشُّهُبِ

فِيها عَبِيرُكِ… والأَنفاسُ طَيِّبَةٌ،            مِن دافِئِ الثَّغرِ، مَيَّالًا على الحَبَبِ

يا كَأسَها! لَيتَ لي ما نِلْتِ مِن نِعَمٍ            في كُلِّ حَطَّةِ ثَغرٍ بِالهَوَى وَصِبِ

كَأسِي دَعَتنِي إِلى راحٍ سَرَتْ وَلَهًا            مُذْ كانَ كَرْمٌ، وكانَ الحُلْمُ بِالعِنَبِ

أَتَيتُها وأَحاِسِيسِي مُلَهَّبَةٌ            أَقُولُ: يا قَطَراتِ المُشتَهَى انسَكِبِي

لَو تُدرِكُ الرَّاحُ كم زادَتْ بِها شَفَةٌ      أُعجُوبَةَ السُّكرِ قالَتْ: وَيْكَ يا حَسَبِي

لَكِنَّ كَأسَكِ إِذْ أَقبَلتِ ناهِلَةً،            قد أَحرَقَتنِي، وما لِلنَّارِ مِن سَبَبِ

يا قُبْلَةَ الشَّمسِ لِلبِلَّوْرِ، لو وَسِعَتْ            شِفاهُهُ البَوْحَ، حُمَّ الثَّغْرُ بِاللَّهَبِ!

***

أَرُوْدُ خَمرِي، وقَلبِي في رَحِيقِكِ،    في مَرْمَى اللَّمَى الشَّهْدِ، عِندَ المَلمَسِ الرَّطِبِ

دارَتْ بِرَأسِي! أَهَل خَمْرِي الَّتِي تَرَكَتْ      هذا الدُّوارَ، ولم أَعهَدْ بِها طَرَبِي؟!

هُلِّي، فَدَيتُكِ! رُوْحِي فِيكِ مُنشِدَةٌ            زُغرُودَةَ الرِّيحِ في أَيْكٍ مِنَ القَصَبِ

يا قَلبُ ما لَكَ! والعُمْرُ انزَوَى، تَعِبًا،      تَرُومُ عالِي الذُّرَى بِالهَيكَلِ التَّعِبِ

تَرُوْمُ ما كانَ في خالِي الصِّبا فَكَأَنْ        ما زالَ عَزْمٌ، وَوَجْدُ الصَّدْرِ في لَجَبِ

كَأَصغَرِ الطَّيْرِ يَبغِي في تَدَرُّجِهِ            وَكْرَ النُّسُورِ، ولم يَخرُجْ مِنَ الزَّغَبِ

حَيَّيْتُ فِيكَ وَجِيْبًا، لا يَنِي دَفِئًا،            والصَّيفُ وَلَّى، وغَصَّ الجَوُّ بِالسُّحُبِ

لا تُلْقِ رَحْلَكَ دَرْبُ الشَّوقِ واعِدَةٌ،         يا والِهًا جُنَّ، بل يا أَعجَبَ العَجَبِ!

اترك رد