د. جميل الدويهي: شجاعة الأديب شخصيّته

 

 

(من الكتاب الفكري “أفكار خارج العزلة” – يصدر 2022)

 

تمثّل شجاعة الأديب نصف شخصيّته، ومِن غيرها لا تبقى إلا صورة من ورق… وفي العصور دفع أدباء حياتهم ثمناً لمواقفهم وأقوالهم، وهناك كتب كثيرة، لمن يحبّ الاطلاع توثّق حياة هؤلاء وموتهم- أقصد استشهادهم-، وفي رأيي أنهم أفضل الشهداء، لأنهم شهداء الشجاعة.

لا أفهم أديباً غير شجاع، يلتفت يميناً ويساراً، خوفاً وخشية، من غُول يطارده. وفي المواقف يأكل لسانه القطّ، فينكفئ وهو مرتعد وكأنّه أمام جيش هنيبعل القرطاجي.

وللأسف، هناك في مجتمعاتنا سياسة ترْعب، وعسكر يرْعب، وثقافة ترْعب أيضاً، وطقوس بدائية وغوغائية تدفع إلى” التكويع” والسلامة… فألف كلمة جبان ولا كلمة الله يرحمه – على حد قول المثل التافه الذي وضعه أناس جبناء.

وفي المقابل، هناك مثقّف الشجاعة، الذي دأب على مواجهة الصعاب، فأصبحت جزءاً منه، وتحوّل إلى كتلة من النار والنور، من اللحم والدم والقلب والروح والفكر والكبرياء والإقدام.  والشجاع تعرفه من وجهه، وطيبته، وأخلاقه، وترفّعه عن الصغائر والعنعنات.

الشجاع يمضي وحيداً، ولو لم يكن معه أحد، مؤمناً بفكرته، وإذا تخلى عنه نصف البشرية، لا يلتفت إلى الوراء، ولا يندم على خسارة، لأنّ  نصف البشرية الآخر هو نصف الكأس المترعة بالخير والفضيلة والمحبة… وماذا يريد المبدع أكثر من هذه الثلاثة تملأ حياته طرباً وسعادة؟

فأيها الأديب الخائف من اغتيال، لن يغتالك أحد… والمرتعب من تصفية، لن يصفيك أحد… والمتوجس من مقاطعة، لن يقاطعك أحد سوى نفسك… وإذا كنت يسير  “من حيط لحيط تا توصل عالبيت”، فأنت متوهم فعلاً أن هناك أقوياء يمكنهم أن يسقطوا عليك الجدران، فالذين نشروا الرعب في نفسك ليسوا قادرين على محو الرعب من نفوسهم أمام كل بارقة إبداع وانتصار… والصديق الذي تخشى من عقابه وثأره  ليس صديقاً، بل هو عدوّ يتخفى، ويراقب حركاتك وسكناتك، ليعرف إذا كنت فعلاً تحت عباءته، ولا تخرج عن الخط الذي رسمه لك… إنّ صديقك في نفسك وعدوك من خارجها… وثوبك الجديد الذي خيّطه لك أصحاب المصالح هو من حرير غير أصلي، تأكله أشعة الشمس، ويبوخ لونه، ويدخل البرد من خلال خيوطه.  أمّا أثواب  القمم المتمرّدة فلا تبريها الرياح، والتاريخ يدخله الكبار فقط، أما حكمتك، فهي الأداة التي بها تختار إمّا أن تكون مع التاريخ، وإمّا أن تسير مع  ظلال خوفك، والظلال تختفي عندما يختفي النهار.

***

*مشروع الأديب د. جميل الدويهي “أفكار اغترابية” للأدب الراقي – سيدني 2022

اترك رد