الاديب الدويهي يكشف لأول مرة عن مرضه النفسي
عندما سألني صديق مخلص للأدب والحقيقة، يريد ان يشارك في مؤتمر أفكار اغترابية المقبل، عن عدد الكتب الصادرة عن أفكار اغترابية في العام الماضي ٢٠٢١، اجبته على الفور، ١٢ كتابا. كان هذا الانطباع لدي. وبعد قليل اكتشفت كتبا اخرى، فعاودت الاتصال بالصديق وقلت له، ١٥ كتابا، ثم اكتشفت ثلاثة كتب اخرى غفلت عني، فابلغته بأننا انجزنا ١٨ كتابا. وللاثبات نشرت على صفحتي عناوين هذه الكتب، وصورا عن أغلبها، وأنا اكرر ما قلته للصديق: أصبحت لا أعرف أبنائي.
فعلا انني فوجئت بعدد الكتب هذا، وفوجئت أكثر بان وجودها امر اقل من عادي، فليس انجازا ولا يبدو انه مهم. وعندما يصل المرء الى هذه الدرجة من التبسيط، يعتقد في قرارة نفسه انه يتصور الامور على غير حقيقتها، ويصبح شأنه كشأن ذلك الملك في مسرحية نهر الجنون لتوفيق الحكيم، حيث الملك يتقصد الجنون ليتساوى بالرعية.
(المقطع التالي من كتاب أفكار خارج العزلة- يصدر عام ٢٠٢٢)
اسمحوا لي ان اخبركم عن مرضي النفسي، وهو مرض التضخيم، إذ ارى حجم الاشياء اكبر مما هي عليه، فاذا شاهدت نملة اهرب منها لاعتقادي انها وحش مفترس يريد التهامي، واذا مررت قرب ساقية خفت من الغرق، وتخيلت ان السفن تعبر فيها وناقلات البترول تجوبها من ضفة الى اخرى… ولكي انجو من هذا المرض وصف لي الاطباء زجاجة اضعها فوق عيني، فأرى كل شيء اصغر، انا اصغر في المرآة، أعمالي لا تتجاوز حبة رمل، كتبي كلها اقل من صفحة في كتاب، تنوعي لا قيمة له، بل هو ادعاء…
وفي علم النفس، بعض الامراض تؤدي الى امراض اخرى، وهذا ما حدث لي، فقد نصحني الاطباء ايضا ان اشتغل بالقعود، كما في مسرحية الرحابنة، وقالوا ان شفائي التدريجي من مرضي السابق يلزمه ان اتواضع، واعترف بالمساواة مع القاعدين، وقالوا: كلما نجحت زاد ألمك ومعاناتك، وكلما فشلت زاد فرحك. لكن العكس حدث، فقد عمت الاحتفالات المدينة، ورقص الناس في الشوارع عندما أعلنت اعتزالي وتقاعدي، وكنت وحدي محبطا وخائنا لنفسي. فالزجاجة على عيني فرضت علي رؤية مطلوبة، وعقلي فرض علي رؤية مختلفة منطلقها الإيمان. واكتشفت بعد طول صبر وأناة ان اغلب الناس يحتاجون الى زجاجات على عيونهم تريهم الاشياء على حقيقتها، او تضخم لهم ما يرونه صغيرا، وبجبرون انفسهم على الاعتقاد انه قليل الاهمية.
وبين مرضي، وأمراض العالم، كنت ادور على الابواب، واصرخ في وجوه الشامتين: اعتبروني لصا، او كاذبا، او شاهدا بالزور، لكن قولوا إنني فعلت شيئا يستحق العناء، وكنت أعلق صور كتبي على مدخل وزارة الإعلام، وأصيح: إن لم يكن قول الحقيقة من اجل الحقيقة، فليكن من اجل البر والاحسان… يا محسنين.