من كتاب “أفكار خارج العزلة” – يصدر عام 2022
كانوا يجلسون إلى مائدتي، فيأكلون ويشربون. وكنت أحدّثهم عن مواعيد الشتاء، والقمح الذي ينبت من غضب العاصفة. وأقول لهم: إنّ في الخبز مرارة السفر. وفي الجرار العتيقة صدى لملح التشرّد.
سألت نفسي: هل أنا واحد منهم؟
وأجبت: قد أكون مثلهم، أو هم بعض من أعدائي، وقد جاء في الكتب أنّ المعلّم الأكبر كان لديه أعداء، ولا يمجّدهم أحدٌ، لأنّهم كانوا يحتقرون الضوء والحقيقة.
بعد ساعة، خرج الزائرون من بيتي، وهم يتحدّثون بلغة، لم أفهم منها سوى كلمات قليلة، فقد كان المطر ينهمر بغزارة على اللغات، والرعد يقطع ألسنة الحروف. وبينما كانوا يبتعدون في طريق داخل الغابة، انتبهتُ إلى أنّني لم أسألهم عن أسمائهم، ولا أين يعيشون… ونسيتُ أن أرى وجوههم، فقد كانوا يرتدون أقنعة، ولعلّهم اعتقدوا أنّني كنت أرتدي قناعاً أيضاً، وأنّ وجهي الذي كانوا ينظرون إليه، قد اشتريته من صانع الأقنعة.
***
*جميل الدويهي: مشروع أفكار اغترابيّة للأدب الراقي – سيدني 2021