سامي مظلوم
(سيدني- أستراليا)
كانوا يقولون ويكتبون في هيلين توماس التالي: في البيت الأبيض سيدتان ترجّفان الرئيس الأميركي: السيّدة الأولى والصحافيّة الأولى هيلين توماس، وإذا كانت الأولى تهادن الرئيس في وقفاته أمام الشعب الأميركي وتسانده!!! فإن مهمة الثانية أي هيلين تقودها إلى إحراجه وحشره.
هيلين توماس كانت في البيت الأبيض منذ العام 1961، نعم رؤساء تأتي وزوجات تذهب ونجم هيلين ساطع أبدًا، فهي عميدة صحافيي البيت الأبيض منذ عهد الرئيس جون كنيدي والسؤال الأول في أي مؤتمر صحافي للرئيس هو دائمًا لها.
أما أهميّة هذه السيّدة الكبيرة بالنسبة إلينا لا تعود إلى كونها امرأة ناجحة (وهذا واقع)، ولا صحافية قديرة (وهذا صحيح)، وإنما لكونها أصلا ابنة بلادنا، فهيلين أميركيّة لبنانيّة الأصل من مدينة طرابلس في شمال لبنان، تقول: “أبي من المينا طرابلس أتى إلى أميركا العام 1890 وتحديدًا ولاية ميشيغن.
وتضيف في حديث لـ “يونايتد برس” العام 2013: “أهلي أتوا إلى العالم الجديد منذ مئة عام، حملوا معهم الإيمان والإرادة والعزم وساهموا مع كل الجنسيّات في بناء أميركا الجديدة، أميركا الثورة والنهوض والعدالة والسلام، أميركا العظيم جورج واشنطن وكنيدي، أميركا النبوغ والعبقريّة. أجدادنا حملوا إلى هذه البلاد الإيمان والمعرفة، لأن أرضنا صدّرت للعالم منذ الأبديّة الأديان السماوية والعلم والفلسفة والإبداع”.
تتابع: “أنا فخورة بجذوري الفنيقية الكنعانية. ربما الفنيقيون مَن اكتشف أميركا وليس أميركيي فاسبوتشي (مازحة)”.
عن رؤساء الولايات المتحدة تقول مستثنية الرئيس جون كنيدي: “كلهم يؤكدون للشعب الأميركي عكس ما يفعلون مع الأسف: لن نفاوض، لن نتعامل، ولا نبادل، بينما بالحقيقة هم يقومون بجميع هذه الأمور. على من يضحكون هؤلاء الرؤساء؟ الشعب الأميركي ليس أحمق، لا يوجد شعب أحمق هذه الأيام. ثمة شعوب مغلوب على أمرها فقط لكنها ستتحرّر وتنهض وتتقدّم وهذا حق طبيعي لكل إنسان ولكل أمة في هذا الكون”.
هيلين تقول في الكثير من المقابلات: “يسألني من أجري المقابلة معه إذا كنت استطيع أن أكون عادلة وغير متحيّزة في كتابتي حول الشرق الأوسط بسبب أصلي العربي، وأقول لهم: طبعًا استطيع. اذهب وانظر في سجلي وتاريخي المهني وسترى أنه خلال 60 عامًا لم يتذمّر أحد من كتابتي حول الشرق الأوسط بطريقة أو بأخرى، ولكنني أسأل الذي يجري المقابلة معي: هل تسأل الصحافي الأميركي اليهودي السؤال نفسه حول كتابته عن إسرائيل، فيصمت”.
هيلين توماس صحافية كبيرة وسيّدة مرموقة محترمة، ظُلمت واتُهمت من اللوبي الصهيوني في أميركا بأنها ضدّ السامية كونها تدافع عن حق الشعب الفلسطيني بأرضه وبقيام دولته على كامل أرض فلسطين المغتصبة، حسب قولها، من شعبها الأصلي منذ العام 1948. تقول: نحن ساميون فكيف نكون ضد السامية؟ أنا وُلدت في أميركا لكنني كامرأة حرّة واعية عليّ أن أشهد للحقّ وأقف مع الحقيقة .
هذه السيدة الكبيرة اتُهمت ورُشقت وتعذّبت!!!
ماتت منتقلة إلى عالم الأبديّة والخلود لكنها لم تنتهِ ولن تنتهي حكاية تاريخها ومسيرتها لأن العباقرة كالشمس يتجددون.
رحمها الله