جائزة الرافدين للكتاب الأول عام 2021

فلاح رحيم

( لجنة تحكيم الجائزة)
يحقُّ لجائزةِ الرافدين للكتاب الأولِ أن تحتفلَ باعتزازٍ كبير بفوزِ نُخبةٍ من الأسماءِ الأدبيةِ المبدعةِ بجوائزِ الروايةِ والقصةِ القصيرةِ والشعرِ للدورةِ الثانيةِ من جائزةِ الرافدين، دورةِ الشاعرِ العراقي فوزي كريم. اعتمدت لَجنةُ التحكيمِ في اختيارِ الأعمالِ الفائزةِ مبدأَ احترامِ الخياراتِ الفنيةِ والفكريةِ للمتسابقين، وتمتِ المفاضلةُ بينَهم على أساسِ مقدارِ نجاحِ كلٍ منهم في تنفيذِ هذه الخياراتِ وتحويلِها إلى عملٍ أدبي يستحقُّ الفوزَ. وهو ما يعني أنّ اللجنةَ لم تكن رقيباً على خياراتِ المبدعاتِ والمبدعين بل حَكَماً في قدرةِ هذه الخياراتِ على الوفاءِ بوعودِها والتحقّقِ في عملٍ أدبي يستحقُ الاحتفاء.

الرواية
كان التنافسُ في مجالِ الروايةِ لهذا الموسمِ على أشدِّهِ بين ثمانين روايةً من مختلفِ البلدانِ العربيةِ. وقد وقعَ الاختيارُ على “صباح الخير يا يافا” للروائي المصري أحمد فضيض لتكونَ الروايةَ الفائزةَ. تميزت هذه الروايةُ البارعةُ بالكثيرِ من الخواصِّ التي دفعتها إلى المقدمة، أبرزُها التمكّنُ الناضجُ من حِرفةِ السردِ الروائي، والقدرةُ على خلقِ عالمِها القَصصي الحيوي الخاص، وصفاءُ لغتِها التي ابتعدت كلَّ البعدِ عن التزويقِ اللفظي دون أن تُفرّطَ بجمالِ الأسلوبِ وتدفقِهِ.
تمتاز هذه الروايةُ أيضا بجرأتِها في اقتحامِ عالمٍ لم يُقدّم بهذه الدقةِ والتفصيلِ من قبلُ هو عالمُ التعايشِ الصعب في يافا بينَ المستوطنين الإسرائيليين وأهلِ المدينةِ الفلسطينيين الذين عُرفوا بعربِ 1948. تستحضرُ الروايةُ خصوصيةَ مدينةِ يافا المفتوحةِ على البحرِ بشوارعِها الحديثةِ التي أُعيدت تسميتُها وبمنتدياتِها وأسواقِها ومشاغلِ أهلها وتاريخِها القريبِ والبعيد. مركزُ الروايةِ عائلةٌ فلسطينيةٌ من يافا بَقِيت في إسرائيلَ وصارت جزءاً من الدولةِ العبرية. يطرحُ أحمد فضيض عَبرَ اثنتين وخمسين لوحةً من يومياتِ المدينةِ والعائلةِ، الحياةَ الداخليةَ لشخصياتِهِ من مختلفِ الأجيالِ بما تنطوي عليه من هواجسَ ثقافيةٍ وسياسةٍ وتاريخيةٍ بصَدَدِ الحاضرِ والمستقبل، وتُولي الروايةُ موضوعةَ التعايشِ بين الطرفين اهتماماً خاصاً، ما يَعنيهِ وما يُمكنُ أن يصدرَ عنه.

القِصة القصيرة

أما في مجالِ القِصةِ القصيرةِ فقد فحصتِ اللَجنةُ بعنايةٍ وحرصِ المجموعاتِ القصصية المشاركةِ وعددُها اثنتان وأربعون، ولاحظت أنّ الكثيرَ منها ظلّ يُراوحُ في مراحلِ التدريبِ الأولى على الكتابة، وهي إذ تدعو القصاصين الشبابَ إلى مزيد من الجَهدِ لتطويرِ مواهبِهم القَصصيةِ الواعدةِ تُؤكّدُ أنّ القصةَ القصيرةَ فنٌ عسيرٌ يستلزمُ جَهداً كبيراً للتصدي له. لم يقعِ اختلافٌ كبير في قرار اللَجنةِ عند اختيارِ الفائز فقد استحقت مجموعةُ القاص المغربي علاء حليقي “مديحُ الجنون” جائزةَ القصةِ القصيرةِ بجدارة. تمتازُ هذه المجموعةُ بقدرة متأنيةٍ على الغوصِ في شخصياتِها المُنتَخبةِ من غزارةِ المشهدِ الواسعِ لمدينةِ الدارِ البيضاءِ ضمنَ إطارِ ثيمةٍ تنتظمُ كلَّ القِصصِ هي حاضرُ العزلةِ والاغترابِ الذي تعيشُهُ هذه الشخصياتُ. وهي إذ تُقدّمُ المدينةَ والناسَ بمهارة قصصيةٍ ناضجةٍ تَحرِصُ على الابتكارِ والانفتاحِ على آفاقِ الحداثةِ السرديةِ والتجريبِ في تقنياتِ السرد. هنالك استلهامٌ لعوالمِ الواقعيةِ السحريةِ والفنطازيا والغرائبيةِ والسخريةِ دون أن يتخلى القاصُ عن تحكّمِهِ الواعي بفنِهِ القصصي وسحرِ لغتِهِ السرديةِ الأخاذة. تميزت قصصُ هذه المجموعةِ أيضاً بالتشويق والمفارقةِ والاستلهاماتِ التاريخيةِ والميثولوجيةِ والتناصيةِ المنفتحةِ على قضايا كبرى لا تنقطعُ عن مركزِ الحدثِ وعن الأزمةِ الفرديةِ للإنسانِ في تيهِ عالمٍ يضجُّ بالمتناقضات.

الشعر

في الشعرِ شاركَ في المسابقةِ ثمانيةٌ وسبعون ديوانَ شعرٍ لشبابٍ معظمُهم في العشرينات من العمرِ. تلمستِ اللَجنةُ في الإبداعِ الشعري للشباب صدقَ النوايا في مُقاربةِ لحظتِهم التاريخيةِ العسيرةِ لكنّه صدقٌ تعثّرَ في الكثير من الحالاتِ بحاجةِ أغلبِهِم إلى تطويرِ معرفتِهم اللغويةِ وتعميقِ اطلاعِهم على التراثِ الشعري العربي فضلاً عن التجاربِ العالميةِ في هذا الفنِّ العسيرِ. بالرغم من قولِنا هذا فإنَّ صيدَنا من هذه المجموعاتِ الشعريةِ كان ثميناً وهكذا وقعَ اختيارُ اللجنةِ على مجموعةِ الشاعرِ العراقي مُبين خشاني “مسروقٌ من يدِ الراحة”. وهي مجموعةٌ تُبشّرُ بميلادِ شاعرٍ يستحقُّ الرعايةَ والاهتمامَ. فضلاً عن السويةِ الفنيةِ والسلامةِ اللغويةِ أظهرَ الشاعرُ تَمكُّناً عالياً من أدواتِ فنِّهِ الشعري وابتعدَ عن الحلولِ المُبسَّطةِ الجاهزةِ في خلقِ عوالمِهِ الشعريةِ. أبرزُ ما يُميّزُ المجموعةَ أنّها لا تتخلى عن منطقِها الشعري أو تدفقِها المسترسلِ مهما تنوعتِ الهواجسُ والمخاوفُ وصَعُبتِ الحقائقُ التي تطاردُها. يُقيمُ خشاني بينَهُ وبينَ كلِّ ما يمسُّ بقلمِهِ الشعري عالماً غزيراً من الاستعاراتِ المركبةِ الدالةِ حيثُ وَلَعُ الشعرِ الأزلي بتحويلِ اللغةِ إلى خَلاصٍ أخير. تصدرُ هذه المجموعةُ من موقع جيلٍ شابٍ مَأزومٍ وَرِثَ شيخوخةَ أسلافِهِ المعذبّةَ. يقول خشاني:
شيخوخةُ العالمِ جعلتني
لا أعي خطورةَ أن أكونَ في العشرين
رهينَ أربعةِ جدرانٍ تتسع
بينما تضيقُ روحي وتنحسر.
والقوقعةُ التي أصنعُها بنومي
تثيرُ في أمّي خوفَ أن أستحيلَ
جِداراً خامساً
يُهلكُ أساسَ بيتِنا الهش.

لقد أثبتَ الشبابُ المشاركون في موسمِ جائزةِ الرافدين الثاني هذا أنَّ أدبَهم سيكونُ مُختلِفاً عن أدبِ من سبقَهُم وأنَّ فرادةَ لحظتِهِم التاريخيةِ المأزومةِ ستكونُ مَورِدَهم لإبداعٍ أدبي فريد. تهنئةٌ من القلبِ لكُلِّ المشاركينَ والفائزينَ ولدارِ الرافدين التي رَعَتِ الجائزةَ منفردةً فقدّمت لكلِّ فائزٍ مبلغَ ألفي دولار مع نشرِ الأعمالِ الفائزةِ والمتميزة.

اترك رد