ترتبط التصورات في أعمال الفنان التشكيلي «عدنان حميدة» (Adnan Hamidah) بالانطباعات الحسية ذات المبادئ القوية بصريا، بتشابه يميل إلى تكوين العوالم المؤلفة من تعبيرات تتواصل تلقائيا مع الأبعاد والفراغات والضوء، بملامح تتداخل مع بعضها البعض من حيث الأجزاء المتوازنة تجريديا أو حتى سرياليا، ولكنها تميل الى إبراز التقنيات بجمالية تقودنا الى قيمة الاختلافات في التضاد الانطباعي لونيا، المؤدي الى إدراك معنى التصورات للطبيعة البشرية التي يرصدها «عدنان حميدة» بتؤدة، وان بدت معقّدة في تحليلاتها التفصيلية الميّالة الى خلق فكرة بسيطة يفترض أن تمتزج مع التفصيلات الايحائية، والغامضة بأشكالها المنفصلة. إذ تتخذ الأشكال من مبدأ الاختلاف طبيعة وجودية تعكس المواقف الصلبة في الحياة، بتوليف لا ينفي من خلاله الاختلافات بين الألوان والأشكال، وإنما هو تجريد لانطباع سريالي يتخذ من الواقع نقطة انطلاقه. فهل التصورات التي تمنح الانطباعات هي ذرات لونية تميل الى الحركة وتفترض مساحات تتجزأ وفق اختلافات لونية محسوبة بدقة؟
يبرز التكوين الفعلي للشكل في أعمال الفنان «عدنان حميدة» عند اشتداد اللون نتيجة تحليل ظواهره التي تتلاشى مع الضوء على القماش، وبتدرّجات تدحض نقطة البداية، لتبرز اللوحة وكأنها قطعة قديمة من آثر ما زال يتحدّى وجوده بقوة مساحته أو مكانه الذي يحتل الذاكرة، وان بأفكار بسيطة ترتبط وتندمج حسيا مع واقع يحث الوعي على خلق العديد من الاشكال الافتراضية الأخرى، وبتعدد ينتج عن التضاد الانطباعي في الرؤية وتكويناتها أو الأحرى الأجزاء التي تتلاحم مع بعضها وفق الأبعاد التي ينسجها «عدنان حميدة» وفق معادلات تتشكّل مع الأفكار الناتجة عن مسارات التكوينات بعيداً عن تحديد طبيعتها، وكأنه يعيد تشكيل الأشياء بعد هدم وبناء وبتكرار يمنح اللوحة قيمة أثرية تضاف الى الرؤية التشكيلية الناتجة عن عدة توليفات منظمة، والتي تعكس تطورات الألوان مع الضوء والأبعاد، وبثنائية تفرض الكثير من الخصائص التشكيلية المعقدة، لمنح اللوحة رؤية خاصة غير قابلة للتجزئة، وان بدت في ظاهرها كأجزاء من هنا وهناك اجتمعت في مساحة واحدة.. إلا أنها تختلف بشكل جذري عن التباعد وعن الانفصال عن الواقع الذي يستمد من الانطباعات تصورات مربوطة بالمشهد الإنساني بشكل عام.
تتميّز القطع المتشابهات بالنسيج اللوني وان اختلفت عن بعضها البعض في الانطباعات بمعنى الاختلاف الذي يشير الى كل فكرة تنفصل عن الأخرى هي نوتة موسيقية تتشكّل بصريا وفق الاختلافات والتشابهات، إذ يميل «عدنان حميدة» الى التعقيد، وان برزت البساطة في لوحاته، لكن ان تعمّقنا في معنى الخطوط لوجدنا التمييز العقلاني في كل جوانب اللوحة كي لا يناقض نفسه أو كي لا يترك للوحة أن تنفصل عن ذاتيتها، فالتصورات المتلاحمة وبشكل اوضح غير المنفصلة هي للتأكيد على قيمة الجزء في الكل والعكس صحيح، وبذلك يمنح المجتمعات قوة تتشكّل من الفرد الى الجمع، وبمعنى آخر من العام الى الخاص، وان بدا ذلك بشكل فني، إلا ان لفلسفة المتناقضات في أعماله قوة تنمُّ عن الشكل الأساسي الذي ينطلق منه في الرسم قبل أن يهدمه ويعيده من جديد، بإصرار تكويني يوحي بتطوّر المجتمعات أو الحضارات عبر التاريخ من خلال الفن التشكيلي والعلاقات الإنسانية التي تبرز من خلاله، وبتشابه واضح بين الآثار وما يرسمه. فالتشابه الحدسي في المعنى عند التأمّل في لوحاته بعيداً عن الخلط العشوائي للمعاني التي يفصلها عن بعضها بشاقولية هي امتداد لعدة ثقافات. فهل تأثر بالطبيعة الصامتة وبأمكنة ما زالت تحمل آثار الإنسان الذي منحه عقلانية من خلال المفردات التشكيلية في أعماله؟
***
(*) اللوحات من مجموعة متحف فرحات