سعى الفنان “ إدوارد فويلارد” (Edouard Vuillard) المولود عام 1868 في بلدة فرنسية صغيرة بالقرب من الحدود السويسرية ، للهروب من الأساليب الانطباعية التقليدية معتمداً على الإلهام الجمالي، الإنتقائي زخرفياً متوحداً مع تدفقات الأشكال الفنية القائمة على الأناقة اللونية متخلياً عن الأنماط التقليدية في عصره لكسر الرتابة البصرية، وإدخال نوع من الحركة التي تعكس قيمة التناغم الداخلي مع الخارجي فنياً للتأثير على الحواس من خلال العديد من الخطوط المختلفة التي تشكل ديناميكية تساعد في خلق الأشكال، ضمن مشهد مفتوح على عدة احتمالات. وتغيرات ذات روحية انطباعية تنتمي الى الطبيعة الميتة وإلى التجريد، ولكن ضمن الغموض اللاشعوري، وإحساسنا بالأشياء من حولنا خاصة بين الخارجي والداخلي، وانعكاسات الضوء على ذلك.
فهل يؤثر توزيع الأشياء في أمكنة ما على السينوغرافيا بصرياً ؟ أم أن أدوارد حاول من خلال التناغم الداخلي مع الخارجي وضع اشكالية في التنظيم البصري ضمن امكنة ضيقة أو واسعة ؟ وهل الأضداد البصرية هي من مفاهيم الأسلوب البسيط في الفن؟ أم أنه حاول خلق صلة بين ما يحيط بنا ، وبين ما لا يمكن رؤيته إلا بالتوزيع الفني الصحيح القائم على مبدأ التنظيم الحقيقي للاشكال ، وجماليتها بهدف إظهار قوة العلاقة بين الفوضى والتنظيم او الفارغ والممتلىء ولكن ضمن الفن .
ما بين الانفصال عن العالم الخارجي والاتصال مع العالم الداخلي تتمايز الحركة بالقدرة على الانتقال بين الفراغات المفتوحة على تغيرات غير محدودة ، وقدرة على تنظيم فتحات الضوء في الأماكن التي تسمح بدخول الطيف الضوئي مع الاحتفاظ بالقدرة على التأطير دون طمس للحدود بين المنظر الداخلي والمنظر الخارجي، وكأنه يقدم لنا في لوحتين منصهرتين المفاهيم الرمزية في العلاقة بين الداخل والخارج، ضمن المكان الواحد لتقليل الحجم، والاستعانة بالطبيعة لفهم المستويات، والمساحات الحرة بديناميكية ريشة تبحث عن رقة الفضاءات البصرية من خلال السعي لازالة الفواصل، لإبراز التناضح بين الاحجام في المساحات المفتوحة على الضوء، وبين اللوحة التشكيلية الانطباعية ، بتوازن بين أسلوبين لكل منهما وجهة نظر بصرية تعتمد على الأضداد، ببساطة مستمدة من حيوية ترتيب الأشياء تبعاً للتوازن البصري بين النافر والغائر، وبين الكبير والصغير، وبين الممتلىء والفارغ . وإن من خلال الفن التشكيلي وقدرته على أظهار ذلك من خلال لوحة جمعت بين الداخل والخارج بحيوية فنية تثير الكثير من التساؤلات، لبساطتها الفنية وإشكاليتها الأسلوبية في الجمع بين مفهومين لمكان واحد هو في الحقيقة جامد ومتحرك، وبتكيفات لونية تكشف عن قوة التفاعل بين المتناقضات أثناء الرسم بعيداً عن التشتت بالرغم من التركيز على الديكورات الداخلية وتناسبها مع الخارج ، وبتسطيح للخطوط العميقة او الأساسية. لتبقى الأشكال ضمن التوزيع النسبي بعيداً عن أحجامها والمفارقات بين المعايير الحسية للأشياء من حولنا، والتي تشبه الطبيعة الأكثر توازنا من أمكنة نغلقها على أنفسنا .
فهل حاول “ادوارد فويلارد” استكشاف عوالم الديكوارت الداخلية من خلال الطبيعة وما تحتويه من اشجار وأزهار ؟ أم أنه حاول اكتشاف الأحجام والأشكال في داخل يمكن أن لا يتسع لأكثر من طاولة أو كرسي ، فكيف بلوحة تمتد كجدارية زخرفية امتلأت بالتفاصيل الخلفية ، لتترجم المعنى الذي احتفظ به بين أسلوبين يربط بينهما ريشة تبحث عن اكثر معنى في عمل واحد.
ما بين الشكل والمحتوى اتخذ “أدوار فويلارد “من الديكور نوعاً من الإحاطة بالنسج البصري، والجرأة في ضربات الألوان الدرامية ومفارقاتها بين الغوامق والفواتح وحساسية الضوء بموضوعية اعتمد من خلالها على المقارنات أو تقديم البراهين القائمة على التوازن السينوغرافي في الفن بشكل عام .