عيشة خالد
(الجزائر)
انسحبت من تحت الفراش بالهدوء والخفة ذاتها التي اعتادها ذلك الجسد الفاتن الرشاقة مرسلة التنهدات التي تعقب نوما خفيفا في الهواء، تتوخى شديد الحذر أن ترتطم بشيء في طريقها أوتصدر صوتا يقطع نوم من في البيت.
كانت ناعمة يُشهد لها بالجمال والرقة دونًا عن باقي إخوتها، حاجبان مقرونان بغلظة خفيفة يلتقيان عند أنف معتدل طوله وعينان دعجاوان برموش طويلة حالكة.
كانت أصغر البنات لأربع منهن متزوجات، وولدين لأب صاحب أموال وسيد يشارُ له بالاحترام والسمعة النقية التي يحافظ عليها ويرعى نقاوتها أكثر من نفسه وإبنه الصورة الناطقة لأبيه، يحرص على الكرامة وآداب البيئة التي ورثها عنه مما يجعله شرسًا صلف السلوك جلّ نهاره في حين يقبل ليله لحياة جامحة مشبعة بالحرية والملذات التي لا يرى فيها من أذية لما يلتزم من سلوكيات التقاليد، تحركت خارجاً تمشي على أطراف أصابعها وهي تلقي بنظرات فاحصة تبعثها يميناً وشمالًا يوضح عليها التردد والذعر على رغم المكان الذي يوحي بخلوه في هذه الفترة ويدعو للطمأنينة وقد جانب أي عين ترقبها دون أن تدري، فتحت الباب الخارجي للبيت تطل من زيق الباب بعينين زائغتين دون أن تخرج بجسمها كاملًا وماهي إلا لحظات قليلة حتى ذعرت بشبح يصطدم بالباب بقوة فلم تعرفه حتى تبينت صوته فكان شقيقها، جاش صدرها بأفكار مضطربة وفي قرارة نفسها استشعرجسدها لموج خواطر حتى قطعه بصوت أجش:
ماذا تفعلين عند الباب في ساعة الفجر؟ هل تنتظرين أحدا؟
فردّت عليه بقلق:
كنت أنتظرك خشية أن يلمحك والدي وأنت متأخر.
تنتظرينني أم كنتِ على موعد مع أحد ما؟
أعوذ بالله ..
فار دمه وكفّ عن تساؤلاته لها ليمدّ يده الصلبة ضاغطا بقوة غضب دفينة على يدها الرقيقة :
أتحاولين تضليلي والكذب عليّ يا سافرة ؟
وقرأ في عينيها العميقتين نظرة خوف ناطق وتردد لسانها بقول تريد به تبرئة نفسها وأن بداخلها ما تكتمه:
انطقي، أجيبي لماذا تفتحين الباب وتقفين وراءه؟
تلعثم لسانها كأنما ابتعلته فسرى الرعب في جسدها وتملكهُ حتى إرتخت أعصابها كأنما تحولت إلى تمثال من الجرانيت،جزم في قرارة نفسه أن جمودها فضح فعلتها فالدنومن عتبة المنزل في وقت كهذا إنما هوجريمة تستحق اللعن والثأر لشرفه فتجمعت دمائه واعتصرت شرايينه وصرخ مزمجرا :
أنا لا أسمح لامرأة أن تهينني وأن تتجرأ على المساس بشرفي.
وهوى عليها بصفعة تجاوبت معها نسائم الغبش تاركا أثرا على الوجه ومكيلاً لها لطمات متتالية بلا توقف، وكأنه يمسح العار الملطخ بجسده.
وفي غمرة انهماكه التفت وراءه وقد عثر بصره على عصا مرمية في زاوية الرواق حازمًا في عناد أيبس عقله وأعمى بصره أن يثور ليحفظ الشرف المنتصر وأسقط العصا هاوية على كتفها بضربة كما يضرب سيف الجلاد العنق، قذف بسلاحه الذي أنقذه ليسترجع ما سُلب منه من الكرامة المفقودة أرضًا وسقط الجسد الرشيق وغادر روحها واستقبل الصبح موجات من الحزن والرثاء، فلم يبقَ من الوجه الجميل سوى جلد شاحب كجريد النخيل تعبر فوقه العيون لتلقي نظرة الوداع في غير اكتراث.