هل التحوّل إلى الاقتصاد غير النقدي ينهي الازمة وينهض بلبنان؟

 

  تحقيق عادل حاموش

طروحات مالية اقتصادية تطرح لحل الازمات ليس في لبنان فحسب، بل على مستوى العالم. و كثر في الاونة الأخيرة الحديث عن إعتماد الإقتصاد غير النقدي في التعاملات الاقتصادية وشراء الاحتياجات عبر أنظمة مصرفية بعيدة عن التداول النقدي الورقي. ولهذا التحول فوائد وسلبيات. فالمواطن اللبناني سيجد سهولة مثلا عند تسديد فواتيره والرسوم المتوجبة عليه الكترونيا من منزله أو من أي مكان آخر دون الحاجة إلى ترك مكانه ، وبالتالي الدولة اللبنانية لن تعد في حاجة إلى طباعة العملة الورقية وصياغة النقود كما هو الحال الآن، ما سيؤدي إلى تخفيض في الكلفة وتوفير في ميزانية الدولة. وستمتلك الدولة في لبنان لأول مرة في تاريخها معلومات دقيقة وشفافة عن رؤوس الأموال وحركتها ونسبة الطلب وحجم العرض في الاقتصاد، وحجم الاستهلاك مما يساعد على التخطيط الدقيق والدراسات للنهوض بالاقتصاد اللبناني بشكل كبير والحد من التهرب الضريبي وإصدار بيانات مالية لكل القطاعات الاقتصادية في الوطن.

الخبير بسام همدر

وللتعرف أكثر والغوص في ماهية الاقتصاد غير النقدي والتعرف على ايجابياته وسلبياته، كان ل”الوكالة الوطنية للاعلام”، حديث مع الخبير في العلوم الاقتصادية عميد كلية إدارة الأعمال في جامعة المعارف في بيروت البروفسور بسام همدر، الذي عرض للتطور التاريخي وبداية اعتماد هذا النظام واذا ما كان تطبيق مثل هذا النموذج يصلح في لبنان في ظل الازمة المالية المصرفية؟

سرد تاريخي

استهل البروفسور همدر حديثه بالقول: “على مر السنوات، مر تبادل السلع والبضائع بتحولات كثيرة وكبيرة. لقد كان تبادل السلع تاريخيا يعتمد على نظام المقايضة “The Barter System”، إلا أن هذا النظام واجه صعوبات شتى، أهمها حاجة طرفي المبادلة إلى البضائع المتبادلة. فمثلا، إذا كان الطرف الأول يود أن يبادل التفاح مقابل الليمون، يجب أن يجد طرفا في المبادلة ينتج ليمون وفي نفس الوقت يريد أن يبادله بتفاح. لذا لم يغدو نظام المبادلة كونه نظاما بدائيا لم يعش طويلا.

مع تغير العالم تطورت أدوات المبادلة، فعلى سبيل المثال: كان الناس في جزيرة سانتا كروز “Santa Cruz” في جزر ال Pacific يتبادلون السلع والبضائع بواسطة ريش عصفور أو طائر العسل القرمزي الشهير “Honey eater bird”، ما أدى إلى إبادة أكثر من عشرين ألف عصفور سنويا! وفي مناطق أخرى من العالم، كان التبادل مبنيا على أسنان الدلفين “Dolphin” والدواليب الحجرية التي كانت تستعمل لجر العربات.

لاحقا، دخلت طريقة التبادل عصر الذهب والفضة، وبالتحديد عصر غطاء الذهب “The Gold Standard” إلا أن بعد الحرب العالمية الأولى بدأت الكثير من البلدان بالتوقف عن استعمال غطاء الذهب كوسيلة مبادلة.
وفي الخامس من نيسان عام 1933، أصدر رئيس الولايات المتحدة الأميركية فرنكلين روزفلت “Franklin Roosevelt” أمرا رئاسيا يطلب من الأميركيين تسليم الذهب قبل أو في الأول من أيار 1933. ليقوم بعدها بإصدار قانون منع اقتناء الذهب إلا برخصة من الدولة في 30 كانون الثاني سنة 1934.
في سنة 1944 وقعت اتفاقية “Bretton Woods” حيث قيمت كل العملات على الذهب.
ولكن في الخامس عشر من آب من العام 1971، أعلن الرئيس ريتشارد نيكسون أن الولايات المتحدة الأميركية ستوقف تحويل الدولار إلى الذهب، وكان هذا الإعلان نهاية عصر غطاء الذهب أو “The Gold Standard” وأصبحت جميع العملات عالميا تعتمد إما على العرض والطلب أو على ربطها بالعملات الأجنبية كالدولار وغيره، كما في حال الليرة اللبنانية حاليا.

ومع تطور تكنولوجيا الكومبيوتر في الجزء الثاني من القرن العشرين وتحديدا سنة 1990، بدأت البنوك في أميركا ومناطق أخرى من العالم بتحويل الأموال من بنوكها المركزية إلى البنوك التجارية إلكترونيا. وفي حوالي سنة 2000 أصبح المال في جميع أنحاء العالم إلكترونيا.

بداية عصر الاقتصاد غير النقدي:

وعن بداية الاقتصاد غير النقدي، يقول همدر:”إن كل العمليات المالية وعمليات المبادلة وعمليات البيع والشراء وغيرها تنجز إلكترونيا في الاقتصاد غير النقدي، بدلا من استعمال نقود ورقية.
إن هناك عدة دول حول العالم بدأت بالتحول التدريجي إلى الاقتصاد غير الورقي أو غير النقدي. وفي هذا الإطار تعتبر مملكة السويد في طليعة دول العالم في الاقتصاد غير النقدي، إذ أن حوالي أكثر من 60 في المئة من كل العمليات الاستهلاكية تجري إلكترونيا، وتأتي كندا في المرتبة الثانية حيث 57 في المئة من كل العمليات الاستهلاكية تنجز إلكترونيا.
وفي سنة 2016 قامت الهند بإلغاء أعلى قيمة من عملتها الورقية من التداول، وتعمل الصين حاليا على إلغاء قسم كبير من عملتها الورقية.

المحفظة الإلكترونية:

وتطرق البقروفسور همدر الى المحفظة الالكترونية ، فقال:” تشكل العملة غير الورقية محفظة إلكترونية ولها عنوانان: عنوان خاص يجب أن يبقى خاصا كما الحال في مفتاح المنزل، وعنوان عام كما الحال في عنوان صندوق البريد الخاص بكل مواطن. أما أبرز العملات الرقمية أو غير الورقية فهي على الشكل التالي:

1.Bitcoin (BTC): يبلغ ثمن الوحدة أو العملة الرمزية 27716, 38 $ دولارا أميركيا وتبلغ قيمة الBITcoin حول العالم ما يقارب 81, 57 بليون دولارا أميركيا.

2.Ethereum (ETH): أطلقت هذه العملة الإلكترونية في سنة 2015 وهي حاليا ثاني أكثر عملة انتشارا بعد الBitcoin. وتقدر الوحدة بحوالي 142.54$ والقيمة الإجمالية حول العالم بحوالي 15.6 بليون دولار.

3.Ripple (XRP): وهي الأكثر انتشارا بين المؤسسات المالية وحاليا هي ثالث عملة مشفرة في العالم، حيث تقدر الوحدة بحوالي 0.21 $ والقيمة الإجمالية 9.2$ بليون دولار حول العالم.

4.Litecoin (LTC): إن هذه العملة المشفرة تشبه عملة Bitcoin، إلا أنها تمتاز بسرعة الحصول على الموافقة في عمليات التبادل والشراء والاستهلاك وغيرها، وتقدر الوحدة بحوالي 46.92 $ والقيمة الإجمالية بحوالي 3 بليون دولار حول العالم.

5.Tether (USDT): لقد أطلقت هذه العملة المشفرة في سنة 2014، وهي تمتاز بقلة تقلبها واستقرارها. يبلغ سعر الوحدة حوالي 1$ وتبلغ القيمة الإجمالية حوالي 4.6 بليون دولار في العالم.
6.Bitcoin Cash (BCH): إنها الأشهر حاليا والأكثر رواجا وانتشارا، ولها قدرة تتجاوز قدرة ال Bitcoin من حيث سرعة إنجاز العمليات التجارية. قيمة الوحدة 240.8$ والقيمة السوقية العالمية تبلغ حوالي 4.4$ بليون دولار.

7.Libra (LIBRA): إنها العملة المشفرة التي ينوي إطلاقها Facebook في كانون الثاني من سنة 2021.

8.Monera (XMR): لقد أطلقت هذه العملة سنة 2014 وتعتمد هذه العملة على الخصوصية المطلقة. وقد ساهم في إطلاقها مجموعات أهلية ومتبرعون كبار. وتبلغ قيمة الوحدة حوالي 57.16$ والقيمة الكلية في العالم حوالي 998$ مليون دولار أميركي.

9.EOS (EOS): لقد أطلقت هذه العملة المشفرة في سنة 2018 وهي الأكثر مركزية من باقي العملات المشفرة. ومعظم هذه العملة الرمزية تتحكم بها الصين، لذا تعتبر العملة الأكثر مركزية ويبلغ سعر الوحدة حوالي 2.85$ وقيمة السوق العالمية حوالي 2.7 بليون دولار أميركي.

10.Binance coin (BNB): لقد أطلقت هذه العملة في سنة 2017، وهي الأكبر من حيث التبادل التجاري. تبلغ قيمة الوحدة 14.71$ والقيمة السوقية العالمية حوالي 2.3 بليون دولار.

فوائد الاقتصاد غير النقدي

سئل همدر عن فوائد الاقتصاد غير النقدي؟ فأجاب:” إن للاقتصاد الرقمي غير النقدي عدة فوائد نذكر منها ما يلي:

1.زيادة الفعالية للمستهلكين والتجار على حد سواء. إذ هنالك حاليا حوالي نصف بليون شخص حول العالم يستعملون Apple Pay وGoogle pay في عملياتهم التبادلية والتجارية وغيرها.
2.زيادة في ربح رجال الأعمال والمقاولين والمستثمرين لم يقدمه الاقتصاد غير النقدي من تخفيض في كلفة العمليات التجارية.
3.إن الاقتصاد غير النقدي يسمح لرجال الأعمال والمقاولين بالتواصل مع أكبر عدد ممكن من الزبائن والباعة والمؤسسات المالية.
4.إن الاقتصاد غير النقدي يساعد على توثيق عمليات التبادل التجاري بشكل منظم ودقيق.
5.إن الاقتصاد غير الورقي أو غير النقدي يساعد الدولة على الجباية الدقيقة للضرائب، مما يساعد على الحد من التهرب الضريبي.
6.إن الاقتصاد الرقمي يساعد على محاربة الفساد حيث الشفافية هي من أهم المزايا التي يتمتع بها الاقتصاد الإلكتروني غير النقدي.
7.إن من الفوائد العظيمة للنظام الاقتصادي غير النقدي هي السهولة والمرونة والحد من خطر اقتناء العملة الورقية، خاصة في أوضاع اقتصادية حرجة حيث الفقر والبطالة والعوز والجريمة تنتشر بشكل أوسع.
8.إن الخصومات والحسومات التي يحصل عليها المستهلك لاستعماله النظام الإلكتروني الرقمي في عمليات الاستهلاك تعتبر محفزا مهما وتساعد في تخفيض كلفة الاستهلاك الشهري لدى المواطن.
9.يساعد هذا النظام غير النقدي المستهلك على وضع ميزانية شهرية للاستهلاك بطريقة أكثر انتظاما ووضوحا.
10. تقوم بعض الحكومات حاليا بخفض نسبة الضرائب للمستهلك وخفض كلفة الاستهلاك عند استعمال الاقتصاد غير النقدي في العمليات الاستهلاكية (تعتبر الهند مثالا رائدا في هذا المجال).

السلبيات

وعن سلبيات الاقتصاد غير النقدي، يعدد البروفسور همدر، الآتي:
1.إن المواطنين الذين لا يملكون حسابات في المصرف قد لا يشملهم الاقتصاد غير النقدي.
2.إن الطبقة الفقيرة قد لا تملك وسائل إلكترونية كي تستفيد من الاقتصاد غير النقدي.
3.قد يشجع الاقتصاد غير النقدي الهاكرز (Hackers) لابتكار وسائل جديدة في تحويل الأموال من الحسابات الخاصة للمواطنين إلى حساباتهم.
4.إن مشكلة سرقة الحسابات أو ما يعرف بال”Identity Theft” قد تكون من سلبيات الاقتصاد غير النقدي.
5.إن المحفظة الإلكترونية في الاقتصاد غير النقدي قد تحفز وتشجع على الإنفاق والهدر.
6.قد تخسر حكومة أي دولة قدرتها على طبع العملة المحلية وتسديد الديون.
7.إن المصارف قد تواجه صعوبة في إدارة ملايين العمليات الاستهلاكية الصغيرة التي قد تحتاج إلى وقت وكلفة تشغيلية أكبر.
8.في حال انقطاع التيار الكهربائي وشبكة الإنترنت، أو في حال هجوم سيبيري “Cyber attack” كما يحدث الآن في بعض الدول، لا يستطيع عندها المواطن من شراء حاجياته اليومية، إضافة إلى ذلك، إن أي هجوم سيبيري يعرض كل البيانات المالية الخاصة بالمواطنين إلى الكشف وربما السلب.
9.إن حرية اختيار طبيعة تسديد عملية الاستهلاك تسلب من المستهلك حيث ليس لديه إلا التسديد عبر الاقتصاد غير النقدي.
10.إن العملة الورقية لديها قيمة معنوية وذاتية، بينما العملة الإلكترونية لا تملك تلك الميزة.

العملة غير الورقية أو ال Digital Lira في لبنان

وعن العملة غير الورقية أو ال Digital Lira في لبنان، وهل يمكن استخدامها للتخفيف من الازمة النقدية، قال البروفسور همدر: “مما لا شك فيه إنّ المواطن اللبناني سيجد سهولة عند تسديد فواتير الكهرباء، الماء، التلفون، فواتير الاستهلاك، رسوم البلديات، الرسوم الضريبية وغيرها من منزله أو من أي مكان آخر دون الحاجة إلى ترك مكانه عند التوجه إلى تسديد الفواتير والرسوم المختلفة. وأن الدولة اللبنانية لن تعد في حاجة إلى طباعة العملة الورقية وصياغة النقود كما هو الحال الآن، مما سيؤدي إلى تخفيض في الكلفة وتوفير في ميزانية الدولة. إضافة إلى ذلك ستمتلك الدولة في لبنان لأول مرة في تاريخها معلومات دقيقة وشفافة عن رؤوس الأموال وحركتها ونسبة الطلب وحجم العرض في الاقتصاد، وحجم الاستهلاك مما يساعد على التخطيط الدقيق والدراسات للنهوض بالاقتصاد اللبناني بشكل كبير والحد من التهرب الضريبي وإصدار بيانات مالية لكل القطاعات الاقتصادية في الوطن.
واستدرك همدر قائلا: ” إلا أن هناك أسئلة محقة وضرورية تتمثل بالصعوبات التي ستواجه العملة غير الورقية أو “Digital Lira” في لبنان، بعدما فقد المواطن اللبناني الثقة في المصارف والقطاع المصرفي ككل. كيف السبيل لإقناع المواطن اللبناني بتحويل أمواله الفعلية إلى أموال رقمية؟ كيف السبيل لإقناع المواطن اللبناني بفوائد الاقتصاد غير النقدي وهناك فئة قد لا تملك أي وسيلة إلكترونية؟ كيف السبيل لإشراك كل المواطنين في لبنان حتى الذين لا يملكون أجهزة هاتف أو أي وسيلة إلكترونية أخرى؟ وهل ستبقى العملة الرقمية تستعمل في لبنان فقط؟”.

اضاف همدر:” اضافة الى ما تقدم، إن العملة الرقمية في لبنان ستكون مدعومة بالدولارات الوهمية من حسابات المواطنين في المصارف. وبهذه الطريقة تكون المصارف في حل من الدولارات الفعلية الورقية مما سيؤدي إلى خفض حجم الودائع وتقليص حجم النقص بالدولار في النظام المصرفي اللبناني”.
وختم البروفسور همدر :” إن إطلاق العملة غير الورقية في لبنان، يجب أن يبنى على إلغاء كل التعاميم الذي أصدرها مصرف لبنان والتي ساهمت في تحويل الاقتصاد اللبناني إلى اقتصاد نقدي بحت. وإن عملية إطلاق الاقتصاد النقدي يجب أيضا أن تستند إلى نهوض اقتصادي واضح واستقرار سياسي متين وثقة كبيرة للمواطن اللبناني بالقطاع المالي والمؤسسات الحكومية، فهل هذا متوفر الآن في لبنان؟! وهل تتبخر حسابات المواطنين اللبنانيين بالدولارات الفعلية وتذهب مع الريح؟ أسئلة لا أجوبة واضحة لها حتى الآن!

***

(*) الوكالة الوطنية للاعلام 

اترك رد