وَيَبقَى مَهدُهَا الوَحِلُ!   

 

 

سارٍ على وَجَلٍ، هل ضاعَتِ السُّبُلُ؟!    كَاللِّصِّ. ماذا؟ وهل ضاقَت بِكَ الحِيَلُ؟!

هَل لَم يَعُدْ في المَغانِي ما يَطِيبُ رِوًى،         فَرُحتَ تَنشُدُ حَيثُ الرِّيُّ مُبتَذَلُ؟!

يا خَيبَةَ الحُبِّ أَنْ يَهوِي بِهِ أَمَلٌ،          إِذْ قَد عَرَى، في الغِوَى، مِقدامَهُ المَلَلُ!

غاوٍ، وفي بُؤْرَةِ اللَّذَّاتِ مُنطَرِحٌ،            لا شَيءَ يَردَعُ، ماتَ الطُّهْرُ والخَجَلُ

أَينَ العَفافُ وَدِفْءٌ كُنتَ مَوقِدَهُ،                وَمَنزِلٌ، وَزَغالِيلٌ بِهِ رَفَلُوا

أَينَ الَّتِي كَمْ نَسَجتَ الضَّوْءَ، في شَغَفٍ،        لِمَنكِبَيها وِشاحًا غَزْلُهُ الغَزَلُ

وَصُغْتَ مِنْ أَنْجُمِ الآفاقِ عِقْدَ هَوًى             لِجِيدِها وتَناغَتْ فَوقَهُ القُبَلُ؟!

وتَنسُلُ الشَّمسَ أَسلاكًا مُذَهَّبَةً،  ـــــــــــــ    لَأْلاءَةً، فَوقَ ذاكَ الجَعْدِ تَنسَدِلُ

وتَرفَعُ الحُلْمَ قَوْسًا في السَّحابِ، ومِنْ              أَلوانِهِ الغُرِّ كَم كانَت لَها حُلَلُ

والأَعيُنُ النُّجْلُ قَطَّرتَ الرَّبِيعَ لها     خَضْبًا(1) شَهِيًّا لِيَزهُو السَّاحِرُ الكَحَلُ(2)

فَأَينَ أَينَ رَبِيعٌ عُمرُهُ زَمَنٌ، كَالوَردِ   ـــــــــــــ   واهٍ بِهِ، ما اخْضَوضَلَ، الأَجَلُ؟!

والنُّجْلُ في الكَنَفِ الهانِي غَدَت هَمَلًا،         فَرُحتَ تَزحَفُ حَيثُ الأَعيُنُ النُّجُلُ

ماذا؟! أَتَقضِي الرَّبِيعَ الغَضَّ في شَبَقٍ،         وتَقطِفُ الزَّهْرَ نَقَّالًا كَما النَّحَلُ؟!

وَيَومَ تَذبُلُ أَوراقٌ، وتَعصِفُ في تِشرِينَ    ــــــــــــ   ريِحٌ، وتَغزُو جِسمَكَ العِلَلُ

تَرَى المَلَذَّاتِ كَم أَولَيتَها زَمَنًا،                  جَفَّت، وَجَفَّ مَذاقٌ طَيِّبٌ عَسِلُ

وبانَتِ الرَّوضَةُ الغَيْناءُ(3) مُجدِبَةً،          جَرداءَ، لَيسَ بِها ماءٌ ولا قُلَلُ(4)

تَعُودُ كَالإِبنِ ضَلَّت رَكْبُهُ(5) ونَأَت،      لا كانَ عَوْدٌ، ولا نَزْقٌ(6)، ولا ضَلَلُ

هَل كانَ حُبُّكَ خَمْرًا عِشْتَ سَكرَتَها،             وَيَومَ جَفَّت دِنانٌ عُدْتَ يا ثَمِلُ؟!

كَلَّا… فَما الحُبُّ إِلَّا نَسمَةٌ عَبِقَت              في خاطِرِ اللهِ، يَفنَى دُونَها الأَزَلُ

تَذوِي المَفاتِنُ في الأَجسادِ زائِلَةً،              ويَرحَلُ الحُسْنُ، لكْنْ لَيسَ تَرتَحِلُ

يا عاشِقَ اللَّذَّةِ الرَّعْناءِ عُدْ، فَغَدًا،       تَمضِي السُّيُولُ ويَبقَى مَهْدُها الوَحِلُ(7)!

***

(1): الخَضْب: خُضْرَةُ الشَّجَر

(2): الكَحَلُ: سَوادُ مَنابِتِ شَعَرِ الأَجفانِ خِلْقَةً

(3): غَيْناء: مُلتَفَّةُ الأَغصانِ، كَثِيرَةُ الوَرَقِ، نَديانَة

(4): قُلَلُ: جَمْعُ قُلَّةٍ وهي الجَرَّةُ العَظِيمَة

(5): الرَّكْب: القافِلَة / النَّاقَةُ وهي في حالَةِ المَسِير

(6): النَّزْق: الخِفَّةُ في كُلِّ أَمْر

(7): وَحِلٌ:  صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ تَدُلُّ على الثُّبُوتِ مِن «وحِلَ» / وَحِلَ: وَقَعَ في طِيْنٍ وتَخَبَّطَ فِيهِ

اترك رد