أطلقت “رابطة قنوبين للرسالة والتراث ” و”مؤسسة الأرض البيضاء” مشروع جمع وثائق علاقات الكنيسة المارونية بالكرسي الرسولي وفهرسة وتبويب ما صدر تاريخيا عن الموارنة بمختلف اللغات، وذلك في ندوة في المركز الكاثوليكي للاعلام، بعنوان: “وثائق علاقات الكنيسة المارونية بالكرسي الرسولي”.
شارك في الندوة : المطران مارون العمار النائب البطريركي على الجبة، المشرف على “رابطة قنوبين للرسالة والتراث”، المطران حنا علوان النائب البطريركي للشؤون القانونية، الأب سركيس الطبر الأنطوني، أمل أبو زيد رئيس “مؤسسة الارض البيضاء”، الخوري عبده أبو كسم مدير المر كز الكاثوليكي للإعلام، وحضرها جوزف فرح الأمين العام لـ “رابطة قنوبين للرسالة والتراث”، الأب انطوان ضو أمين الشؤون التاريخية، الصحافي جورج عرب المدير التنفيذي لمشروع المسح الثقافي الشامل لتراث الوادي المقدس ا، ومجموعة من الإعلاميين والمهتمين.
استهل المطران بولس مطر المؤتمر وقال: “في هذا الوادي صقلت الهوية المارونية على مدى مئات من السنوات، في هذا الوادي صلى الآباء والأجداد وتعرفوا إلى حياتهم، في هذا الوادي تعشقوا الحرية والكرامة والسيادة الوطنية التي كان لهم فيها دور كبير مع سائر الأخوة اللبنانيين. العمل الذي يقام في الديمان لجهة إنشاء هذه المكتبة عمل مبارك، لن أتكلم عنه الكثير لأننا نستمع إلى ما يقومون به إلى من يسعون إلى تحديثه وإلى إنجازه بما يليق بالكنيسة المارونية وبتراثها الكنسي الأصيل”.
وتوجه بالتعزية إلى أهالي الشهداء الذين سقطوا في الهرمل، وأضاف: “يد الإحرام ضربت لبنان، شبعنا ونقول كفى لمثل هذه الأمور تسود أيامنا في هذا البلد العزيز، ما جمعنا حول الثقافة والتراث الماروني سوى فسحة أمل للمستقبل. ما يجري عندنا ليس أصيلا، أصالتنا في علمنا في ثقافتنا في إنفتاح اللبنانيين بعضهم على بعض ،هكذا كان لبنان وهكذا سيبقى”.
العمار
ثم تحدث المطران العمار، وقال: “مشروع المسح الثقافي الشامل لتراث الوادي المقدس هو مشروع غير مسبوق، وهو الأوسع والأكثر شمولية في تاريخ الكنيسة المشرقية، كما وصفه سيادة أخينا المطران مارون ناصر الجميل، من موقعه كأبرز المؤرخين المعاصرين.
هذا المشروع أطلقه رسميا فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وغبطة ابينا البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي في 18 آب 2012. وتتابع رابطة قنوبين تحقيقه بإشرافنا كنائب بطريركي على منطقة الوادي المقدس. ومكتبة الوادي المقدس هي أحد أبرز برامج المشروع. ويتبناها مشكورا عضو الهيئة الفخرية في رابطة قنوبين المهندس انطوان أزعور. وقد افتتحت في 18 آب 2012 في الكرسي البطريركي في الديمان. وبعد افتتاحها وعرض ما فيها من كتب ووثائق ومخطوطات وسواها تلقينا في رابطة قنوبين كتاب سيادة اخينا المطران حنا علوان، مرفقا بمباركة غبطة ابينا البطريرك الكردينال الراعي، اللذين تعرفا على ما في المكتبة خلال جولاتهما الصباحية في كرسي الديمان وجواره. يقترح سيادة المطران علوان في كتابه برنامجا من بندين:
أولا: جمع وتحقيق وثائق علاقات الكنيسة المارونية بالكرسي الرسولي.
ثانيا: جمع وتحقيق فهرس كامل بكل ما كتب عن الموارنة بمختلف اللغات وفي مختلف الامكنة والأزمنة.
انطلقنا ببركة أبينا البطريرك الكردينال الراعي لتحقيق هذا المشروع الثقافي التاريخي الرائد غير المسبوق . فكان اتصال بالأب سركيس الطبر المؤرخ صاحب الخبرة العملية الطويلة في مكتبة الفاتيكان ليضع الاطار العلمي لانطلاق العمل فوافق مشكورا. وكان اتصال بالاستاذ أمل ابو زيد، رئيس مؤسسة الارض البيضاء، لتوقيع ميثاق شراكة وتعاون بين رابطة قنوبين ومؤسسته من أجل التعاون لتحقيق هذا المشروع، فوافق مشكورا. وها نحن اليوم نلتقي لنعلن معا عن هذا المشروع الثقافي الكبير”.
علوان
في مداخلته أوضح المطران حنا علوان أن انطلاق الفكرة كانت بتوجيه من البطريرك الراعي، إثر اطلاعه على محتويات ووثائق مكتبة الوادي المقدس التي أطلقتها “رابطة قنوبين للرسالة والتراث” ضمن مشروع المسح الثقافي الشامل لتراث الوادي المقدس. وافتتحها الرئيس سليمان والبطريرك الراعي في 18 آب 2012، وقد وجهنا كتاباً لرابطة قنوبين لكي تعمل على تحقيق وثائق علاقات الكنيسة المارونية بالكرسي الرسولي، وتبويب فهرسة ما كتب عن الموارنة. فلبت الرابطة الطلب ووقعت ميثاق شراكة وتعاون مع “جمعية الأرض البيضاء” برئاسة الاستاذ أمل أبو زيد، وها هو المشروع ينطلق اليوم”.
الطبر
ثم شرح الأب سركيس الطبر المخطط التنفيذي العلمي للمشروع، مشيراً الى سلسلة الكتب التي ستصدر حاملة الوثائق المذكورة. وقال: “لا يمكننا الحديث عن علاقات مباشرة بين الكنيسة المارونية وروما إلا منذ القرن الثاني عشر مع قدوم الافرنجة الذين اقاموا اولى قنوات تواصل بين الشرق والغرب ووجدوا عند الموارنة، دون غيرهم، قبولا سهلا للايمان الكاثوليكي وتعلقا موروثا بالكرسي الروماني. ومن انكب من الباحثين على دراسة تاريخ بدايات الموارنة او حياة القديس مار مارون او الاماكن الاولى التي استوطنها الموارنة او حياة مار يوحنا مارون، اول بطاركتهم، يجد نفسه عاجزا عن تحقيق اي انجاز بحثي جديد لمراحل البدايات المارونية، ذلك بسبب فقدان المصادر وضياع الوثائق، وهنا يصدق ما قاله المؤرخ اللبناني الكبير اسد رستم ” اذا ضاعت الوثائق ضاع التاريخ”.
وأضاف: ” التواصل طوال القرون الحديثة، وفر قسطاً من الحماية والمساعدة، وأنشأ المدارس وارسال القصاد والمرسلين ومعالجة الصعوبات والمضايقات المتواصلة التي كان يئن تحت نيرها الموارنة من جراء جشع الولاة الأتراك المحليين إلى المال، فنتج من هذا التواصل كميات وفيرة من الرسائل المتبادلة بين الموارنة والفاتيكان وتقارير المرسلين والدعاوى والأمور الكنسية بكل أنواعها. ولقد حفظتها لنا بكل أمانة وتنظيم أرشيفات حاضرة الفاتيكان أي “الأرشيف البابوي الفاتيكاني”، “أرشيف مجمع انتشار الإيمان” منذ تأسيسه سنة 1622 إلى تأسيس “أمانة سر المسائل الشرقية” سنة 1862، وأرشيف “مجمع الكنائس الشرقية” الذي تأسس سنة 1917 ويضم وثائق الكنائس الشرقية منذ سنة 1862 إلى يومنا”.
وتابع: “تكونت في المقر البطريركي الماروني في بكركي مجموعات فريدة تعكس عمق العلاقات مع الكرسي الرسولي وجودتها، على المستوى الإيماني والعقائدي والإداري والتاريخي، منذ سنة 1315، في عهد البابا إينوشنسيوس الثالث. وتحتفظ أرشيفات بعض الدول الأوروبية، وبخاصة فرنسا، بقسط كبير من الوثائق، نظراً إلى النفوذ الكبير والعلاقات المميزة التي تمتعت بها هذه الدول، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، سياسياً وتجارياً ودينياً، بسبب ضعف الدولة العثمانية (الرجل المريض)”.
وقال: “ولدت فكرة هذا المشروع العلمي الذي نأمل أن يصل إلى نهاياته المرجوة من نشر أكبر عدد ممكن من هذه الوثائق، بعد فرزها وتصنيفها واختيار أكثرها إفادة خدمة للحقيقة والعلم، سوف يتم نشر الوثائق، في غالب الأحيان، بلغتها الأصلية، أو معربة عندما نراه ضرورياً ومفيداً إذا كان النص بلغة يصعب فهمها كاللاتينية”.
وختم مشيرا الى أن “العمل يتطلب سنين من الجهد والتفتيش والابتعاد عن المزاجية في اختيار الوثائق والأمانة العلمية في نسخها وطباعتها ونشرها، على أمل أن يصدر الجزء الاول من هذه المجموعة خلال السنة الحالية”.
أمل أبو زيد
ثم تحدث مؤسس “جمعية الارض البيضاء” أمل أبو زيد فقال: “يأتي مشروع كشف هذه الذاكرة في عصر تحولات مصيرية يشهدها لبنان والشرق الأوسط، ويشكل الوجود المسيحي فيهما محور اهتمام الكرسي الرسولي في سياق العلاقات التاريخية هذه. فالبابا القديس يوحنا بولس الثاني دعا الى سينودس خاص بلبنان أثمر إرشادا رسوليا “برجاء جديد للبنان”. والبابا بنديكتوس السادس عشر دعا إلى سينودس لمسيحيي الشرق الأوسط أثمر ارشادا بعنوان “شركة وشهادة”. وها هو البابا فرنسيس يؤكد ويكرر تأكيده أنه لا يمكن تصور الشرق الاوسط بدون مسيحيين”.
وتابع: ” اهتمامنا بنشر وثائق علاقة كنيستنا بالكرسي الرسولي هو أحد أوجه الاهتمام بواقع مسيحيي لبنان والمنطقة، هؤلاء المسيحيين المدعوين إلى عيش شهادتهم في مجتمع ليس كله مسيحياً، ولإغناء لبنان وسائر دول المنطقة بعيشهم المشترك مع أخوة لهم في المواطنية وشركاء في الإيمان بالله الواحد. بهذه الدعوة يرتبط وجود المسيحيين، ولا وجود ولا حضور ولا دور لهم خارج هذا المفهوم. إنهم رسل سلام أينما وجدوا، ومتى اشتدت صراعات الحروب ولغة الموت باتت الحاجة أكبر إلى أصوات المسيحيين رسل السلام والوئام. بهذا يظلون علامة سلام وتلاق وتواصل وتكامل في كل الأزمنة والأمكنة. ونظن أن علاقاتنا بالكرسي الرسولي، بوجهها السياسي الاجتماعي، لم تكن إلا لتعزز هذه الدعوة لدى المسيحيين، وانعاش الآمال في نفوسهم بعيش المساواة والعدالة واحترام حقوق الانسان وقبوله مختلفاً”.
أبو كسم
في ختام الندوة قال الخوري أبو كسم: “الكنيسة المارونية ثابتة بإيمانها متعلقة بتراثها، تعود وتبحث عن ماضي علاقاتها وماضي البطاركة والقديسين، فالكنيسة حية باقية لن تموت، كنيسة أم في منطقة لبنان والشرق الأوسط، وأريد أن أطمئن أن الوجود المسيحي سيبقى دائما الوجود المثمر”.
وختم “بتوجيه نداء إلى الكهنة والأديار الذين يملكون الوثائق للتعاون مع هذا المشروع”.