ميشال حلاق
مع بدء مواسم هجرات الطيور العابرة فوق لبنان من اوروبا الى افريقيا وبالعكس، تبدأ حال القلق والترقب من قبل الجمعيات والمجالس البيئية في عكار كما في باقي المناطق اللبنانية، المتخوفة دوما من التفلت الكبير لهواة الصيد العشوائيين الذين يقبلون على اطلاق النار بشكل جائر وغير مبرر ودون اي حسيب او رقيب، على الطيور المهاجرة والتي بغالبيتها هي طيور محمية عالميا لكونها معرضة للانقراض، وهذا الأمر رتب تداعيات كبيرة على حياة هذه المجموعات المهاجرة وكذلك على سمعة لبنان في هذا الاطار.
وطيور اللقلاق وحوام العسل الاوروبي هي ابرز الطيور المستهدفة إذ أنها عادة ما تكون اول الطيور العابرة، وقد انتشرت مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات نشرها بعض الصيادين المتباهين بأعداد الطيور التي أطلقوا النار عليها وأردوها.
وهذا الامر استفز الى حد كبير، الناشطين البيئيين الذين طالبوا الاجهزة الامنية بالتحرك وتطبيق القانون بحق كل مخالف.
ومنذ ايام، تولى احد الناشطين في مجموعة “درب عكار” نقل احد صقور حوام النحل كان قد عثر عليه مصابا بجانحه في أعالي بلدة عكار العتيقة، وتسليمه الى مركز معالجة وتأهيل الطيور للاهتمام به ومعالجته.
المهندس عبد الهادي صعب من مجموعة “درب عكار”، اشار الى ان “محافظة عكار تضم إحدى أهم ممرات الطيور المهاجرة في لبنان، فبسبب موقعها الجغرافي المميز على خط الهجرة الأساسي تلزم أسراب الطيور المهاجرة بأنواعها المختلفة المرور عبرها، والإستراحة أيضا في بيئاتها المتنوعة بما يتناسب مع كل نوع”.
وقال: “بعض أنواع الطيور المائية تفضل الهجرة على خط الساحل العكاري حيث المصادر المائية متوفرة، بينما بعضها الآخر يفضل سلوك الممرات الداخلية الجبلية بما تحويه من غابات تشكل استراحة لها خلال هجرتها الطويلة من أوروبا إلى أفريقيا وبالعكس”.
واكد صعب على “واجب حماية هذه الطيور عبر تأمين خطوط الهجرة الأساسية، والخطوة الأولى يمكن أن تتضمن دراسات تحدد مواقع خطوط الهجرة الأساسية ومناطق استراحة الطيور المهاجرة ليتم التركيز على حمايتها من الصيد الجائر وأي عامل آخر قد يؤثر على حركة الهجرة هذه، كقطع الأشجار مثلا أو التلوث الصوتي، وقد تعلن هذه المناطق كحمى أو تكلف الوزارات المعنية أو البلديات حمايتها بشكل دائم”.
الدكتور ميشال صوان احد المشرفين على مركز انقاذ ومعالجة وتأهيل الطيور الجارحة التي تتعرض للاعتداءات على انواعها ابرزها الصيد الجائر، في منطقة جرجور – الضنية قال: “لقد أنشىء المركز على ارض يملكها المربي فادي حبيب عام 2008، والذي يولي من وقته اهتماما كبيرا بالطيور واطعامها، وانا أتولى عملية نقلها الى المركز ومعالجتها”.
ولفت الدكتور صوان الى ان “لبنان يشهد موسمي هجرة للطيور، في فصلي الخريف والربيع، وهو يحتل احد اهم خطوط الهجرة في العالم، ثاني اكبر خط هجرة للطيور بالعالم، لانه يجمع طيور اوروبا بمجملها بممر فوق لبنان ليتوزعوا الى افريقيا، وهذه ميزة هامة بالنسبة لبلدنا على مختلف الصعد بما فيها الاقتصادية”.
أضاف: “أحد أبرز هذه الخطوط، يمتد ربيعا على الساحل وخريفا في المناطق الجبلية، فالطيور الجارحة تبدأ في فصل الصيف، من منتصف آب، مع حوام العسل الاوروبي European Honey Buzzard Pernis apivorus، ومعه تعبر طيور مرزة المستنقعات (Marsh Harrier) وقليل من نسور الحيات (Short Toed Snake Eagle Cicaetus gallitus)، وتتصاعد حتى 15 ايلول حيث تبدأ تعبر النسور: النسر المرقط الصغير (Lesser Spotted Eagle)، النسر المرقط الكبير (Great Spotted Eagle) ونسور البادية (Steppe Eagle)، مع مرور مستمر لحوام العسل الاوروبي”.
وتابع: “ما بين 26 و 30 ايلول، تعتبر ايام الحد الاقصى للعبور، وابتداء من اول تشرين تبدأ مرحلة عبور النسور الكبيرة: النسر الاسور الكبير (Cinerous Vulture)، النسر المرقط الكبير (Great Spotted Eagle)، نسر السمك (White tailed fish eagle) صاحب الذيل الابيض الذي لوحظ عبوره للمرة الثانية فوق لبنان والنسر الغريفوني الاوراسي (Eurasian Griffon)”.
وقال صوان: “نستقبل في مركزنا كل الطيور الجارحة التي تتعرض للاعتداء بإطلاق النار عليها أثناء عبورها، إضافة الى طيور اللقلاق، والبجع لكن استضافتها مكلفة، فكل يوم تستهلك كل منها 5 كيلو من لحوم الدجاج وتحتاج الى بركة مياه. كما أن الطيور التي تتم معالجتها والتأكد من سلامتها يعاد اطلاقها من جديد. ومهمة المركز اعادة اللياقة البدنية التي تحتاجها الطيور الجارحة للبقاء كونها طيورا سريعة وصيادة”.
أضاف: “القسم الاكبر من الطيور الموجودة لدينا تعاني اعاقات جسدية، فبعضها فقد نظره ونطمعه يوميا باليد، وبعضه معطوب الاجنحة ومنها لم ينبت على جوانحها الريش مجددا. وبعض الطيور التي باتت صحيحة لا نستطيع اطلاقها لانها بحاجة للهبوط من أجل الاقتيات على الجيف في البرية، وعندما تحط للاسف، تتعرض لاطلاق النار من جديد، ولهذا نبقيها في المركز. هناك مشكلة كبيرة تتمثل بالصيد العشوائي غير الذي يمكن السيطرة عليه، وامكانية تسفيرها للخارج عملية مكلفة جدا. لذا نبقي الطيور المعاقة في المركز، وهي تفدنا من مناطق عدة: البقاع والجنوب وعكار وزغرتا وطرابلس”.
وتابع: “تقع كلفة استضافة الطيور ومعالجتها واطعامها على نفقة المركز، واحيانا نتلقى مساعدة بسيطة من السفارة البولندية، ومساعدات زهيدة جدا من بعض الجمعيات. كما أننا نعاني أحيانا، من صعوبة في تأمين الطعام، إذ غالبا ما نطعم هذه الطيور الجارحة الدجاج، ما عدا النسر الاسود الكبير (فتحة جوانحه بحدود الـ4 أمتار) والنسر الذهبي ونسر السمك التي تأكل اللحوم، كما أن الاسعار مرتفعة للغاية”.
وأردف: “لدينا رغبة دائمة في توسيع حركة عملنا الا ان الاوضاع الاقتصادية الصعبة تعيقنا جدا، ونحن عاجزون عن إنشاء أقفاص كبيرة لاستضافة الطيور الكبيرة ومعالجتها، كما اننا نعاني صعوبة كبيرة في تأمين طبليات الخشب كقاعدة لتحط عليها هذه الطيور الكبيرة حرصا على مخالبها”.
وختم: “أما الطيور التي تنفق لدينا، فنقوم بتصبيرها للافادة منها في المحاضرات التوعوية العلمية التي نقوم بها، ولاجراء فحوصات الحمض النووي عليها خدمة للابحاث العلمية والدراسات الخاصة بهذه الطيور”.
***
(*) الوكالة الوطنية للاعلام