البقاع الشمالي والمونة حكاية عشق وتحدٍّ على مر العصور

 

 

  تحقيق جمال الساحلي

لطالما أصر أهل البقاع الشمالي على تحضير المونة، فهي تمثل الحد الأدنى لعيش آمن خلال الشتاء. وعلى الرغم من الارتفاع الجنوني للاسعار بالنسبة للمواد الأولية، فهم يواصلون السعي من أجل تأمين الضروري منها لانتاج مونتهم.

اشتهرت الهرمل بتحضير الكشك، طبق أساسي لا يمكن الاستغناء عنه لتحضير أصناف ضرورية. يدخل في اعداده البرغل واللبن اللذان ارتفع سعراهما، بحيث أن سعر كيلو البرغل تجاوز الخمسة آلاف ليرة ومثله اللبن ومع ذلك يصر الأهالي على تحضير الكشك، لما يمثله من طبق أساسي وبخاصة خلال الشتاء.

والوضع مع المكدوس تزداد معه المشاكل المادية، حيث تجاوز سعر الباذنجان الأساسي لتحضير المكدوس الألفي ليرة لبنانية وارتفعت معه أسعار الفليفلة ، فيما سعر كيلو الجوز، الذي يدخل بشكل أساسي في تحضير المكدوس، بلغ أربعين ألفا. معظم المنتوجات محلية، لكن المشكلة في ارتفاع كلفة الإنتاج والأسعار، ولن ننسى سعر الزيت اللازم لحفظ هذه المونة والذي ارتفع بشكل غير مقبول أيضا.

ومع ارتفاع الأسعار عمدت ربات منازل إلى تحضير أصناف عدة من البهارات والتوابل المحلية، بالاضافة إلى بعض المنتجات، للاستغناء عن شرائها من الأسواق.

ولتحضير أصناف البندورة وعصائرها قصة مع ارتفاع الأسعار في الشواغير، فبعد أن كان سعر قفص البندورة الصالحة لتحضير دبس البندورة لا يتجاوز الألفي ليرة، لامس العشرة الاف ليتجدد معه الإصرار على إعداد هذه المونة الأساسية التي لا غنى عنها. ومن العادات، حفظ البندورة بعد العصر في عبوات من البلاستيك بعد إغلاقها بشكل محكم لتبقى طازجة في الثلاجة.

ولتحضير مربى التين عادة، يتسابق الأهالي يوميا للحصول على هذه الثمرة الموسمية الطيبة المذاق، لكن هذا العام لوحظ عدم الإقبال على شراء الكميات نفسها، نظرا لارتفاع الاسعار وخصوصا سعر السكر.

يعمد العديد من أهالي المنطقة على مواجهة ارتفاع الأسعار في الأسواق لإعداد أصناف الكبيس المحلي، فيستغنون عن شرائها من الأسواق، فالانتاج أقل سعرا والجودة عالية والشروط صحية. ويجمع من التقيناهم، على أن ارتفاع الأسعار يمكن مواجهته من خلال ترشيد الاستهلاك لبعض المواد الأساسية وبخاصة المكدوس المحلي لتتمكن العائلة من تأمين مونة الشتاء، فيما تتجه بعض العائلات للاستغناء عن بعض الاصناف أو الحد من الكميات.الحال نفسها تتكرر مع جمعيات نسوية كانت تبادر إلى إعداد أصناف المونة والكبيس على انواعه ولكنها تقف اليوم في حال من الجمود والترقب لما ستصل إليه الأسواق وحتى الشعبية والمعارض السنوية.

وأبرز الهموم اليوم في المنطقة، تتركز على تأمين التدفئة وخصوصا مع انخفاض درجات الحرارة وعدم توفر مادة المازوت وارتفاع الأسعار إن وجدت. لذلك يتجه المواطنون إلى جمع ما تيسر من حطب وأغصان يمكن معها مواجهة برد الشتاء حول المواقد.

مر على اللبناني الكثير من الأزمات ولم يستسلم. سواعده قوية، أرضه خصبة، واحترامه التقاليد والعادات يدفع به إلى التزامها رغم الزيادات التي تطرأ على أسعار المواد الأولية، فهو دائما مستعد لتحضير أجود أنواع المونة، كي لا يخرج في الشتاء ليبحث عن حاجات متوفرة في منزله.

***

(*)  الوكالة الوطنية للاعلام 

اترك رد