اللبنانيون ينتجون قمحهم…مبادارت زراعية على اتساع الوطن

 

تحقيق فاطمة عيسى

في ظل الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان، انطلقت مبادارت فردية شعبية ورسمية للحد من هذه الأزمة، وذلك عبر اطلاق حملات تثقيفية وتوعوية حول أهمية إعادة إحياء القطاع الزراعي في تأمين الأمن الغذائي والإكتفاء الذاتي لمحاربة الضيق الاقتصادي الذي بدأ معظم اللبنانيين باستشعاره، خصوصا مع استمرار ارتفاع أسعار السلع، لا سيما الغذائية منها. هذا الارتفاع الذي جاء نتيجة الاعتماد الشبه كلي على الاستيراد من الخارج من أجل إشباع حاجات السوق من هذه السلع، وبشكل خاص القمح لما له من أهمية كونه عنصر أساسي في الغذاء اليومي للمواطن لا يمكن الاستعاضة عنه بسلع أخرى.

جاءت هذه المبادرات لتسلط الضوء على إمكانيات زراعية يمكن استغلالها من أجل النهوض بالقطاع الزراعي من جديد، فكان الوضع الاقتصادي المأزوم فرصة نحو توعية الجيل الجديد على أهمية الزراعة في تحقيق الأمن الغذائي، وممرا لتحقيق إنتاج وطني يسهم في التخفيف عن كاهل الدولة التي أرهقها الاستيراد المستمر، ويخرجها من دائرة احتكار الشركات التي تستورد هذه السلع وخاصة القمح ، واستغلالها للأزمة وتهديدها الدائم برفع الأسعار.

إقبال واسع ورغبة شعبية

انطلقت الفكرة من بلدة عيناثا الجنوبية، وبعد اطلاق المبادرة من قبل الخبير الاقتصادي في البلدية عباس سمحات، انتشرت الدعوات على مواقع التواصل الاجتماعي لاستغلال الأرضي غير المزروعة ، لتخطي ارتفاع أسعار السلع والسعي لإنتاج قمحهم بأنفسهم.

هذه المبادرة ما لبثت أن انتشرت كالعدوى بين البلدات والقرى الجنوبية، فانطلقت من عيناثا فبنت جبيل وبني حيان جنوبا مرورا بالشوف ثم طرابلس شمالا. أعرب المواطنون فيها وكل من يمتلك أرضا عن استعداده للبدء بزراعتها أو تقديمها للبلديات تمهيدا لزرعها .

مبادرات واعدة في كل لبنان

“بيادرنا تقاوم”، المبادرة الأولى التي تبناها رئيس بلدية عيناثا الدكتور رياض فضل الله الذي أشار الى أن “الفكرة انطلقت من مشهد طابور المواطنين المنتظرين أمام الأفران والمخابز”.

وقال: “أمام هذا المشهد قررنا تأمين بعض ما نستهلكه على المائدة من حبوب وبقوليات وخضارعبر إعادة إحياء التراث الزراعي”. هناك 150 دونما غير مزروعة قدمت للبلدية، تم زرع ما يقارب ال 50 منها، وذلك بدعم مالي بقيمة 50 مليون ليرة مقدم من هذه البلدية والتنسيق مع مصلحة الزراعة في النبطية، ومساعدة وزارة الزراعة بتقديمها 2 طن من القمح الطري لبلدية عيناثا، وتمت عملية الزرع تحت اشراف ومساعدة مهندسين زراعيين ارسلتهم الوزارة”.

وعن امكانيات الصمود والاستمرار قال: “سنبذل كل جهدنا لنجاح المشروع، وموسم بعد موسم سنتطور أكثر وأكثر، وأن أولى بشائر نجاح هذه المبادرة، العدوى التي طالت مختلف المناطق اللبنانية يمكننا القول أن هذه المبادرة نجحت من الآن”.

العدوى التي تحدث عنها فضل الله طالت أيضا الشوف عبر مبادرة فردية اطلقتها الدكتورة لورانس البيعيني في مزرعة الشوف (حملة موسم زرع)، ومبادرة (حبق) في مدينة طرابلس لتشجيع المواطنين على الزراعة العضوية عبر توزيع البذور والشتول وتقديم الارشادات حول كيفية زراعتها.

أما مبادرة “بعرق جبينك”، فهي دعوة أطلقها “الحزب الشيوعي اللبناني”، نتيجة للوضع الاقتصادي المأزوم، والظروف المعيشية الصعبة، وأكدت العضو في الهيئة الزراعية في الحزب أن “المبادرة انطلقت كجزء من مشاركة الحزب بالانتفاضة. ونحن نرى أن الانتفاضة هي ليست عملا اعتراضيا فقط، بل خطوة في اتجاه بناء مجتمع افضل واقتصاد منتج بعد ما تم تدمير هذا الاقتصاد بداية مع الزراعة فالصناعات الحرفية ثم الثقافة والفنون، كما تحتوي المبادرة على جزء يتعلق بالزراعة المدينية urban agriculture وتهدف إلى بناء لجان أحياء تعمل على الإنتاج الزراعي. تقدم المبادرة النصائح للسكان اعتمادا على استخدام الخضار الموجودة في المطبخ لإعادة زراعتها على الشرفات والأسطح”.

وأوضحت نخال أن “الهدف العام من المبادرة الزراعية إعادة العمل على بناء قطاع زراعي وتعاوني واستعادة الأساليب التقليدية، انطلاقا من مفاهيم السيادة الزراعية، كما تشجع المتظاهرات/ين على احتلال المساحات العامة والأراضي البور وتحويلها إلى اراض زراعية”.

وعن النشاطات التي تقوم بها الحملة للتشجيع على الزراعة، قالت: “بعد إطلاق المبادرة، نقوم باجتماعات في المناطق، مع الشابات والشبان ومع البلديات لتشجيعهم على تبني المبادرة، وننظم اجتماعات مع المزارعين لمناقشة مشاكلهم ومحاولة الوصول إلى حلول بأشكال فيها اقل ضرر للبيئة وبمصروف أقل على المزارع”.

اهتمام وزارة الزراعة

هذه المبادرات لاقت دعما كبيرا من وزارة الزراعة، إذا أكد مستشار وزير الزراعة لمصلحة الأبحاث العلمية الزراعية جعفر عساف أنه” في ظل الاقبال والتوجه الكثيف من قبل المواطنين لاستغلال أراضيهم في زراعة القمح، قامت وزارة الزراعة عبر مصلحة الأبحاث الزراعية بتوزيع 250 طن من بذور القمح الطري المعقم والمغربل مجانا الى حوالي 963 مزارع تقدموا بطلبات الى المصلحة وذلك بتاريخ 17/12/2019، اذ تراوحت الكمية المسلمة للمزارع بين 50 كلغ و 250 كلغ من البذور وفقا لمساحة الأراضي التي يملكها المزارع والكمية المتوفرة في المصلحة، وذلك كمساعدة ومحفز منها لتشجيع زراعة القمح الطري لهذا الموسم”.

وأشار إلى أن” وزارة الزراعة أنتجت عبر مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية 1050 طن من بذور القمح القاسي المغربل والمعقم، حيث تم بيع هذه البذور الى المزارعين بالسعر الرسمي 590 ل.ل للكلغ الواحد”.

أضاف: “لأول مرة ساهمت البلديات في البقاع والجنوب بشراء حوالي 350 طن من هذه البذور وقامت بتوزيعها على المزارعين لديها”.

وتجدر الإشارة الى أن مزارعي القمح لا يعتمدون فقط على البذور المنتجة من مصلحة الأبحاث الزراعية بل أيضا على بذور مستوردة من الخارج وبذور من القمح المنتج لدى المزارع من الموسم السابق.

ولفت إلى أن “المساحة المزروعة بالقمح لهذا الموسم بلغت حوالي 25000 هكتار، أما الإنتاج المحلي منه فهو مقدر لهذا الموسم بحوالي 90000 طن، بينما يحتاج لبنان ما يقارب ال 800000 طن أي إن الإنتاج المحلي لا يشكل سوى 11% من حاجة لبنان، علما أن حاجة لبنان قبل النزوح السوري كانت 450000 طن”.

وأكد أن “وزارة الزراعة وبتوجيهات الوزير عباس مرتضى، وضعت خطة لدعم زراعة القمح والتخفيف من الاستيراد وذلك بإنتاج البذور المؤهلة للزراعة عبر مصلحة الأبحاث الزراعية التي تعمل على انتاج 3000 طن من بذور القمح الطري خلال هذا الموسم، ليصار إلى توزيعه مجانا على المزارعين خلال الموسم المقبل في تشرين الثاني 2020”.

اذا ربما تكون هذه الازمة فرصة لتحقيق الاكتفاء الذاتي وإنتاج القمح دون الحاجة الى الاستيراد من الخارج، وخاصة بعد تحذير المنظمات الدولية وخاصة منظمة “الفاو” من حصول سوء تغذية وركود اقتصادي وزراعي في أغلب بلدان العالم سببه انتشار وباء كورونا. لذلك تؤكد وزارة الزراعة “السعي لتحقيق الحد الأدنى من الأمن الغذائي اللبناني وذلك تحت شعار زراعة جميع الأراضي الصالحة للزراعة وتشجيع زراعة الحبوب ومنها زراعة القمح”.

***

(*) الوكالة الوطنية للإعلام

اترك رد