خالد شبيب (**)
مقدمة:
إن تحليل الأحداث والظواهر والمسارات ورسم سيناريوهات المستقبل هو مهمة مراكز الدراسات والبحوث الاستراتيجية.. هناك أيضاً الأيديولوجيات – العقائد التي ترسم المستقبل البعيد بحتمياتها التاريخية من أخلاقية (انتصار الخير على الشر) وسياسية (انتصار الطبقة العاملة) والدينية بمختلف أجنحتها.
لعل المصادفة والنص هما الدافع المباشر لمحاولة استطلاع القرن المقبل في هذا الوقت بالذات، حيث احتفل الفلسطينيون وجلادوهم بالذكرى المئوية لوعد بلفور عام 1917 وبالذكرى السبعين لنكبتهم عام 1948 في العام الماضي، وكثر الحديث عن صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية، وهو ما ينقل الصراع إلى قرن جديد وإلى ألفية جديدة.
يركز هذا المقال على الوضع الفلسطيني وحده، لا استهانة بتضحيات الأمه العربية وبدعم الأصدقاء في القرن الماضي من الصراع وأهميته الحاسمة في مئوية الصراع المقبلة، بل تركيزاً للرؤية على فلسطين لدورها العامل الحاسم في توحيد الجهود العربية والدولية. يستشف الكاتب استمرار الصراع لقرن ثانٍ بدأ لتوه من دون أن يفقد الأمل في انتصار مبكر للحق الفلسطيني إذا تضافرت الظروف الموضوعية لذلك.
أولاً: صراع الروايات: هويتان لأرض واحدة
مثلت عودة اليهود الروحية إلى فلسطين وارتباطهم الديني بها على الدوام جزءاً من العقيدة اليهودية. أما الرواية الصهيونية فإنها نشأت أساساً خارج العقيدة اليهودية ونمت نتيجة للّاسامية في أوروبا منذ القرون الوسطى وصولاً إلى المذبحة النازية (الهولوكوست).
حتى منتصف القرن السابع عشر، كانت فلسطين والقدس تعيش في أذهان الأوروبيين بوصفها الأرض المقدسة التي «حرروها» ودافعوا عنها لمئتي عام خلال الحروب الصليبية ارتكبت خلالها المجازر ضد المسلمين واليهود؛ لكن بعد ذلك التاريخ، وبعد الإصلاحات اللوثرية في القرن السادس عشر، وبسبب صعود أهمية العهد القديم داخل قسم من التيار الإنجيلي في إنكلترا وإيمانه بالعصر الألفي السعيد وبالعودة الثانية للسيد المسيح، تحولت اليهودية في نظر المسيحيانية الصهيونية من عقيدة دين سماوي تنتمي إليه قوميات وأعراق متعددة إلى وسيلة لتحقيق نبوءة ربانية تتمركز حول شعب أصبحت إعادته إلى موطنه كنعان – أرض إسرائيل «المعطاة له وحده من الرب» عمـلاً أخلاقياً وواجباً دينياً تقاطعت معه الأفكار العنصرية والمصالح والمطامع الاستعمارية للدول الأوروبية في الشرق العربي التابع حينها للدولة العثمانية، رجل أوروبا المريض.
لقد سبقت الصهيونية الغير – اليهودية نظيرتها اليهودية بنحو قرنين من الزمان وانتشرت من إنكلترا إلى مستعمراتها الولايات المتحدة وكندا وأستراليا رغم أنها اكتسبت تعاطفاً ونفوذاً في دول أوروبية أخرى. يقدر عدد الناخبين الأمريكيين الذين يعيشون فيما يسمى «حزام التوراة»[1] حول تكساس بأكثر من سبعين مليون ناخب يمثّلون أكبر تجمع صهيوني انتخابي في العالم وأكثرهم تأثيراً وتدميراً وأصبحت حربا 1948 و1967[2] وضم القدس والجولان والاستيطان مؤشرات على الألفية السعيدة في نظر هذا التيار، تزعم الرواية الصهيونية (يهودية كانت أم غير يهودية) استمرار بني إسرائيل كشعب/عرق عبر ألفيَ عام، وتزعم أيضاً اختفاء الفلسطيني التام من التاريخ والجغرافيا في نفس الفترة الزمنية ونفس الأرض، بحيث سادت مقولة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض. لهذا لا ترى الرواية الصهيونية مكاناً لغير اليهود في كامل أرض «إسرائيل» التوراتية (غير المعروفة حدودها تماماً) وطرد الأغيار منها. لهذا دمر الصهاينة ما يقرب من 400 قرية فلسطينية عام 1948 وهجّروا معظم سكانها، ولهذا أيضاً تحفل البرامج الانتخابية لأحزاب صهيونية عديدة بتصورات تهجير مزيد من الشعب الفلسطيني إلى الدول العربية. ولهذا أيضاً يسمى الفلسطينيون في إسرائيل (عرب إسرائيل) ويعتبر الفلسطينيون وبخاصة في القدس مقيمين – غير مواطنين – تسحب إقامتهم عند الغياب.
تتميز الرواية الفلسطينية بأنها لا تستثني أياً من العناصر التي استقرت وتخالطت في الأرض الفلسطينية عبر التاريخ وتتضمن تعددية إثنية ودينية وتؤرخ لكيانات متعددة قبل الميلاد وبعده كجزء من تاريخ فلسطين – كنعان المستمر منذ سبعة آلاف عام. وتتميز الشخصية الوطنية بالقدرة على استيعاب الإثنيات المختلفة المقيمة فيها، مثل الآراميين، الفينيقيين والكنعانيين واليبوسيين والحوريين والمؤابيين والأنباط، وامتصاص موجات المهاجرين والغزاة من بابليين وآشوريين وحثّيين ومصريين قدماء. في الرواية الفلسطينية تعطي الأرض الواحدة هويتها لكل سكانها.
عبر الألفيات والقرون كانت فلسطين الوطن والمدن جزءاً من الإمبراطوريات القديمة والحديثة. غيرت فلسطين حكامها ولغاتها من الآرامية والعبرية إلى اللاتينية واليونانية والسريانية والعربية، ودياناتها من الوثنية والمصرية إلى اليهودية فالمسيحية والإسلام، ولكن شعبها لم يتوقف لحظة عن الحياة في هوية تكسب قوتها ومصداقيتها من قرون طويلة من التعددية والتعايش والتسامح. تجسد الرواية الفلسطينية الكل بتنوع مكوناته بما فيها المكون اليهودي الثقافي والديني. بداية كان اسم فلسطين يطلق على ساحل كنعان الجنوبي وعمم ليشمل كل البلاد. منذ عام 134 ميلادي حتى يومنا هذا ظلت فلسطين أرضاً واسماً جزءاً من الإمبراطوريات المتعاقبة.
رغم أن الرواية الفلسطينية وكذلك تاريخ البلاد لم يعرفا الطائفية ولم يكتبا أبداً على أساس ديني فإن المنظومات المعرفية الدينية للإسلام وللمسيحية وحتى لليهودية تمثل جزءاً مهماً من العقل الوطني والقومي، الذي يصنع الهوية الفلسطينية.
لا بد من الإشارة إلى أن الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني بصورتها الحالية (بعد مئة سنة من الصراع) لا تشمل كامل عناصر الهوية التاريخية لشعب فلسطين كما كانت عبر القرون حيث خسر هذا الشعب خلال الصراع بعضاً من مكونات شخصيته الأساسية وعلى رأسها مكونه اليهودي بداية القرن الماضي، وهو ما أدى إلى انضمام هذا المكون الأساسي إلى الحركة الصهيونية أو حيْده، وصاحَب ذلك وتلاه كارثة خروج اليهود أكثر فأكثر من الشخصية القومية العربية ومن الشرق الإسلامي. وهذا أدى إلى إضعاف وانكماش الشخصية الوطنية الفلسطينية، ومن بعدها الشخصية القومية العربية، وتزويد الكيان الإسرائيلي الناشئ بملايين اليهود العرب على حساب الشعب الفلسطيني.
ما بين عامَي 1939 و1948 حصل تشظٍّ آخر في الشخصية الوطنية عندما انضم جزء من المؤسسة الدرزية الفلسطينية إلى المشروع الإسرائيلي[3] رغم الدور الوطني والقومي للمؤسسة الدرزية الداعم للمقاومة في بلاد الشام.
أما العنصر المسيحي، وهو أقدم مجتمع مسيحي في العالم وأكثر مكونات شعب فلسطين تنوعاً واتصالاً بالخارج، فإنه ما زال حاسماً في استمرار الهوية الوطنية وفي تطوير الرؤية والمؤسسة الفلسطينية رغم الهجرة المتزايدة للمسيحيين بسبب الاحتلال الاستيطاني الإجلائي في الضفة وغزه والتمييز العنصري داخل أراضي الـ 48. لكن العامل الذاتي الفلسطيني يؤدي دوراً متزايداً في ضمور الدور المسيحي حيث يمثل صعود تيار الإسلام السياسي – الذي يمثل عنصر قوة ومقاومه من ناحية – إضعافاً لخاصية التعددية الثقافية التكاملية التي ميزت الشعب الفلسطيني عبر العصور من ناحية أخرى ولا يترك (بشكله الإقصائي) مجالاً لإظهار العنصر الثقافي والإنساني المسيحي في الشخصية الوطنية.
وحتى تكتمل الصورة الانكماشية فإن الانقسام الفلسطيني يضيف عامل طرد وتفتيت لأجزاء من التيار الثقافي الإسلامي الواسع. هكذا. امتدت خسائر الفلسطينيين إلى داخل الشخصية الوطنية الفلسطينية ذاتها، إلى مناعتها وقوتها الناعمة، إلى صورتها التاريخية وإلى قدرتها على صياغة مستقبلها.
لهذا، عندما اعترفت الإدارة الأمريكية بالقدس عاصمة لإسرائيل في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، اقتصرت محاولات القيادة الفلسطينية على محاولة حشد الدعم العربي والإسلامي، ولم يتحرك أحد على المستوى المسيحي الكاثوليكي (مع الفاتيكان) ولا الأرثوذكسي (مع اليونان وروسيا والبلقان بوجه خاص)، لأن العنصر المسيحي في الرؤية والمؤسسة الفلسطينية عانى عقوداً من الإهمال والقصور الفكري جعلته إطاراً تجميلياً بدلاً من أن يكون سلاحاً ودرعاً للنضال الفلسطيني. لم تجر أي محاولة ولو خجولة لحشد الجهد اليهودي غير الصهيوني رغم محدوديته ضد هذا الإجراء.
ثانياً: مئة عام من النكبات والصمود
خلال أكثر من قرن من الزمان نجحت الصهيونية في دعم الهجرة إلى فلسطين بهجرة يهود شرق أوروبا إلى دولة فلسطين (تحت الانتداب البريطاني) بسبب انسداد الهجرة إلى العالم الجديد وصعود النازية والفاشية في أوروبا، ثم هجرة اليهود الألمان الذين نجوا من المحرقة خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها، وتلاها هجرة يهود البلاد العربية والشرق الإسلامي خلال الخمسينيات والستينيات، وأخيراً الهجرة الكبيرة ليهود الاتحاد السوفياتي السابق في التسعينيات. كانت الصهيونية العالمية قد أكملت البنية التحتية لما قبل الدولة (الييشوف) فأدخلت التأمين الصحي عام 1911 وأقامت الجامعات مثل: التخنيون في حيفا 1912، والجامعة العبرية في القدس 1925، ومعهد فايسمان للعلوم في ريهوفوت 1934. نجحت الصهيونية في خلق إطار موحد لدمج المهاجرين اليهود، في إنشاء دولة حديثه أوروبية الطراز وحققت إنجازات علمية واقتصادية وعسكرية بارزة وضعت إسرائيل في المرتبة 22 في سلم الأمم المتحدة للتنمية البشرية.
بمساعدة الولايات المتحدة، وغضّ النظر الأوروبي، واختفاء العامل العربي؛ تمضي إسرائيل في احتلالها واستيطانها رغم تراكم القرارات – بما فيها قرارات مجلس الأمن، غير آبهة بالشرعية الدولية التي ساهمت بتكوينها كدولة – ويزداد الاتجاه الشعبي فيها نحو اليمين، وتترسخ القيم الصهيونية العنصرية المبنية على أسطورة شعب الله المختار وشيطنة واحتقار الفلسطينيين والعرب وحتى المجتمع الدولي والقوانين الأممية. إن سلوك إسرائيل، التي تأسست أيضاً كدولة تجمع الشعب اليهودي المضطهد، يزداد قرباً من تبني البعد التوراتي. وتمثل حدود الدولة بشكلها الحالي جزءاً يسيراً من إسرائيل الكبرى التي تمتد من الفرات إلى النيل، وتضم بوجه خاص، الأردن وأجزاء من سورية والعراق ولبنان ومصر وشمال غرب الجزيرة العربية. لقد مثّل ضم الجولان السوري المحتل والانسحاب الإسرائيلي من مستوطنات غزه تأكيداً لهذا النهج لا نقضاً له، حيث إن غزة – على عكس الجولان – لم تكن ضمن دولة إسرائيل التوراتية عبر تاريخها.
أما فلسطين الحديثة فولدت تحت الاحتلال البريطاني، الذي كان منهمكاً منذ البداية في قمع وتدمير الشعب الفلسطيني لمصلحة المشروع الصهيوني، ونشأت منشغلة بالنضال من أجل البقاء. وحاولت الحركة الوطنية الحداثية الرؤية حشد وتعبئة الدعم العربي والإسلامي في وجه الهجمة الصهيونية. وكان لها إنجازات كبرى في مقاومة الاحتلال البريطاني والتوسع الصهيوني توّج في الانتفاضة التاريخية 1936 – 1939 التي قُمعت بوحشية بالغة وتم قتل أو تهجير قيادتها وتدمير بنيتها السياسية والاقتصادية؛ وهو ما مهّد المسرح لنكبة عام 1948. بعد هزيمة 1967 اكتمل نضج الوعي الفلسطيني بالاعتماد أولاً على الذات، وأدى ذلك إلى إعادة تعريف الوطنية الفلسطينية وإلى صعود المقاومة في المنطقة بدعم عربي وعالمي.
كان تبني النموذج الفيتنامي من جانب منظمة التحرير (وجود دولة مساندة وقاعدة للانطلاق) سبباً في وقوع العبء الأكبر في احتضان المقاومة على عاتق الدول العربية الأصغر وإلى صدامات متتابعة – دامية أحياناً – مع كل الأنظمة في المنطقة.
في عقد واحد (1982 – 1991) تلقت المقاومة ثلاث ضربات رئيسيه ضد قواها العسكرية والاقتصادية والسياسية، حيث ضرب الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان عام 1982 – 1983 وخسرت المقاومة الفلسطينية في عام واحد (1990 – 1991) حربين إضافيتين من دون أن تشارك في أي منهما: حرب الخليج والحرب الباردة؛ أي سقوط الاتحاد السوفياتي. وكان اتفاق أوسلو تعبيراً عن حالة الضعف الفلسطيني رغم أنه فتح باباً للتسوية على أساس حل الدولتين، وهو باب أغلقه الجانبان الإسرائيلي ثم الأمريكي.
بينما نجحت الصهيونية في جذب وتوطين الهجرات المتعاقبة منذ عام 1882، وضاعفت سكان إسرائيل من أقل من 27000 بداية الانتداب البريطاني إلى أكثر من خمسة ملايين، حالياً، فإن فلسطين فقدت أكثر من خمسة ملايين، أي نصف سكانها، كلاجئين في موجتين رئيسيتين بعد حربي 1948و 1967. ثلثهم يعيش في 58 مخيماً لوكالة غوث اللاجئين (الأونروا).
يستمر عدد الفلسطينيين في العالم بالتزايد وكذلك يتواصل تهجيرهم وهجرتهم من فلسطين ومن دول الطوق بلا انقطاع. تشير تقديرات إلى أن عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان انخفض من أكثر من 350 ألفاً إلى 180 ألفاً، وتمت تصفية جزء من الوجود الفلسطيني في بغداد بعد الغزو الأمريكي للعراق 2003، ولحقت كارثة بالوجود الفلسطيني في سورية نتيجة الحرب الأهلية هناك. أما في الأرض المحتلة عام 1967 فيعيش حالياً ما يقرب من خمسة ملايين فلسطيني يمثلون ما يقرب من 40 بالمئة من الشعب الفلسطيني. يتوقع أن يصل عدد هؤلاء إلى قرابة عشرة ملايين في عام 2050 و15 مليوناً عام 2100[4]. وبهذا يزيد عدد الفلسطينيين في العالم في مئوية الصراع القادمة إلى أكثر من 37 مليون نسمة.
لا توجد إحصاءات دقيقة عن عدد الشهداء والجرحى الفلسطينيين خلال القرن المنصرم من الصراع، ولكن أكثر من مليون فلسطيني – ضمنهم مئات من النساء وآلاف الأطفال – تعرض للاعتقال من جانب الاحتلال لفترات مختلفة منذ عام 1948[5] وأُزيلت 400 قرية من الوجود وهُدم ما يقرب من خمسين ألف منزل في الأرض المحتلة منذ عام 1967[6].
ثالثاً: على عتبة القرن الجديد
يعَدّ عام 2017 عاماً متميزاً في تاريخ القضية الفلسطينية والصراع العربي – الإسرائيلي حيث شهد هذا العام مؤشرات واضحة على نهاية عملية السلام التي بدأت في التسعينيات برعاية أمريكية عندما غادر «الوسيط» الأمريكي باحتفالية كبيرة موقع الوساطة إلى موقع العدو، ومن إسناد الاحتلال الإسرائيلي والدعم الأعمى لإسرائيل إلى المعاداة المباشرة للشعب الفلسطيني، فنقل سفارته إلى القدس المحتلة معلناً إياها العاصمة الأبدية لإسرائيل، وأغلق ممثلية فلسطين في واشنطن وطرد أعضاءها، وقطع مساهمة الولايات المتحدة في ميزانية الأونروا وفي ميزانية السلطة الفلسطينية، وأوقف مشاريع المساعدة الأمريكية في الأرض المحتلة، وأعلن عن نيته إعادة تعريف اللاجئين ما يعني محاولة حرمان نحو 6 ملايين لاجئ حقهم في العودة إلى موطنهم وبالتعويض عن معاناتهم وممتلكاتهم.
في تموز/يوليو 2018، السنة الأولى للقرن الجديد من الصراع، صادق الكنيست الإسرائيلي على قانون الدولة القومية الذي يحدد إسرائيل بأنها الوطن القومي لكل اليهود عبر العالم؛ واضعاً هذا القانون ضمن القوانين الأساسية التي يصعب تغييرها ويحصر في بنده الأول حق تقرير المصير في إسرائيل بالشعب اليهودي وحده. يحدد هذا القانون عاصمة إسرائيل بأنها القدس الكاملة الموحدة واللغة بأنها اللغة العبرية نازعاً صفة اللغة الرسمية الثانية عن اللغة العربية، ومعتبراً المستوطنات اليهودية قيمة قومية يشجعها ويدعمها ويثبتها القانون، الأمر الذي يجعل إسرائيل بصورة رسمية دولة تمييز عنصري (أبارتهايد) وينهي من الطرف الإسرائيلي وبضربة واحدة أي إمكانٍ لحل الدولتين ناهيك بحل الدولة الواحدة.
وسط هذه الهجمات المعلنة من القوة العظمى وإسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الصغير ومقدسات العرب والمسلمين لم تتجاوز ردود فعل الأنظمة العربية إدانات لفظية خجولة لقرار نقل السفارة إلى القدس بينما استمرت علاقات الأنظمة العربية حميمة مع الإدارة الأمريكية بل تصاعدت. أما ثالثة الأثافي فكانت المبادرات التطبيعية لبعض الدول التي يتزامن تعاونها العلني مع دولة الاحتلال مع التدمير الفظ لشبح عملية السلام وإعلان ضم القدس وقانون وحدانية الحق اليهودي في أراضي الـ 48 وهو ما يرقى إلى موافقة ومشاركة عربية علنية على ضم القدس المحتلة وتضييق الخناق على الشعب الفلسطيني في ما تسميه الإدارة الأمريكية وشركاؤها صفقة القرن، ولهذا تعيش المؤسسة الصهيونية حالة من النشوة والزهو لم يسبق لها مثيل.
فلسطينياً، استمر الانقسام الوطني بين حركتَي حماس وفتح مع انقسام جيوسياسي في الجسم الفلسطيني بين الضفة وغزة، وهو ما خلق إحباطاً للجماهير المناضلة في الأرض المحتلة وفي الشتات وصنع لأول مرة منذ قرن وضعاً مثالياً للتغول الإسرائيلي وللتخاذل العربي وساهم في تفتيت التعاطف الاسلامي والدولي.
يشير الاستيطان المتسارع وهدم البيوت الفلسطينية ومصادرة الأراضي وتهجير السكان إلى حقيقتين مترابطتين: استمرار نكبة فلسطين من ناحية واستمرار إقامة وتكوين الدولة اليهودية التي تُعد نكبة 1948 مجرد بداية لها. من ناحية أخرى يمثل الاعتراف الأمريكي بضم الجولان السوري المحتل دعماً للتوسع الصهيوني باتجاه إسرائيل الكبرى خارج فلسطين.
***
المصادر:
(*) نُشرت هذه الدراسة في مجلة المستقبل العربي العدد 486 في آب/ أغسطس 2019.
(**) خالد شبيب: طبيب ومفكر فلسطيني – ألمانيا.
[1] «The Bible Belt of the United States,» <https://www.worldatlas.com/articles/the-bible-belt-of-the-united-states.html>.
[2] Thomas Getman, «When and How Did Evangelicals Become Zionists,» Washington Report on Middle East Affairs (May 2018), <https://www.wrmea.org/018-may/when-and-how-did-evangelicals-become-zionists.html>.
[3] مروان جرار، «العلاقات الدرزية اليهودية في فلسطين 1918 – 1948،» مجلة جامعة القدس المفتوحة، العدد 21 (2010)، <https://journals.qou.edu/index.php/jrresstudy/article/view/1105/1025>.
[4] «World Population Prospect 2015,» <https://population.un.org/wpp/Publications/Files/WPP2015_DataBooklet.pdf>.
[5] «في يوم الأسير.. تعرف على عدد الأسرى الفلسطينين في سجون إسرائيل،» سبوتنيك عربي، 16 نيسان/أبريل 2017، <https://arabic.sputniknews.com/arab_world/201704161023495915/>.
[6] اللجنة الإسرائيلية ضد هدم البيوت (Israeli Committee Against House Demolition)، <https://icahd.org/>.
[7] «WHO: World Health Statistics 2018,» <https://www.who.int/gho/publications/world_health_statistics/en/>.
[8] تُنسب إلى الرئيس والقائد الصيني ماو تسي تونغ.
[9] إسكندر عبد النور، العقل العربي: أنطولوجيا المجرّد والعيني (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2017).
[10] الموسوعة الفلسطينية (Encyclopedia Palestina)، <https://www.palestinapedia.net>؛ مصطفى مراد الدباغ، بلادنا فلسطين (الجزائر: دار الهدى، 1991)، <https://bit.ly/2NVTaxQ>، وعفيف بهنسي، تاريخ فلسطين القديم من خلال علم الآثار، <https://bit.ly/2xOe5YU>
[11] Carmen Fishwick, «Tomnod – the Online Search Party Looking for Malaysian Airlines Flight MH370,» The Guardian, 14/3/2014, <https://www.theguardian.com/world/2014/mar/14/tomnod-online-search-malaysian-airlines-flight-mh370>.
[12] Khalid Shibib, «Reforming Arab Reason: An Inevitable Possible Mission,» Contemporary Arab Affairs, vol. 11, nos. 1‑2 (March-June 2018), pp. 15‑38, <http://caa.ucpress.edu/content/11/1‑2/15>
***
(*) مركز دراسات الوحدة العربية