بقلم: الأديب مازن ح. عبّود
أُبلغت بأنّ الحكي قد أضحى الكترونيًا وبأنّ معظم غسيل قرية “كفرنسيان”، من أخبار البنات (الله يستر عليهنّ) والنساء والرجال والأطفال والشيوخ
والشبيبة والكهنة والأحبار، كما الرهبان والراهبات، قد أضحى ينشر فور خروجه من المغسل إلى الفايسبوك. كما قيل لها بإنّ من ليس له حساب على الفايسبوك هو غير موجود ببساطة. فراحت تدوّي، حتى قيل بإنّ صوتها سمع في “مالطة”: “تصوروا أنّ “فافا”، وشهرتها وإرثها، غير موجودة في “كفرنسيان”، وذلك لأنها لا تتقن الضرب على لوحة، ايعقل؟؟”.
والفكرة بذاتها تسببت لها بنكسة عاطفية وازت تلك الناتجة عن دخولها عمر اليأس. وهي التي قررت أن تستقيل من مكتب البريد قبل وصولها إلى التقاعد كي تبقي سرًا عمرها. ومازالت تتمارض مرة في الشهر مع شراء كل ما يلزم، كي يقال بإنها مازالت “امراة”.
اعتقدت أنّ “فايزة” العائدة من تلك البلاد، والتي سلبتها حبيبها وابحرت معه، هي علّة المشكلة. فقررت “فافا” أن تصارع للبقاء والانضمام إلى عصر “فايزة” (كما كانت تقول) أي عصر “الفايسبوك”. لكن قبل أن تتخذ قرارها الأخير، أرادت أن تتحرى عن فايزة وجبنة “البوك” التي أحبها الجميع في “كفرنسيان”، بلدة الخرفانين حتى الشراهة. وراحت تبحث عن علاقة “فايزة” بجبنة “البوك” و”العالم الإلكتروني والقصص. استدعت “جوجو” ابن “رورو” واستشارته بالموضوع. إلا أنها ما اقتنعت بما أبلغها إياه عن أصل وفصل “الفايز بوك”. نهرته واتهمته بالهبل الذي تولده العلوم. ولعنت الجامعات وهدر الاموال. وراحت تحاضر في الموضوع. فهي تبحث عمّ يدعم نظريتها لا عمّ ينسفها بتفاهات كما كانت تقول.
ودخلت إلى عالم “الفايز بوك”. فوجدت أخبارًا وأناسًا وقصصًا وصورًا. حتى تعطل دماغها وتلعثمت ذاكرتها. فأضحت تتلو للناس خطبًا غير مفهومة. حتى قيل فيها إنها تتلو خطبًا “مخلوطة”، مصنوعة من جمل كلماتها جميلة لكن غير مترابطة البتة بعضها ببعض. ما زاد حزنها أنها وجدت أنّ الرجال قد أضحوا يثرثرون ويتجمّلون أكثر من النساء. فأبدت تخوفها من فقدان الجنس اللطيف لميزاتهنّ التفاضلية.
قرأت هناك قصصًا مقتبسة عن قصصها. وصورًا بيانية من بنات أفكارها منشورة على الصفحات دون أن يتم ذكر المصدر. قررت رفع دعوى لدى الحاكم المنفرد. فنظم ضبطًا بالموضوع وحفظ في الأدراج. فالملف كان فوق قدرة “الكركون”، وبخاصة أن الشخصيات المثيرة للاهتمام كانت وهمية.
فقررت “فافا” أخذ حقها بيدها وبالوسائل المشروعة. فكان أن انتظرت مرور “فايزة” في الحي كي تخلع نعلها وترفعه في وجه من كانت في يقينها علة المشاكل. لم تلجأ إلى وسائل أكثر شراسة ودموية للانتقام. فللاهداف النبيلة وسائل نبيلة أيضًا. وهدفها هو إصلاح “كفرنسيان”.
أبلغت الجميع أنّ “الفايزة بوك” يزيد من معدلات الخرف المقيم في “كفرنسيان”. وهو لزوم ما لا يلزم استحضاره من أمريكا في مثل هذه الظروف. أضحت تنطق دررًا وتحاضر ضد تلك الموضة. لا لاقتناع فلسفي بل لانّ تلك الموضة قد انتزعت منها ورقة الأخبار. وألحقتها بأناس آخرين من “كفرنسيان” يتقنون استعمال التلفون الذكي دون أن يكونوا اذكياء على شاكلتها. فبحسبها أنّ ما يجري هو مخيف، ومناف لكل أنواع الأخلاق التي عرفتها. وأنّ في الأمر مؤامرة حيكت ضدها وضد نخبة “كفرنسيان” في دول القرار العظمى، منذ سنوات. وقد اتفق معها على توصيف المشكلة وأسبابها “حنّا” محلل المحلة المذكورة ومفكرها العظيم.