هل تُنْقِذُ الجامعاتُ العريقةُ لبنان..؟!

 الدكتور جورج كلاّس

(رئيس لجنة الإعتراف والمعادلات بالإنابة)

تأسيساً على الكلام الذي قاله رئيس جامعة القديس يوسف ، #الأبسليمالدكّاش للنهار في ١٤ آب ٢٠١٩ ، وما تضمنته { الدردشة} من مواقفَ وتحذيراتٍ ورؤىً إنقاذيةً للتعليم العالي ولصورةِ لبنانَ الحضاريّة والفكرية في أبعادها الإنسانية والتلاقويَّةِ والحواريّة على صعيد القِيَمِ إلروحية والتعاليم و تراكُم الثقافات، ثَمَّةَ أَسئلة صلبة تُطْرَحُ حولَ دورِ الجامعات ِ اللبنانية العريقة ، في إنقاذ ِ لبنانَ من المسار ِ الإشكاليِّ والإنحداريِّ الذي يتهدَّده على الصُعُدِ السياسية الراهنة، والقضايا الوطنية الحادًَة ، وهبوط مستويات (التعليم العالي ) وتشويه صورتِه وإغتيالِ دورِه…!

إنَّ واحدةً من أبرزِ المعادلات السلبية ، التي تعترض ُ مسيرةَ لبنان الدولة ، هي : الحضور ُ السليطُ السياسيين ، مقابلَ الغيابَ الدامِسِ للمُثَقَّفينَ والإستراحةِ التقاعُسيَّةِ للأكاديميين الذينَ صمتوا على الغلط وسكتوا على الخَطأ وخرِسوا عن الانتصار للحَقِّ ، و كأنّهم أصبحوا من مُكَمِّلاتِ المجتمع بدلَ أن يكونوا في اساسيات ِ الوطن…!

ففي الوقت الذي صار فيه المجتمع اللبناني بصيغته الفريدة ، جماعاتٍ لبنانيةً تتلَطّى بهوياتها المذهبية وتستَظِلُّ خصوصياتِها المناطقية ، وتحتمي بتاريخها على حساب مستقبلها ، تَبرُزُ بقوَّةٍ إستقالَةُ المفَكِّرُ والمثقّفُ والأكاديمية اللبناني من دورهِ وهروبهُ من واجبه ، وترْكِ الأمورِ بكلِّ مُعضِلاتِها وشوائكها للسياسيين المُحترفين ، الذينَ وجدوا أنفسَهُمُ وحيدين ومتروكين ، فغابَ المثقّفُ الناقِدُ الذي هو من ضرورات الحياة الديمقراطية ، وحضرَ مكانَه هُواةٌ وتُجَّارُ مواقفَ وطارئونَ على السياسةِ وأُمِّيُّو مواطنة … وهذه من التُهَمِ التي تُصَوَّبُ بِقُوًَةٍ على كُلِّ عارِفٍ وعالمٍ قادرٍ أنْ يُقَدِّمَ مشورةّ نَقديَّةً أوْ إصلاحيّة تُسْهُمُ بردمِ هُوَّةٍ أو بناء ِ جِسْرٍ أوْ مَنْعِ إنهيارِ سَقْفٍ تَسْتَظِلُّهُ{ الكياناتُ اللبنانية} بنوعيَّاتها وتنوُّعاتها الغَنِيَّة ، فكراً وتاريخاً وتراثاً ومبادراتٍ…!…فَهَلْ تُبادِرُ الصروح ُ والجامعاتُ اللبنانية ُ العريقةُ لِتُعْلِنَ { بيانها الوطني } وتُقَدِّمَ إمكاناتها وجهوزيَّتها لإنقاذ لبنانَ من المخاطر الداخلية والخارجية..؟!

كيفَ لوطنٍ أنْ ينهضَ من كبواتِهِ من دونِ جامعات تحمي مواقفه وتدافعَ عن قضاياه..؟؟

كيف لمجتمعٍ أن بستعيدَ عافيته وليس َ عِندَه قاموسُ مُصطَلحاتٍ ومفاهيم مُوَحَّدٌ أوْ واحِدٌ حول ( العدو… الكيان.. الاستقلال.. التحالفات.. المقاومة.. السيادة.. الديمقراطية..الحرية…. )!!!

كيفَ لشعْبٍ أنْ يتقاربَ ويَتَّحِدَ ويتقوّى بنفٍسِهِ وليس عندنا (عقيدة ٌ وطنية ٌ) نعتنقها وندافعُ عنها و نلتقي حولها ونفاخِرُ بها…!!

في الأمس العربي واللبناني ، كانت الجامعات العريقة ، وأخصُّ منها جامعة القديس يوسف والجامعة الأميركية ، منارَتَيْنِ فِكْرِيِّتَيْن أضاءتا النهضة الفكرية العربية وحَدَّثَتا المفاهيم وقرّبتا بينَ الثقافتين الشرقية والغربية ، وطوَّرتا نظرةَ الحُكْمِ وحَسَّنتا أَحوالَ رعايا الكثير من أبناء البلدان العربية ، ودافعتا عن العربية لُغَةً وحضارة ً وديناً وتراثاً وتاريخاً ووجوداً مُستَقْبلِيّاً …!

واليومَ…أليسَ من حقِّ لبنان َ على كلٍ الجامعات العريقة ، والجامعة اللبنانية في مَطْلعِها أن تُبادرَ الى رسم ِ خُطّةٍ للخروجِ من الضائقة التي تَشُدُّ على أعناق الوطن..وأنْ تطرحَ هذه الصروحُ رؤيتها لِمُستقبلِ لبنان..؟؟!!

وإذْ غابتِ الثقافةُ النقديَّةُ، و وَجدَتْ الأكاديميا نفسها في وَضعٍ سياسيٍّ وإقتِصادِيٍّ ودورٍ حواريٍّ مأزومٍ ، نَجَحَتِ ( الصحافة الثقافية) في تحريك ِ جمودِيَّةِ الفِعْلِ الفكري ، فبادرتْ (النهار) الى إجراء هذه المقابلة الإستثنائية ، والتي هي أبعدُ من (الدرْدشة ِ) ، فإستخرج الدكتور ابراهيم حيدر ، من صَمْتِ الأب دكّاش وعميق ِ فكره ِ الموسوعيّ ، إجابات ٍ وعناوينَ صَلْبةً تُشكِّلُ بخطوطها وتفصيلاتها وهمومها ، مَدْخلاً إلى فَهْمٍ أَعْمَقَ للمشاكل والتحديات التي تواجِهُ التعليم العالي اللبناني بكيانيّته ودورِه وإنتظاراته…!

والمأمولُ أن تُشكّلَ أفكارُ الأب الدكّاش وطروحاتُهُ ، باقةَ مُقترحاتٍ بنْيَويّةً ، برَسمِ النهوض ِ بالأكاديميا و تفعيل ِ دور الجامعات في إعادة بناء الثقة بلبنان…!

إنّ كلام الأب سليم لدكاش ، هو بِحَقٍّ ( مانيفستو ) أكاديمي ، يُبنى عليه ، لتكون الجامعات العريقة ، مُستشارَ الجمهوريّة و ضميرَها ورأسَها المرفوعِ أبداً…ومع كلّ الاحترام والتقدير للجامعات الجديدة الرصينة ، فإنني أُمَيِّزُ جِدّاً بين { جامعات التفكير والتثقيف} ودورها التفاعلي، و { معاهد التلقين والتخَصُّص } ووظيفتها العمليّة…!

****

(*) النهار ١٧ آب ٢٠١٩.

 

اترك رد