(8 أغسطس 2019)
تفرّغت، صباح اليوم، لقراءة جريدة النهار. لن أستعرض ما جاء فيها، ولكنّني أريد التوقّف عند مقالة ” حياة أبو فاضل” المعنونة “الرابعة”. ففي هذه المقالة تنفي الكاتبة كون الإعلام سلطة، بادئة بالقول” لو كان للإعلام حقًّا موقع سلطويّ رابع أو غير رابع لما كان إنسان الأرض على ما هو عليه اليوم”وراحت تعدّد الحجج التي استندت إليها، ناعية على الإعلام تفكّكه، ومساهمته في حوار الطرشان، واستزلام أهله، وختمت بالقول” لو أنّ للإعلام سلطة لما لاح في الأفق طيفه الساطع يتهاوى مع كلّ انهيار جديد.”
لم تقنعني المقالة، فالإعلام سلطة، وقد أثبت ذلك عمليًّا، وفي كثير من المجتمعات. فكم من مقالة أسقطت حكومات وأحدثت تغييرات! وكم من صحيفة كانت منارة لتوعية الرأي العامّ والحدّ من عنجهيّة أرباب الحكم وفساد رجالات السياسة!
للإعلام سلطة تنويريّة، وسلطة معرفيّة. وهو يؤدّي خدمات جلّى متى كان نزيهًا، حرًّا، واعيًا، كما باستطاعته أن يقوم بدور هدّام متى كان أصفر فاقعًا… إنّه وسيلة يحرّكها أربابها بحسب مشيئتهم، ولا تُلام الوسيلة.
ولفتني صباح اليوم ظهور جريدة الديلي ستار، الناطقة بالإنكليزيّة، باللون الأسود، من دون أخبار ومقالات، وهي تدقّ ناقوس الخطر، مكتفيةً بوضع عناوين سوداء على صفحاتها تدور حول المأزق الحكوميّ، الانقسام الطائفيّ، التلوّث، البطالة، تفلّت السلاح، مشكلة النازحين، الدَين ، الإفلاس…منهيةً بصورة الأرزة الخضراء وبالقول” إستيقظوا قبل فوات الأوان.”
وقد تصدّر هذا الظهور نشرات الأخبار لما له من دلالة على خطورة ما وصلنا إليه.
أمّا ملحق النهار الضخم، والبالغ اثنتين وخمسين صفحة، فحمل العنوان” مبادرة النهار لشرعة دعم الصناعة اللبنانيّة. إجماع الكتل النيابيّة على تأييد ورقة وزير الصناعة والنهار لدعم الصناعيّين” .
ولهذا النوع من الملاحق وظيفة إعلانيّة ترويجيّة. وهو أمر مشروع ومطلوب لتحقيق غاية اقتصاديّة اجتماعيّة تنمويّة، ولإعطاء جرعة أمل للصناعيّين.
تصفّحت الملحق، مكتفيًا بالعناوين وبالصور، وتوقّفت، في الصفحة ٥٣، عند المقالة ” فادي اسكندر: صناعة الشوكولا بحشوات شرقيّة” . وفيها يتحدّث صاحب معمل الحلويات عن صناعة وتوزيع وتصدير المرصبان ، والبسكويت المطعّم بالشوكولا أحيانًا، وسوى ذلك…وأشار إلى ” أنّنا تمكّنّا من صناعة نوع من الشوكولا له لذّة خاصّة ولا سيّما عندما نضيف ابتكار حشوات شرقيّة متنوّعة تجعل من هذه الصناعة ميزة خاصة من لبنان إلى العالم كلّه” . وردًّا على سؤال عن سرّ نجاح المعمل أجاب ” علينا توفير سلعة خاصّة لا يمكن إيجاد رديف لها في السوق. كلّ هذا يتطلّب فريق عمل خلّاقًا لابتكار أذواق جديدة وأشكال خاصّة دوريًّا”.
لقد أصاب في قوله، فالمجتمع الاستهلاكيّ بحاجة دائمة لأفكار جديدة وابتكارات جديدة تخلق حاجات جديدة…وبما أنّ الشوكولا ليس ابتكارًا لبنانيًّا، ولا يمثّل تراثًا خاصًّا بنا، فبالإمكان تطويره وتغيير طعمه كما نشاء. أمّا المرصبان، فمسألة أخرى.
مازالت بلدة زوق مكايل تعتبر المرصبان امتيازًا خاصًّا بها، وإن كانت صناعته قد تخطّت حدود البلدة وانتقلت إلى المعامل. ومن المعروف أنّ بلديّة الزوق تدعم اشتراك ربّات هذه الحرفة في المعارض العالميّة. وقد روت لي إحدى المشاركات البارعات في صناعة الأشكال الفنّيّة منه أنّ المتذوّقين والتجّار في معارض دبي طلبوا منها إدخال بعض التعديلات على الطعم التقليديّ للمرصبان، عن طريق إضافة أنواع من البهارات أو الهال، أو…للتمكّن من تسويقه. فعرضت الأمر على بلديّة الزوق التي رفضت إدخال تعديلات عليه على اعتبار أنّ ذلك يخرجه من دائرة الخصوصيّة التراثيّة والتميّز، لذا، استمرّت صناعته من اللوز البلديّ المطحون والسكّر وماء الزهر.
حتّى الآن ما زالت هذه الحرفة الزوقيّة التقليديّة صامدة على ما هي عليه. ولكن، إلى متى؟