يؤكّد الدكتور فوّاز طرابلسي في كتابه الأخير”سايكس-پيكو-بلفور ما وراء الخرائط” أنّ لورنس، الذي ارتكب من الموبقات ما لا يحصى، قد أصابه عذاب الضمير في أواخر أيّامه. ولذلك رفض وسام “باث”ما شكّل سابقة في تاريخ بريطانيا.
لا أعرف السبب الحقيقيّ لهذا الرفض، من رجل مراوغ، لكنّ الدكتور طرابلسي يبدو مقتنعًا بما قاله لدرجة استعماله العبارة” ما من شكّ…”، وللبيان أنقل ما جاء في الصفحتين ٢٩٧و ٢٩٨:
في نهاية الأمر، اعترف لورنس بِـ”عدم صدقنا” مع العرب، لكنّه خلص إلى أنّه خير لبريطانيا أن تنتصر وأن تخلف بوعدها بدولة عربيّة من أن تخسر الحرب. وما من شكّ في أنّ مشاركته في ” عدم الصدق” قد أورثته عذاب ضمير لا شكّ في صدقه. فلمّا تقرّر تكريمه بمنحه وسام “باث” على خدماته للأمبراطوريّة البريطانيّة، اعتذر بلطف من الملك جورج عن عدم قبول الوسام، في أوّل حادثة من نوعها في تاريخ بريطانيا.
أمضى لورانس باقي أيّامه يكتب مذكّراته، فأنتج رائعة من روائع الأدب الإنكليزيّ الحديث في كتابه” أعمدة الحكمة السبعة” قبل أن ينعزل في كوخ …
ذكّرني هذا الكلام بقول جون وليامز” الضمير لا يمنع المرء من ارتكاب الخطأ، وإنّما يمنعه من الاستمتاع به وهو يرتكبه”.
أمّا تشرشل، فكان في منتهى الصدق مع نفسه ومع معاونيه، وإليكم الدليل ( ص ٢٩٨): الهندسة الاقتصاديّة ” المنهبة الكبرى”
“المنهبة الكبرى” ذلك هو الاسم الذي أطلقه المسؤولون البريطانيّون والفرنسيّون على الولايات العربيّة من السلطنة العثمانيّة خلال الحرب العالميّة الأولى. تأكيدًا لذلك، لقّب ونستون تشرشل أعضاء المؤتمر الكولونيالي عام ١٩٢١ بأنّهم ” الأربعون لصًّا” على اعتبار أنّه هو نفسه “علي بابا”.
الرجاء من القرّاء الكرام عدم ” التأويل” أو الذهاب بعيدًا في تخمين دوافعي لنقل هذا الكلام. فأنا أقرأ كتب الدكتور طرابلسي لأنّني معجب بأسلوبه وثقافته، وأقدّر جهده البحثيّ، وقد سبق لي أن كتبت تعليقًا بعد قراءة “حرير و حديد” لاهتمامي بعبد القادر الجزائريّ، ولا أقصد الآن إعطاء دروس أخلاقيّة للمسؤولين عندنا، فهم يعرفونها وليس عليهم سوى الأخذ بها، وإنّما قصدت، فقط، إعطاء القرّاء فكرة عن “الأخلاق الإنكليزيّة”.