أمسيتنا اليوم يتوجها عبق حضوركم الراقي وفِي حضرة الأدب والفن لا بدّ لنا من وقفة صادقة، لكن أولًا إسمحوا لي أن أشكر المنتدى الأدبي بشخص رئيسه الشاعر فادي قباني على ثقته وإيكالي مهمة إلقاء كلمة المنتدى اليوم. ثانيًا، أشكر حضوركم الباهي باسمي الشخصي وباسم المنتدى الأدبي اللبناني، كما أشكر بلدية الجديدة- سد البوشرية على استضافتنا في كل شهر دعمًا منها للرؤية والأهداف التي نصبوا إليها.
جميلٌ أن ننظمَ الشعر وأن نلقيه وأن نتذوقه، والأجمل أن نغنّيه ونطرب بنغمٍ وشدوِ صوتٍ يُدخِلُ إلى النفس السكينة وكم جميلٌ أن نشهد ولادة لوحة من رحم الألوان.
الفن والأدب والموسيقى كما اللغة والملبس والمأكل، جميعها مكونات للثقافة وهي هدفنا المنشود.
فهل نحن بصدد الحفاظ عليها أم في نيّتنا محاولة ترميمها؟ أم أننا على يقين بأنها بحاجة إلى إعادة بناء من جديد؟؟ هنا تكمن المعضلة!
كل واحدة وواحد منّا اليوم، رغم قلة عددنا، “يعيّرنا أن قليلٌ عديدنا، فنقول إن الكرام قليل”
إلا أنني سأستذكر كلمتي التي ألقيتها في إفتتاح منتدى صديق، ما الهدف من إنشاء منتديات جديدة؟ هل هي إستعراض وجودنا في الساحة الثقافية أم هي محاكاة لواقع مرير نشعر بأننا جميعًا معنيون به؟
نحن اليوم بما نقوم به في منتدياتنا، رغم جماليته الأدبية والفنية، لا نخدم الثقافة لا من قريب ولا من بعيد. لا أريد أن أبدوَ متشائمة لكن أسأل: أين الخطة التي يضعها كل منتدى عند تأسيسه وكيف يقوم بتقييم وتقويم عمله؟
نحن اليوم، فردًا فردًا، لا نحتاج إلى منتديات لنستمع إلى شعر جميل، إذ أننا نمتلك هذا الحس الجمالي وهذه الأذن الذواقة وهذا القلم الراقي، لكننا رغم ذلك نمضي أوقاتنا في دوران مستمر في فلك واحد، فما الجديد إذا؟
لن أكون محبطة، فبكلّ صراحة وشجاعة أملك الحلّ لهذه المأساة وأعرف أنني لست وحدي من إكتشف الذرة، لكننا يجب أن نمتلك إلى جانب الحل، الإرادة والعزم والنَفسَ الطويل، حتى نبني الثقافة التي سقطت أغلبُ أعمدتها ولم يبقَ منها إلا القليل الضئيل، فالعائلات إعتزلت التربية والمدارس قدّمت إستقالتها من التربية والتعليم والدولة قدّمت أوراق إعتمادها للسماسرة والتجار، فمن سيبني هذا الجيل الذي أصبح أسير الجهل وعبدًا للآلة وهو يظن بأنه قادر على إجتياح العالم لأنه يعرف كيف يضغط على زر التشغيل لأي حاسوب أو هاتف ذكي، ومن شدّة جهله لم يعد يدرك بأن ضغطه على زر التشغيل هذا إنما هو اللغم الذي سيودي بقدراته العقلية والإجتماعية والنفسية إلى حيث لا رجعة…
فماذا ننتظر بربكم؟
أين المسارح؟ أين مسرح المدينة وتاريخ بيروت؟ أين المفكرون والأدباء الذين هجروا المقاهي ليحتلها أولائك “المؤرجلون الجدد”؟
أين الكتاب والفنانون الذين كتبوا مسارًا جديدًا لفرنسا خلال الثورة والذين أشعلوا ،في الأمس القريب، تلك الحركات الطلابية في بيروت يوم كان للبنان شريان نابض؟!
كلنا مسؤول، فلنقف وقفة جريئة وشجاعة ولنحاسب أنفسنا على سُبات دام جيلًا كاملًا أو أكثر، ودعونا نعمل معًا لبناء جيل قادر على حمل ثقافة فيروز ووديع الصافي، جيل قادر على فهم جبران واستساغة محمود درويش، جيل لا يمزق بنطالًا حتى يتماهى مع الركب، جيل يذكر أن لبعلبك تراثًا وارفًا، زحف إليها الكثيرون لصعود أدراجها حتى تمزقت أحلام المتطفلين على أعتابها.
تلك هي الثقافة التي نصبو إليها، حتى إذا قررنا إقامة أمسية كهذه التي نحن في صددها اليوم، نرى الأجيال والفئات المختلفة في قاعة واحدة يجمعهم الحرف وتحتضنهم الصورة بدل تلك الصور المشوهة التي يرتادها أبناؤنا في سهرات موّلها من صنع من ثقافتنا خزيًا يتبرأ منه كل مثقف حقيقي.
****
(*) كلمة المنتدى الأدبي اللبناني في أمسية ٢٦ تموز 2019.