الأديب محمد إقبال حرب
سيداتي سادتي أهل المعرفة والثقافة والروح الوطنية المخلصة
باسمي واسم المنتدى الادبي اللبناني نرحب بكم في ندوتنا هذه حيث نخطو بمعيتكم خطوة أخرى من رحلة الألف ميل نحو ثقافة وطنية تربوية إنسانية تتخذ من مناقبنا وأدبنا وأخلاقنا منهلاً نعتد به لبناء أجيالنا القادمة علماً وثقافة وقيماً لتكون نبراساً يزود عن الوطن والمواطن على حدٍ سواء.
إنها الندوة الثانية من الثقافة إلى أين؟ التي يتبناها المنتدى اللبناني بعنوان “دور التربية في البنية الثقافية”
تُقرع الأجراس للصلاة فيلبّي النداء أشخاصٌ نذروا أنفسهم لتلبية فروض الايمان، وتُقرع عند المصائب فيتراكض ذوي الشهامة والحميّة لنجدة المطلوب إيماناً برسالة الإنسانية المباركة من علياء.
وها نحن في المنتدى الأدبي اللبناني نقرع أجراس النجدة مراتٍ عدّة في كل يوم غيرُ عابئين بشروق الشمس أو دلوكها لانقاذ ثقافتنا وأسس تربيتنا من فناءٍ. نداء صادح واستغاثة قلب مكلوم. ولكن ما من صاحب سلطة او قرار يستجيب لمسؤوليته أو صاحبِ شهامة من ذوي الحول والقوة ينقذ رافداً من روافد التربية أمحله جفاف الفكر، أو برعماً من براعم الوطن نخرته آفة الجهل.جهل بالمناقب والأخلاق، جهل بالوطنية والوفاء والعطاء، جهل بإبن الوطن الآخر ذاك الذي نبذوه كما نُبذ الوطن والثقافة والتراث. تربية النشئ تربيةً وطنية اجتماعية صالحة هي التي تصنع جيلاً متماسكاً يستمد جذوره من شجرة واحدة اسمها وطن فالعلم وحده لا يبني إنساناً وطنيا.
من أهمل الثقافة وأُسس التربيةِ الوطنية والاجتماعية إلى هذا الحد؟
بل على من تقع المسؤولية؟
لسنا بصدد اتهام أحد، ولسنا بصدد البكاء على الأطلال. لكننا ندق نواقيس الخطر منذرين أصحاب السلطة ورواد الفكر ليبادر كل ذي باع في أي رافد من روافد الثقافة والتربية أن يمد يده بكوب معرفة لشعب أعماه الاستهتار والتجهيل المتعمد والغير متعمد فغداً عقله صحراء قاحلة. نناشد قامات الثقافة بأنواعها أن يتمعنوا في الواقع المزري الذي نحياه وأن يستبدلوا سياسة الاستحمار بعلاج ناجع يُشفينا منجهل مزمن.
أليس من العار أن تكون هناك مناهج دراسية تتصارع فيما بينها سياسياً وطائفياً فيشب الطالب غريباً عن ابن وطنه، عن أرضه ومجتمعه؟
أليس من المعيب أن يفخر المسؤولون بأن أولادهم يتعلمون بمدارس الارساليات ويتقنون عدة لغات بطلاقة دون الشعور بالحرج من أن فلذات أكبادهم يلوكون لغتنا العربية بصعوبة مضنية، كطفل أجنبي؟
أليس من العار كذلك ألا يرتاد أولاد الطبقة المسيطرة وأصحاب المال المدارس الرسمية وكأنما هذه المدارس وباء بل عقاب يستحقه الفقراء؟
أوليس معيباً أن نرى بعض الآباء والأمهات يتكلمون مع أطفالهم الذين لم يبلغوا الحلم بعد، بل حتى الرضع بلغة أجنبية غير مكترثين باللغة الأم التي يجب أن تكون صلة الوصل بين الطفل وعمق حضارته ووطنيته؟
أين هي مدارس الدولة ومسؤولياتها من نظام تعليمي تربوي موحد يكون نواة ثقافة تربوية واحدة تنهل من مجتمعنا وثقافتنا وتاريخنا لاذابة الأجيال في بوتقة ثقافية وطنية واحدة؟
نطلب بل نصر على أن تأخذ الدولة ممثلة بوزارتي التربية والثقافة على عاتقها لعب دور ريادي في توحيد البرامج الدراسية ودعم المدارس الرسمية
بدلاً من صرف المال على بدلات تعليم لأبناء الموظفين لصرفها في مدارس خاصة تتخذ من البرامج الدراسية الاجنبية منهجا.
كما نطالب بوضع قانون لا يسمح للمدارس الأجنبية والارساليات بتدريس التربية الوطنية والعلوم الاجتماعية الغريبة حفاظاً على أجيالنا، كما نصر على الاخذ بالاعتبار التطورات التكنولوجية الحديثة ودورها القوي في بناء الاجيال والعمل على استغلالها لصالحنا بدل ان تستغلنا لصالح الغرباء.
الاسئلة كثيرة والمطالب أكثر، لكنني لن أطيل كلمتي فالأستاذين الكبيرين العميد الركن مارون خريش والمربي الفاضل مفيد منصور سيشاركاننا رأيهما وطرحهما حول دور التربية في البنية الثقافية واستمرارية وجودنا الحضاري.
وقبل الختام أريدكم أن تفكروا ملياً في حقيقة مرّة، ألا وهي ان الجيل الحالي المأزوم اجتماعياً وحضارياً في عالم من الضياع إن هو إلا نتاج تربيتنا الفاشلة، بدءاً من الأسرة الى المدرسة الى الدولة.
وفي الختام أشكركم على وجودكم الراقي كما أشكر بلدية الجديدة، البوشرية السد ورئيسها الشاعر انطوان جبارة على دعمهم المتواصل لمسيرة العطاء الادبية والاجتماعية.
***
(*) ألقيت في ندوة “الثقافة إلى أين؟ دور التربية في البنية الثقافية” التي نظمها المنتدى الأدبي اللبناني.