يا طيبُكِ من أُمسيةٍ!
أُمسيةٌ، حملتني إليها صدفةٌ أَرقُّ من نسيم الجَّنة…
وطئتُ أرضكِ مريمُ، وفي قلبي ملء الخشوع وبعضُ غرابة…
أَيُعقلُ أَنِّي لم أَلتقيكِ في دياري، وهي بعض من موئل قداسة؟!
يا طيبُكَ من وجه أُمٍّ، مُختصر سحر وجوه الأُمَّهات!
وصلتُكِ يا أرض السّلام والمصالحة، بعد أن طوَّبتك أُمُّنا مريم موئلَ نِعم ومنبت رحمات، يستمطرها حجّاج تلك الأرض البعيدة، من لدن حضنٍ دافئٍ وراحتين تنبسطان سخاءً!
آهٍ، كم أنّ اللِّقاء بكِ ماتعٌ يا أُمّ الكون يا أُمّاه! بخاصّةٍ بعد أن أذاقتني الحياة من علقم كأسها اللّطم واليُتم جرعات جرعات!
تُرى، أَما كان اللقاء بكِ مواجهةً ليتمّ على أرض المواجع – وطني – حتّى أُلبّي ملحاح ندائكِ، من بين أرتالٍ من خلق اللّه؟!
رائعٌ رائع الذّهاب إليك أُمّي مريم، أَستقي من الوجه المُشعّ بياضًا، نور رضاكِ! أَكان لزامًا عليَّ الذّهاب إليكِ، لأنهل النِّعم من راحتيك؟! حقًا أُماه، ما أروعني توما رحلةٍ، رسمت لي خُطاها يد الباري، بأَنامل من حنانٍ فيَّاضٍ!!
هناك، يا حبيبتي، فتحتِ للخلق على النّعم، كوَّةً فسيحة الأرجاء وسع قلبك الحنون، كي يتورَّعوا! وأَمطرتِهم من سخائك شفاءاتٍ ورجوات عطايا، أَروع تَجلِّياتها: رفقتكِ الدؤوب لِمن يقصدكِ بقلبٍ ورعٍ، على دروب العمر المتشعِّبة قلقًا وهمومًا!!
عطاياكِ أُمّاه والنِّعم، ليست كنوزًا تضمُّها أَكياس، ولا جواهر تتدلّى من الأعناق ليراها النّاس… بل إنَّها من الكنز جوهرٌ مرصودٌ لذوات القلوب البيض والألسن البنّاءة، لا تنبض سوى بابتهالٍ خاشعٍ كُرمى لرضاكِ!
أَعدُكِ أُمّاه ورفاقي في هذه الرّحلة، فكما فتحتِ للخلق بابًا على السّماء ليدخلوا: إِنَّنا سنشرِّع قلوبنا لكِ مضافاتٍ مضافات تستوطنينها أَبدًا!
إِجعلينا أُمّاه أَبناءَ وبنات أَهلاً لنوال رضاكِ، وفَعَلَةً في حقلكِ لا يتوانون عن حبِّ وحيدكِ!
إنّ توما الـحج هذا، يستصرخكِ رحمةً بلبنانكِ الحبيب وأَهله… هذا الوطن الذي تعمّد بِميرون رضاكِ، وبهؤلاء الطّيبين من ناسه منذ زمنٍ أزل؛ وقد شيَّدوا في قلوبهم لكِ معابد، وغدوا للمصالحة والسّلام رسلًا ومُبشّرين. فلا تتواني عنا وعنهم، جاعلةً من قلوبنا مركعًا ومصلّىً، ومن حناجرنا أَبواقًا: باسمكِ القدوس تسبِّح.