على أَعتاب خواتيم كلّ عامٍ دراسيٍّ، يهيج في صدري حنينٌ بعواصف وأَعاصير من مُناخات الوداع.. يُماحكونني وأُماحكهم طوال عمرٍ دراسيٍّ تربويّ، أُزعجهُم بِمطالبي مرّةً فيزعجونني بتوانيهم والتّسويف لمرّاتٍ ومرّات… غير أنّ لحضورهم في حياتي طيبًا ورونقًا، فيلوِّنُونها بأروع الصِّباغ، بزُغُبٍ من أحلامهم الطريئة، التي يترصد أَعمارَهم تَحقيقُها على أحرّ من جمر كانون…
يُريدون من الحياة أن تَملأ سلال أَعمارهم بكلّ ما أٌوتيت من شهيّات ثمار الـمُنى، بدون كثير جَهدٍ وتعب… ظنُّهُم بها، ما هم يثقونَ به من أهلهم، بسرعةِ تلبيةِ طلباتِهم مِمَّا هُمُ يتشهَّون لمجرّد أن تُراود مُخيِّلاتهم أشرعةُ التمنّي! لم يعرفوا بعد، أنّ كتب الحياة قد انطوَت على دروسٍ، لم يَقربْ حبرَها مطابع ولا لامسَت حروفَها أَقلام، بِمَدادٍ من نسغ الحقيقة المُشعّة: أنّ «الدُّنيا تؤخَذُ غِلابَا»!!
خذوا أَحبَّتي من زاد ما خبرتُ على دروبها، لعلَّكُم توفِّرونَ على أَنفسِكُم بعضًا من وقع سياطها على أجسادكم الطريئة ومُناكم المُتشعِّبة كي لا يهيض التهوّر بعضًا من أَجنحتِها، فتقنطوا!
خذوا من وفير الأخلاق والعلم لطموحكم زادَ سفرٍ بين النّاس. ولكي تُحلِّقوا نحو مطامحكم، فليكن لكم منهما جناحان: بهما ترتقون، من دون أن يغيبَ عن بالكم، أنَّ مواقفكم الحقّة هي ذيل طائرتكم التي بثباتها بوجه الباطل، آمالَكم تُحقِّقون وغاياتِكم تُنجزون.
واعلموا، أنّكم مهما صادفتم على دروب العُمر من وجوه البشر، وما زرعت الحياة من صنوفهم على المفارق والمنعرجات، لن يعزَّكم أحد بمثل ما يعزُّكم به كلٌّ من أُمكم وأبيكم. فهما الوحيدان اللذان يعزّان كلّا منكم، ويُهرقان عمريهما على دروب نُموِّكم ونَمائكم، من غير أن ينتظرا من أيٍّ منكم على سخائه والتّضحيات بديلًا أَم شكورًا… وصيّتي لكُلٍّ منكم، أن لا يسترخص أحدكم برضى والديه. فرضاهما من رضى الرّب ينبثق، ومردوده عليكم بخيور الأرض يعود!!
أَمَّا عنّا نحنُ كمُعلِّمٍ وتلميذ، فكونوا على ثقة أن لا قيمة لموائل المعرفة- مدارسنا- إن غاب عن صفوفها وملاعبها أحدُنا. فلن تبقى البتّة معقل علمٍ وإعدادٍ لـمُستقبلات تنتظركم، بل تغدو مدارسنا ملاعب عصافير… أما مررتم بها ذات عطلٍ رسميّة أَم صيفيَّةٍ مرَّةً؟! فمدرستنا مدرسةٌ هي، لأنَّها تضمني وإياكم، جيلًا يحلم وآخر يُنظِّم للحالمين سُبلَ السّير السّليم على دروب ومسارات أَحلامكم، لتغدو في جُعَبِ أَيَّامكم إِنْجازات تفخرون بها وتعتزّون، كما نفخر بكم ونعتزّ. فإن كُنتُ أنا أُستاذًا، فأنا لستُ كذلكَ لأنّني محامٍ أو مهندسٌ، بل لأنّ أهلكم قد عهدوا لي بكم لأتلقّف همومكم وآمالكم كما هُم يحتضنون، فغدوتُ إذن مُربِّيًا أَتعهَّدُكم خُلُقًا وعِلمًا معًا. فبالله عليكم، لا تبخسوني ولا تبخسوا مَن هُم لي زملاء في رحاب المدارس أَدوارنا! فما قيمة أن تتعلّموا من غير أن تعلَموا؟ وما عظمة أن نُعلِّمكم ويغربَ عن بالنا أن نُعلِّمَ بكم كالنَّقش في الحجر، متى حلّقتم عنا بأحلامكم على مسالك الحياة مغتربين مُبتعدين؟!