نزار حنا الديراني
عقدت لجنة متابعة توصيات مؤتمر العلامة الآباتي جبرائيل القرداحي للدراسات السريانية ندوتها الرابعة على مسرح الجامعة اللبنانية الدولية – فرع جبل لبنان تحت عنوان (التراث السرياني) شارك فيها: المطران جورج صليبا/ تأثير اللغة السريانية في اللغات السامية، المونسنيور روفائيل الطرابلسي/ “القوانين الأولى للكنيسة الكلدانيَّة بحسب ايليّا الجَوهَري، الأديب نزار حنا الديراني/ توظيف إسطورة نزول عشتار وعيد أكيتو ( من الأدب السومري ) في تجسيد فكرة الجحيم والخلاص في الأدب السرياني المسيحي.
أدارت الندوة الأديبة والأعلامية القديرة سمية التكجي التي طلبت من مدير الجامعة اللبنانية د.كابي الخوري إلقاء كلمة الجامعة بعد أن نوهت بدور الجامعة بشخص الدكتور كابي الحريص على دعم النشاط الثقافي ومجتمعات الفكر و على انخراط الجامعة في القديم والتراث كي يكون دورها مكتملا .
وبدوره رحب الدكتور بالحضور والمشاركين مضيفا: “لأنني لا أجيد السريانية لذا سأخاطبكم باللغة الأقرب لها وهي اللبنانية المحكية والتي هي إحدى رواسب السريانية …. فنحن يوميا نتكلم السريانية من غير أن ندري فالعديد من الأفعال والأسماء التي نستخدمها في حياتنا اليومية هي سريانية وحتى قواعد اللبنانية المحكية هي نفسها الى حد ما مع قواعد السريانية ، وزجلنا الذي ننشده ونغنيه هو الآخر سرياني … كل هذا يدل على سريانيتنا التي لازمت عوائلنا الى حيث القرن الثامن عشر … وكجامعة لبنانية دولية دورنا في نشر العلم والمعرفة للحفاظ على التراث وخاصة أن التراث السرياني تراثا عريقا ولعب دورا مهما في ترجمة العلوم والفلسفة اليونانية والفارسية والأرمنية الى السريانية أولا ومن ثم العربية والعكس صحيح)”.
بعد ذلك نوهت مديرة الجلسة عن أهمية هكذا ندوات وأضافت: “في رحاب هذه الندوة سوف نتلمس قبسا من الماضي لنضيء به الحاضر ونحرك الساكن فيه و من دروس التاريخ سنـأخذ العبر كي لا نكرر أنفسنا وبخيط الدين ونوره سننسج إنسانية ترى الله وراء كل باب نفتحه بالمعرفة و العلم ومن وحي كل هذه المعاني إنبثقت ندوتنا , وعلى هدى تعاليم العلامة الحجة الأباتي جبرائيل القرداحي ستتناول ندوتنا السريانية و أهلها ,لغة و كنيسة و تراثا و أدبا ,آملين تحقيق خطوة الى الأمام على طريق تحقيق ما تصبو اليه لجنة المتابعة من أهداف النهوض بهذه اللغة العريقة و تأمين الدعم الرسمي لها و الوقوف على قيمتها التاريخية في كل العصور “.
ثم قدمت الأساتذة المشاركين للحضور من خلال تسليط الضوء على سيرتهم الذاتية وكان سيادة المطران جورج صليبا أول المتحدثين الذي قالت عنه: “مطراننا الجليل يرفض أن يقال عن السريان انهم أقلية بل نخبة ، ونحن نشد على اياديك و نقول إن الكرام قليل ، وأن التاريخ لا يكتبه العدد بل العظماء و مهما جار التاريخ لن يقدر أن يمحو نفائس التراث السرياني”.
بعد ذلك سلط المطران جورج صليبا الضوء على مؤتمر القاهرة مادحا الجامعات المصرية التي سبقت جميع جامعات الوطن العربي لتدريس اللغة السريانية في جامعاتها على أمل أن تحذو حذوهم الجامعات اللبنانية أولا والجامعات الأخرى في دول الشرق…
كذلك تحدث عن تأثير اللغة السريانية الآرامية في اللغات السامية قائلا: “ان اصطلاح (اللغات السامية) برز في العصور الوسطى بتصنيف اللغات القديمة وما تفرع عنها من لغات ولهجات،استعملتها شعوب العالم القديم وتداولتها وتبادلتها في مختلف القارات ولاسيما قارات وحضارات الشرقين الأدنى والآوسط .وصارت سمة تميّز سكان هذه البلاد…. وتصنّف وتحصر هذه اللغات باللغة الآرامية ، لغة الانسان الأول في الشرق الأدنى القديم ، حيث تكلمتها شعوب المنطقة بلهجتين رئيسيتين نسميهما الشرقية والغربية … تأثرت اللغة العبرية كثيراً بامها اللغة الآرامية لاسيما في السبي البابلي .. وهناك خلال سبعين سنة من هجرتهم وجلائهم الى بلاد بعيدة نسوا اللغة العبرية لذا كان كهنتهم ومعلموهم يترجمون التوراة والتلمود من الآرامية الى اللهجة العبرية … فاللغة الآرامية اثرت في اللغة العربية التي نقلت قواعد الآرامية والسريانية الى اللغة العربية وصارت الآرامية لغة العالم المتمدّن لمدة خمسة عشر قرنا اعتبارا” من القرن السادس قبل الميلاد الى القرن السابع بعد الميلاد ….
ومن ثم قدمت المتحدث الثاني المونسنيور روفائيل طرابلسي الى الحضور قائلة عنه: “في حديقة الكنيسة تنمو ورود العذارى و المتزوجين و الأرامل و الشهداء ،فلا تكون الكنيسة الا اذا كانت من اجل الآخرين ،خدمة وتضحية ومحبة ومعان كثيرة لا يتسع الوقت لذكرها،المونسينيور طرابلسي في شخصه و سلوكه تتجلى هذه المعاني ، يحمل لواء التوق الى الآخر ،الى استعادة الوحدة ، و يسلط الضوء على الجذور المشتركة للكنائس”.
بعد ذلك تناول المونسنيور في محاضرته عن كتاب “القوانين الأولى للكنيسة الكلدانيَّة بحسب ايليّا الجَوهَري” (حقّقه سيادة المطران ميشال قصارجي) قائلا: “في الأوانِ الذي نشهدُ فيهِ على تَشْويهٍ ممنهجٍ ومستمرٍ لحضارة بلاد الرافدين، التي صدّرت للعالمِ قانونَ حمورابي، وهو الأولُ من نوعِهِ في تاريخِ البشريةِ، وفي زمنٍ رديءٍ نعاني فيه نشوبَ حربٍ ضَروسٍ طالتْ أرضَ العراقِ وبلادَ الشامِ، نقدِّم لكم مؤلفاً وضَعَهُ أسقفٌ من كنيسةِ المشرقِ، في القرنِ التاسعِ، ودوَّن فيه ِ مجموعةً قانونيةً مستقاةً ايامَ البطريركِ الجاثليق تيموتاوس الكبير في القرن الثامن، فاماط اللثامَ عن التعليمِ العامِ لكنيستهِ حولَ الموضوعاتِ التي تطالُ الشأنَ القانونيَّ وتحتوي ايضاً على مواضيعَ عقائديةٍ ورعويةٍ وتربويةٍ وطقسيةٍ وسواها… إنه المطران ايليا الجوهري المعروف بالدمشقي”.
أضاف: “هذه المجموعةُ القانونيةُ التي عَرَفتْها كنيسةُ المشرقِ تتمتَّعُ بلا شكٍ بطابَعٍ مسكونيٍ بامتياز، اذ إنَّ واضَعها يتّصف بانفتاحِهِ على التراثاتِ الكنسيَّةِ المتنوِّعَةِ، .. لرُبما اعتَبَر البعضُ أنَّ كنيسةَ المشرقِ ظَلَّتْ بعيدةً عن الحركةِ المجمعيَّةِ والنشاطِ التشريعيّ والفكرِ العقائديّ الذي كانتِ القسطنطينيةُ وانطاكيا أو سواهما من المناطقِ والكراسي الرسوليةِ مَرْتَعاً له، في حينِ أنَّ هذه المجموعةَ القانونيةَ التي قام سيادتُه بتحقيقها وتحليلها ونشرِها تُقدّم اولَ مجموعةٍ قانونيةٍ متكاملةٍ عرفتْها كنائسُ الشرقِ باللغة العربيةِ”…
وكان الاديب نزار الديراني آخر المتحدثين قائلة عنه: “قيل الحياة لا تكفي،لذلك كان الأدب، نزار الديراني يعطي الكثير من حياته للأدب و يعطيه الأدب الكثير من الحياة، معه سنقوم بترحال في حقول الخبر والغواية و الخصب و ربنا نزلنا الى الجحيم لنختبر الخلاص و الانبعاث . وأنوه ، كثيرا بما يقوم الاستاذ نزار من ترجمة نصوص لكتاب العربية الى اللغة السريانية و جعلها تتخطى حاجز اللغة لترتبط بخيط الانسانية”.
تحدث الأديب نزار حنا الديراني في محاضرته عن توظيف أنشودة نزول عشتار الى العالمي السفلي وعيد أكيتو في تجسيد فكرة الجحيم والخلاص لدى الشاعر السرياني قائلا:
“.. ومن اجل التوفيق في تجسيد و تقريب فكرة الخلاص والجحيم الى القارئ ، وظف الشاعر السرياني الكثير من هذه المفاهيم كاسطورة نزول عشتار الى العالم السفلي وعيد اكيتو وقصة الطوفان و..في شعره.
ففيما يخص فكرة الخلاص نجد الشاعر السرياني يزاوج في قصائده ما بين اعياد اكيتو وعيد القيامة اللذان يشتركان في وقت الحدوث أي شهر نيسان ، هذا الشهر الذي يرمز الى عيد راس السنة عند البابلين والاشورين والى عيد القيامة (الخلاص ) عند المسحيين كما الحال لدى مار افرام ونرساي والسروجي و.. فمثلما يكون الخلاص في أكيتو بواسطة الاله مردوخ لا الملك يكون الخلاص في انشودة القيامة (3:7 ،9:11) لمار افرام من خلال المخلص / المسيح بدلا من أحبار اليهود كما يشترك النصان ايضا في تقديم القربان ، في أكيتو يطهر المعبد من خلال دم الحمل الذي هو خروف ليكون القربان ، وفي نشيد القيامة يكون التطهير من خلال دم المسيح المصلوب …
وهكذا الحال في مفهوم الجحيم ، فلو اجرينا على سبيل المثال دراسة مقارنة بين قصيدة نزول عشتار الى العالم السفلي من الأدب السومري والبابلي وقصائد الشعراء السريان في القرون الاولى ( 4،5،6) لوجدنا هناك تشابه في المفهوم .
فعلى سبيل المثال نجد ان مار افرام يجسد فكرة الجحيم (العالم السفلي) اي نزول المسيح الى القبر في قصائده من خلال الحوار المطول الذي يجري بين المسيح والشيطان أما فكرة نزول المسيح الى العالم السفلي لدى يعقوب السروجي هي من أجل المساواة بين العبد وسيده ، فيقول (السروجي) ان المحبة (حب المسيح للبشر) هي التي قادت المسيح للنزول الى العالم السفلي ان فكرة نزول المسيح الى الجحيم عند الأديب السرياني يعني حقيقة موته كإنسان وإنتصاره على الموت بالقيامة ، فالمسيح ( وعلى ضوء فكرة الأديب السرياني ) بموته إنتصر على الموت ونزوله الى الجحيم (العالم السفلي ـ القبر )أادى الى تدمير أبواب الجحيم حين قام وصعد الى العالم العلوي وهذا واضح ايضا في مدراش الموتي الذي هو لاحد الملافنة السريان وتتجلى فكرة تجديد المصالحة والاتحاد بين الخالق والخليقة اكثر لدى الشاعر السرياني مار نرساي (القرن السادس للميلاد) من خلال قصيدته كياسا (اللص) ، نجد هناك تشابها في المضمون والفن الروائي في كلا القصيدتين وهناك رعب وخوف في ذاك العالم (ان كان العالم السفلي او العلوي)، وكذلك هناك عملية تحرير الإنسان اي الصعود من العالم السفلي الى العالم العلوي فكلا الشخصيتين ـ إنانا او كياسا ـ يرومان الوصول الى العالم العلوي ، في القصيدة السومرية تتخلص أينانا من عالمها بواسطة الوزير ننشوبور المرسل من الإله آنكي اما في القصيدة السريانية يتخلص الإنسان ( الذي يمثله كياسا ) من عالمه السفلي (القبر) بواسطة الصليب (أي صليب المسيح ) ، وفي نهاية الحوار يضطر كل من نيتي والملاك الى فتح ابواب العالم (السفلي اوالعلوي ) لإينانا وطيطوس” …
بعد ذلك فتح باب النقاش فأغنى المتحاورون الندوة من خلال نقاشاتهم .