رسالة عاجلة من شعب لبنان إلى الأمين العام للأمم المتحدة لإنقاذه من الطبقة السياسية الحاكمة التي أوصلت البلاد إلى حالة الإفلاس

sinno new

feather_pen 111 د. عبد الرؤوف سنّو

 

سعادة السيد أنطونيو غوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة الموقّر

تحية وبعد،

نحن شعب لبنان العظيم، الذي نشر أجداده الحرف والمعرفة والتجارة في العالم المتوسطي القديم، واشتهر في الماضي بديمقراطيته الفريدة في عالم عربي مكبّل بأنظمة عسكرية وقمعيّة، والذي وُصف برقيّه وثقافته وبأنّه «سويسرا الشرق»، وينتشر أبناؤه في أنحاء العالم، ويشاركون في نهضته ويحتلون فيه مراكز إدارية وسياسية واقتصادية وثقافية رفيعة ومؤثرة…

نعلمكم بأنّنا نتعرّض منذ حرب لبنان إلى فساد وتعسّف الطبقة السياسية الحاكمة، التي تداولت على السلطة، ومعظمها من الميليشيات التي عاثت فسادّاً ونهباً خلال الحرب تلك، واستولت على الدولة اللبنانية الضعيفة، سيادة ومؤسّسات ومرافق وموارد، ثم جدّدت نفسها بعد «اتفاق الطائف» برداء الديمقراطية عبر انتخابات دورية بعصبية طائفية ومذهبية، واحتلت المراكز العليا في السلطتين التشريعية والتنفيذية والإدارات والمؤسّسات برعاية دولة الوصاية سورية، وتمكّنت من إثراء نفسها على حساب المالية العامّة والصفقات والسمسرات والنهب على المكشوف. وفي السياسة، سادت فلسفة «الترويكا» التي غلّبت مصالحها الفئوية والطائفية والمذهبية على حساب مصالح الشعب اللبناني. وهناك تقديرات بأنّ مكاسب الميليشيات وقوى الأمر الواقع من الاقتصاد الموازي والأسود راوحت بين 42 مليار دولار و52 ملياراً بين الأعوام 1975 و1990. وليس مستبعدًا أنْ تكون ثروات «الميليشيات» والأحزاب والقوى السياسية المستحوذة على السلطة بانتخابات «ديموقراطية»، قد تضاعفت اليوم، وفاقت ضعفي حجم المبالغ التي راكمتها خلال الحرب، أي قرابة 100 مليار دولار، ما يوزاي تقريباً حجم الدين العام.

وبعد خروج العسكر السوري من لبنان العام 2005، ازدادت الطبقة السياسية اللبنانية تعنّتاً وفساداً، وأخذت تراكم ثرواتها وتضخّمها بشكلٍ فاضحٍ، من دون محاسبة محلية أو دولية، وذلك عبر مد اليد إلى مالية الدولة، والاستحواذ على المشاريع والمناقصات، وحماية أزلامها الفاسدين في كلّ قطاعات الاقتصاد والمال اللبنانيين. ومن ناحية أخرى، سعادة الأمين العام، يتزايد مستوى الانقسامات بين تلك النُخب الحاكمة على أساس السياسة والمصالح الحزبية والدين والمذهب، لكنها تتصارع حيناً وتتوافق حيناً آخر على المكاسب والمغانم ونهب الدولة وماليتها، فيما يتّبع كلّ فريق طائفي أو مذهبي لخارج إقليمي ودولي على قياسه.

وبسبب الفساد والمحاصصة وغياب المساءلة والمحاسبة لتسلّط الطبقة السياسية الحاكمة على مقدّرات البلد؛ من وزارات وإدارات ومؤسّسات ومجالس وصناديق، وضعف أجهزة الرقابة والتفتيش وارتهانها لإرادة القوى السياسية والحزبية الفاسدة، بما فيه القضاء اللبناني، فقد حصل تدهور في اقتصاد البلاد، وأصبحت مالية الدولة على شفير الإفلاس، بسبب الهدر والخطط المالية الفاشلة (سلسلة الرتب والرواتب) والسرقات المباشرة وغير المباشرة، وعدم جباية واردات الخزينة المقدّرة بخمسة مليارات دولار سنوياً، ووضع اليد على الأملاك البحرية والنهرية (حوالى 1.2 مليار دولار) المحميّة من الطبقة السياسية الفاسدة من دون رقيب وحسيب، وبلغ حجم التهرّب الضريبي 1.8 مليارات دولار سنوياً، فيما يتزايد حجك التهريب عبر المنافذ البحرية والبرية، والاستحواذ على المشاريع، والتوظيف العشوائي الذي قارب العشرة آلاف موظف خلال السنتين الأخيرتين، و30 ألفاً بين عامي 2014 و2018، مع العلم بأنَّ 30% من موظفي الدولة لا يعملون ولا تتم محاسبتهم، لأنهم يحظون بالحماية السياسية. أخيراً وليس آخراً، المناقصات الوهميّة والتلزيمات بالتراضي والسمسرات…. كلّ ذلك من دون ضمير أو حتى حسّ وطني.

وفي ظلّ الفساد المستشري، فاق الدين العام 90 مليار دولار، وخدمته أكثر من 6 مليارات دولار سنوياً، بالإضافة إلى عجز كبير في موازنة الدولة قد يصل إلى 7 مليارات دولار العام 2019. وهناك شكوك في قدرة النظام المالي اللبناني على تمويل خدمة الدين العام، وقد تصل إلى أكثر من 50% من إيرادات الخزينة العام 2020. أما نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي فسوف تقفز إلى قرابة 170% في السنة المذكورة.

وفي الوقت ذاته، حدث تقلّص كبير في حجم تقديمات الدولة الاجتماعية والعامّة، ويلتهم قطاع الكهرباء سنوياً قرابة ملياري دولار من موازنتها، في وقت يُسجّل تراجع شديد في خدمات قطاعات الماء والإسكان والنفايات والبيئة (الكسّارات وتلوّث الأنهر والبحيرات) والصحّة.. وقد ازداد العبء المالي والاجتماعي باللجوء السوري إلى البلاد منذ العام 2012؛ فاللاجىء السوري يتلقى المساعدات الدولية لأكلاف المعيشة والتعليم والصحّة والإسكان، فيما يستهلك الكهرباء والمياه مجاناً ومن دون حساب، ويزاحم اللبناني في قطاعات كثيرة من الاقتصاد الوطني. فلا عجب أنْ ترتفع نسبة البطالة من العمل بين الشباب اللبناني إلى 35%. ولهذا السبب، يخشى اللبنانيون أنْ يتسبّب توطين السوريين، كما الفلسطينيين (صفقة القرن)، بكوارث على اقتصادهم ومجتمعهم، ويؤدي بالتالي إلى صراعات سياسية، لارتباط الديموغرافيا بالتوازنات الطائفية والمذهبية.

ولما كانت الدول والصناديق الدولية قد دقّت ناقوس الخطر للحكومات اللبنانية السابقة والحكومة الحالية، وربطت مساعداتها لها (آخرها سيدر) بخطّة إصلاحية للمالية اللبنانية، وهو أمر لم يحصل في السابق (مؤتمرات باريس 1 و2 و3)، فقد وضعت حكومة السيد سعد الحريري خطّة موازنة للعام 2019، لا تقوم على استعادة المال العام المنهوب من الطبقة السياسية الفاسدة المعروفة، فرداً فرداً، كما أزلامها ومحاسيبها المحميين، أو تحصيل الضرائب من المؤسّسات والشركات الكبيرة التابعة لها أو المتحالفة معها على أساس الضريبة التصاعدية، ولا الرسوم من المعتدين على الأملاك العامّة. وقد حمّل أحد النوّاب السلطة السياسية والوزراء والنوّاب مسؤولية 80% من الهدر الحاصل، ونسبة الـ 20% المتبقية إلى الموظفين في الإدارات والمؤسّسات.

إنّ مشروع الموازنة يتضمّن ضرائب جديدة على الكهرباء والماء، حتى أنّ هناك شائعات حول زيادة الضريبة على رواتب الموظّفين إلى 15%. فتصوّروا، سعادة الأمين العام، حالة المعاناة التي يعيشها المواطن اللبناني منذ عقود، عندما يدفع فاتورتين اثنتين للكهرباء والماء، مرّة لخزينة الدولة، ومرّة ثانية لمافيات المولّدات الكهربائية وأصحاب صهاريج توزيع المياه المحسوبين على الطبقة السياسية الحاكمة أو النافذين، وتعتزم الحكومة اللبنانية رفع نصيبها من الفوائد على الأموال المودعة في المصارف من 7% إلى 10%، وأيضاً، تحميل فئات الشعب عبء الانهيار المالي باقتطاع أجزاء من تقديماتها لها، كما من رواتبها وخلافه.

سعادة الأمين العام

إنّ ما وصلت إليه الأوضاع في لبنان؛ من انهيار مالي وتضعضع اقتصادي، وسوء الأحوال الاجتماعية والمعيشية، وفي الوقت نفسه عزم تحالف حكومة الحريري وكلّ القوى السياسية الأخرى على سد عجز موازنة الدولة من الطبقات الفقيرة والمتوسّطة، ومن رواتب الموظّفين والمتقاعدين، يُنذِر بفوضى اجتماعية بكلّ معنى الكلمة، فبدل الإمساك باللصوص الذين نهبوا الدولة وماليتها وشعبها، ويتربّعون على رأس السلطة؛ من أحزاب وسياسيين، وهم معروفون ويؤشَّر إليهم بصمت، وبالتالي استرجاع الأموال التي استولوا عليها بغير وجه حقّ، كما حصل في ماليزيا مؤخّراً، تعتزم حكومة الحريري الاستيلاء على لقمة عيش المواطن اللبناني، ومنعه من أنْ يعيش بكرامة. وما يؤسف له، أنّ كلّ الأحزاب والتيارات والكتل السياسية بلا استثناء تناست خلافاتها وملفات الفساد والإثراء غير المشروع التي فتحتها ضدّ بعضها البعض قبل حوالى الشهر، وتوافقت في ما بينهما على تحميل المواطن وحده عبء عجز الخزينة اللبنانية. إنّ الحديث عن خفض رواتب النوّاب والوزراء هو لذرّ الرماد في العيون، ولن يدرّ الأموال الوفيرة في خزينة الدولة.

سعادة الأمين العام

إنّ ما يحصل في لبنان في الوقت الراهن يهدّد السلم الأهلي، وقد تظاهر الضبّاط المتقاعدون، وأعلن «الاتحاد العمالي العام» الإضراب التحذيري، ولحق به موظفو مصرف لبنان المركزي وأساتذة الجامعة الوطنية بإضراب مفتوح، وقد توعّد الرئيس الحريري بمعاقبة المضربين بشكل مخالف للقوانين اللبنانية ولقوانين العمل الدولية. وهناك خشية من حدوث فوضى اجتماعية لا يستطيع أحد أنْ يتنبأ بعواقبها منذ الآن. وقد جاء في المادة 39 من الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة بأنْ «على مجلس الأمن أنْ يتدخّل إذا ما وقع تهديد للسلم أو إخلال به». وهل هناك، سعادة الأمين العام، تهديد للسلم الأهلي في لبنان أكثر من تآمر حكّامه ومسؤوليه على شعبه واقتصاده وماليته ونهبها، وبالتالي إفقار الناس؟! وهو ما حصل بأبشع صوره؛ فيحتل لبنان اليوم، كما تعلمون، المرتبة 137 عالمياً في مؤشّر الفساد من بين 180 دولة.

وفي ضوء أوضاع لبنان المأساوية الحالية، وحيازة دولته لمعظم عناصر الدولة الفاشلة، التي تتمثّل في عدم خلق مواطنة صحيحة، وتعزيز تبعية المواطنين لطوائفهم ومذاهبهم، وقيامها على التناحر والمحاصصة الطائفية والمذهبية والمناطقية، وعجزها عن الوفاء والإتيان بالاحتياجات الأساسية وتطلّعات المواطنين، وفساد نخبها الحاكمة التي اغتنت من قوت الشعب اللبناني، وعدم إمكان سؤالها أو محاسبتها، وكذلك في ضوء غياب التنمية الاقتصادية، وانتشار الفقر والبطالة وهجرة الشباب، كما في غياب القضاء المستقل… لم يعد هناك من سياسيين يلتزمون بقسمهم لحماية لبنان وشعبه وصونه. لذا، فقدنا، نحن الشعب اللبناني المنقسم على نفسه إلى طوائف ومذاهب متناحرة، الثقة والأمل في دولتنا الفاسدة وطبقتها الحاكمة، ونتطلع إليكم كهيئة دولية معنية بالسلم والاستقرار العالميين، لإنقاذنا من الطبقة السياسية الحاكمة.

صحيح، سعادة الأمين العام، إنّها حالة فريدة أن يشكو شعب حكومته أمام الأمم المتحدة، إلا أنَّ عدم قدرتنا على تغيير الأوضاع ووضع حدّ لفساد الطبقة السياسية، يجعلنا نستنجد بكم. لذا، نطالبكم بالآتي:

دعوة مجلس الأمن للانعقاد، وإرسال لجنة قضائية أممية إلى لبنان للتحقيق مع كل المسؤولين، من أعلى الهرم إلى أدناه، حول أعمال السرقة والنهب لمالية الدولة اللبنانية منذ العام 1990.

رفع السرّيّة المصرفية في لبنان وفي المصارف الأجنبية في الخارج عن كل أفراد الطاقم السياسي والمسؤولين لمعرفة ما لديهم من أموال وممتلكات غير مشروعة في لبنان والخارج منذ العام 1975.

محاكمة المذنبين والمرتكبين، أيّا كانوا، أمام قضاء تابع للأمم المتحدة، ومصادرة أملاكهم وأموالهم وإيداعها مصرف لبنان.

لما كانت الدولة اللبنانية عاجزة وفاشلة، فسيكون مستقبل شعبها قاتماً إذا ما استمرّ الوضع على ما هو عليه، لذا نطلب من سعادتكم العمل على وضع الجمهورية اللبنانية تحت وصاية الأمم المتحدة، إلى أنْ يتم تثقيف الشعب اللبناني وتربيته على المواطنة، لنبذ الطائفية والمذهبية ويستعيد بالتالي عافيته ويصبح عنصراً فاعلاً في دولة مدنية، ديمقراطية عادلة وشفافة.

****

(*) جريدة “اللواء” 10 مايو 2019.

اترك رد