موسم السقطات

تتطلب عرض الشرائح هذه للجافا سكريبت.

في رواية صحيحة ان اللسان مضغة من الجسم اي قطعة لحم صغيرة، إن اعتدلت اعتدل ما دونها، وإن ساء ساء مادونها، بالمحصلة هو النافذة التي ينعكس منها ومن خلالها محتوى ذات الانسان.

خلال الشهر المنصرم شهدنا اكثر من ازمة منطلقها الاساسي نتاج لساني، منها: (تعليق وزير الخارجية البحريني على بيان للسيد مقتدى الصدر وما رافقه من ردود، خطاب النائبة هيفاء الامين في لبنان، تصريح لاحد شيوخ الكويت حول نساء البصرة).

هذه الاحاديث رتبت مواقف ومواقف مضادة قد يشارف بعضها على ان يكون مقدمة لحرب، فالمتابع لتاريخ الحروب والصراعات في العالم يجد ان بعضها انفجر لاسباب ادنى مستوى مما احتوته تلك الامثلة، وعليه اود الآتي:

– ان الامثلة التي اوردتها مختلفة بعضها عن البعض ولكني اوردتها لاجمال اهم تلك الاحاديث التي لا يزال التصعيد بشأنها مستمرا.

– ينبغي الاعتراف ان ردود الفعل في بيئتا بصورة عامة ممسوسة بالعاطفة، وهي اشارة لا تتضمن الانتقاص، فالوعي العاطفي والاحساس المرهف هو احد معالم كمال الانسان، لكنه في غالب الاحيان يحتاج الى فعل اكبر من حجم الفعل المسبب لاثارته ليحدث التوازن والرضا العاطفي، وفي هذه الحالة قد تتسرب مواقف تجر تداعيات متوالية.

– القضية الاهم فيما اريد الاشارة إليه في هذا النص تتعلق بثقافة الاستشارة المنتجة واهميتها في تقويم وتصحيح وتنضيج وتطوير نتاج المسؤولين والشخصيات المهمة (القولي والفعلي)، فلا بد لهذه الفئات وهي تطور ذاتها بشكل مستمر ان تستعين بمن يقدم لها المشورة الناضجة خصوصا في القضايا والمواقف الحساسة، فلو تداولت النائبة الامين مثلا مع مشاور ناضج مدرك لاهمية محتوى الخطاب وتقنياته وطرقه لما اوقعت نفسها في هذا الموقف، إذ لا خلاف انها قالت ما لا ينبغي قوله من حيث المحتوى والمكان، ومع التسليم بسلامة النية وطيب المقصد فإنها اخطأت في المفردات والعرض، بل إنها بتقييم المجمل أساءت في مجمل حديثها إذا وزنا كلامها بالموقع والمحل الذي تحتله، والامر ينطبق على معظم الحوادث، وجوهر الفكرة هنا ان يستعين المسؤول بمن يعطيه المشورة الناضجة، ولا يكون المستشار معيناً على اساس العلاقة او القرابة او لترضيته او لاسكاته وتجنب شروره.

– من المهم ان يدرك الجميع وفي مقدمتهم المسؤولون والقادة والشخصيات العامة، ان الخطاب احد اهم نماذج رسائل التواصل الجماهيري، واعني بالخطاب هنا مجمل النتاج اللفظي او المكتوب، لذا يحتاج ادراكاً ووعياً واتقاناً لصياغته، واختيار محتواه، وتقنيات توصيله، ولغة الجسد التي ترافقه، وهي معارف ومهارات تحتاج الى تدريب وممارسة ومراقبة للذات وتطوير مستمر، لذلك فنحن بحاجة ماسة الى مؤسسات حقيقية تقوم بهذا الدور.

– من الطبيعي ان يكون الانفعال مع المواقف والخطابات السلبية او ذات المحتوى والدلالات غير المقبولة، بشكل اكبر واسرع تفاعلا، إلا ان الانصاف والموضوعية والضرورة ومستحقات التنمية والتطوير تقتضي ان يكون هناك تفاعل وترويج للخطاب الايجايي عندما يصدر من هنا او هناك، وان تكون حماسة التداول والنشر للاحاديث الايجابية بنفس مستوى الاحاديث السلبية، فالخطاب الذي لا يتحول إلا تفاعل وتداول ثم فعل وانجاز، يضيع في متاهات الاثير، ويفقد الواقع بإضاعته فرصة للتقدم.

– بمناسبة الحديث عن قضايا لها صلة بموقفين احدهما رسمي والثاني شعبي، واللذين قد يتطابقان او يفترقان، فلابد لكل من الطرفين ان يفهم ويتفهم حالات الافتراق، فالحكومي والرسمي لهما محدداتهما ومسؤولياتهما، التي تملي عليهما ان يكون موقفهما وردهما بشكل قد يختلف عن الشعبي، كما ان الشعبي له مشاعره ومواقفه ومسوغاته التي تجعله احيانا غير متوافق مع الرسمي، إلا ان المهم في كل حالة ان يتم النظر الى الامور في ظل محدد المصالح العليا والقيم الكبرى، وان يسعى الرسمي والشعبي، ان يتقاربا ويتكاملا، وذلك عبر حالة وعي مستمر وجهد صادق للوصول الى مناطق الوفاق والتطابق.

ارجو ان تكون هذه السطور مفتاحا لنقاش واع ومسؤول ومنتج تجاه هذه الحوادث وغيرها والتي ستتكرر يوميا، مازال الانسان خطاء..

اترك رد