(حَولَ دِيوانِ «أَرائِكُ الأُرجُوان»، لِلشَّاعِرِ جُوزف غُصَيْن، الصَّادِرِ عام 2018)
قالُوا «غُصَيْنٌ»، فَقُلنا: الدَّوحَةُ العَجَبُ. مَن صَغَّرَ الطَّوْدَ؟ مَن تَعْنُو لَهُ القُبَبُ؟
سَلَّ اليَراعَ فَقُل: سَيفٌ زَها كِبَرًا. هذِي قَوافِيهِ، خَيْلٌ زانَها الخَبَبُ(1)
كَأَنَّما الرَّعْدُ دَوَّى بَينَ أَسطُرِهِ، كَأَنَّما السَّاحُ ضاقَت فَالمَدَى قُضُبُ(2)
لكِنَّهُ حِينَ تَرمِي الهُدْبُ أَسهُمَها، يَرُوحُ يَرسُمُ شِعْرًا ما رَمَت هُدُبُ
عَذْبٌ كما الفَجْرُ، أَطرَى مِن نَداوَتِهِ حِينَ المِدادُ نَسِيبٌ راحَ يَنسَكِبُ
جَرْسٌ حَفِيفُ سَماءٍ، لا نَشازَ ولا لَحْنًا(3)، ولكنْ رَنِيمٌ هَمسُهُ العُرَبُ(4)
يا صاحِبِي… وَبِنا شَوقٌ لِما بَدَعَت، على الرِّقاعِ، شَباةٌ مِنكَ تُرتَقَبُ
شَوقُ الحَبِيبِ اشتَهَى اللُّقْيا، على وَلَعٍ، لُقيا الأَحِبَّةِ لا لَوْمٌ ولا عَتَبُ
لا تَبخُلِ، اليَومَ، زِدْنا فَالحَنِينُ بِنا، أَضلاعُ لا تَرتَوِي، رُوحٌ بِها سَغَبُ(5)
نَسَلتَ مِ الشَّمسِ آياتٍ مُنَزَّهَةً، لا الأَخضَرُ الرَّوضُ، لا أَبرادُهُ القُشُبُ(6)
أَرائِكٌ أُرجوانٌ باتَ مُخمَلُها مِحرابَ شِعْرٍ لِمَن غَنُّوا وَمَن كَتَبُوا
يا فارِسَ الضَّادِ كَم أَثرَيتَ حَلْبَتَها بِالبَدْعِ يَومَ تَداعَى القَومُ، أَو رَكِبُوا
فَأَنتَ يَهجُسُ فِيكَ الشِّعرُ، تَرفِدُهُ، كَالنَّبعِ لا يَحبِسُ السَّلسالَ بَل يَهَبُ
إِنَّا قَرَأناكَ، ثُمَّ نَحنُ، في شَغَفٍ، نَتُوقُ أَن نَقرَأَ المَخْبُوءَ، نَحتَسِبُ
فَفِي خَيالِكَ كَم تَختالُ قافِيَةٌ. لا، لا تَقُلْ جَفَّ ضَرْعٌ، أَو خَلَتْ قِرَبُ
إِنَّا رَأَينا غُيُومًا عِندَ مَغرِبِنا، أَلَيسَ تَهمِي، على واحاتِنا، السُّحُبُ(7)؟!
وَالفَجرُ نلمَحُهُ في ما جَلا شَفَقٌ، والخَمْرُ تُومِئُ إِمَّا أَينَعَ العِنَبُ!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): الخَبَب: نَوعٌ مِن أَنواعِ سَيْرِ الفَرَسِ بِحَيثُ تَمَسُّ أَقدامُها الأَرضَ بِشَكلٍ مُتَتابِع
(2): القُضُب: السُّيُوف
(3): لَحْن: مَصْدَرُ لَحَنَ / لَحَنَ الشَّخْصُ في كَلامِهِ: أَخطَأَ في الإِعرابِ وَخالَفَ
(4): العُرَبُ: هِيَ الذَّبذَباتُ والاهتِزازاتُ الصَّوتِيَّةُ الغِنائِيَّةُ والنَّغَمِيَّةُ الآلِيَّة
(5): السَّغَب: الجُوع
(6): قُشُب: جُدُد
(7): «وَقالَ أَيضًا لِلجُمُوعِ: إِذا رَأَيتُم غَيمَةً تَرتَفِعُ في المَغرِبِ، قُلتُم في الحالِ: سَيَنزِلُ المَطَرُ، فَيَنزِل»
(إِنجِيل لُوقا، 8:32)
***
قالَ أَبُو تَمَّام ما نُرَدِّدُهُ، في يَومِنا هذا، كَأَصدَقِ تَعبِيرٍ عن حالَةِ الشِّعرِ العَرَبِيِّ بين ظَهرانَينا. قال:
«أَلا إِنَّ نَفْسَ الشِّعرِ ماتَت وَإِن يَكُنْ عَداها حِمامُ المَوتِ فَهْيَ تُنازِعُ».
إِذا كانَت هذهِ هي حالُ الشِّعرِ في عَصرِ هذا الشَّاعِرِ المُفْلِحِ، حَيثُ كان مَقامُ الشَّاعِرِ في طَلِيعَةِ القَومِ، وكانَ النَّاطِقَ بِلِسانِهِم، ورافِعَ رايَتِهِم في وَجهِ الخُصُومِ، ومَحَطَّ إِعجابِهِم وافتِخارِهِم، فَكَم بِالحَرِيِّ اليَومَ، حَيثُ مَن يُجِيدُونَ قِراءَةَ العَرَبِيَّةِ باتُوا في النَّدْرَةِ، وأَضحَى الَّذِين يَعِزُّ بِهِمِ الشِّعرُ نَزْرًا كَمَطَرِ أَيلُول.
عَصرُنا باتَ عَصرَ وَسائِطِ الإِعلامِ والإِعلانِ، بِأَدَواتِها الذَّكِيَّةِ المُغرِيَةِ، الَّتِي تَجذِبُ الشَّبِيبَةَ إِلى نِعِماتِها السَّهلَةِ، حَتَّى صارُوا يَنظُرُونَ إِلى مَن يَتَكَبَّدُ مَشاقَّ اللُّغَةِ، ومَن يُكَرِّسُ نَفسَهُ لِكِتابَةِ الشِّعرِ، كَمَن يَنظُرُ إِلى عاداتٍ بالِيَةٍ طَمَسَها الزَّمَنُ، وباتَت مِن أَحافِيرِه.
أَلَا أَعانَ اللهُ مَن أُصِيبُوا بِلُوْثَةِ الشِّعرِ والأَدَبِ على نَظَراتِ الخِفَّةِ والاستِهزاء. وحَسْبُنا أَن نُرَدِّدَ عَلَيهِم قَولَ المُتَنَبِّي:
«وَمِنَ البَلِيَّةِ عَذْلُ مَنْ لا يَرعَوِي عَن جَهلِهِ، وخِطابُ مَن لا يَفهَمُ»!
في النِّهايَة…
سَيَنتَصِرُ الشِّعرُ، لِأَنَّهُ لُغَةُ القَلبِ، والقَلبُ باقٍ يَخفُقُ ما دَبَّ إِنسانٌ على وَجهِ الغَبْراء. وَدَوحَتُهُ العَظِيمَةُ سَتَصمُدُ لِهَجَماتِ الرِّيحِ العاتِيَةِ، وَلْتُوغِلِ الطُّفَيْلِيَّاتُ ما شاءَت في العَتَماتِ، فَـ «الزَّبَدُ سَيَذهَبُ جُفَاءً»(1)، ويَبقَى الشِّعْرُ الشِّعْر!
***
نقول هذا، وبَينَ يَدَينا «أَرائِكُ الأُرجُوان»، الدِّيوانُ الجَدِيدُ لِلشَّاعِرِ الفَذِّ جُوزف غصَيْن، الرَّائِقُ الدِّيباجَةِ، الثَّرُّ المَضمُونِ، الشَّاعِرِيُّ العُنوانِ، الأَنِيقُ المُطْرَفِ، السَّاحِرُ البَيان.
هذا الَّذِي «لَم يَحْنِ قامَتَهُ وهامَتَهُ، مَرَّةً، إِلَّا لِرَبِّهِ» (ص 15)، نَقِفُ على نِتاجِ قَلَمِهِ في هذا المُؤَلَّفِ، فَنَجِدُ شِعرًا لا يَنحَنِي أَمامَ شِعرٍ آخَرَ، وخَيالًا صافِيًا مُحَلِّقًا نَسِيجُهُ الحُلْمُ، ولُغَةً مَقدُودَةً مِن صَخْرِ صِنِّينَ، مَنحُوتَةً كَتَماثِيلِ المَرمَرِ، مَحبُوكَةً حَبْكَ الزَّرَدِ في دِرْعٍ داوُودِيَّةٍ عَرِيقَة.
هو قامَةٌ سامِقَةٌ أُخرَى مِن مَقالِعِ «زَحْلَةَ»، حاضِرَةِ الشِّعرِ، تَنتَصِبُ بِتِيهٍ وشُمُوخٍ إِلى جانِبِ سَعِيد عَقل وجُوزف صايِغ والمَعالِفَةِ، فَإِذا أَعمِدَةُ «الزَّحْلِ» تَزيدُ واحِدًا، وتُباهِي نَظِيراتِها في مَدِينَةِ الشَّمس.
شاعِرُ العَمُودِيَّةِ المَرصُوصَةِ، شاعِرُنا، مَلحَمِيٌّ، نَنسِبُهُ، وَلا حَرَجَ، إِلى المُجَلِّينَ الكِبارِ في التُّراثِ القَدِيمِ، وفي عَصرِنا الحاضِر. فَمُطَوَّلاتُهُ تُذَكِّرُ بِالقاماتِ الشَّامِخَةِ، مِنِ امْرِئِ القَيسِ إِلى سَعِيد عَقل مُرُورًا بِالمُتَنَبِّي. وَلَو لَم يَكُن مِن طِينَةِ العَمالِقَةِ في الشِّعرِ لَما استَطاعَ أَن يُسَربِلَ مُجَلَّدٍا ضَخْمًا – اقتُصِرَ على المُناسَباتِ الاجتِماعِيَّةِ، جاوَزَت صَفَحاتُهُ نِصْفَ الأَلْفِ – بِشِعرِيَّةٍ ضافِيَةٍ لا تَفتَقِرُ إِلى الصُّوَرِ الزَّاهِيَةِ، والخَيالِ الشَّفَّافِ الرَّفَّافِ، وبَلاغَةٍ لا تَشُوبُها شائِبَةٌ، ولُغَةٍ سَلِيمَةٍ خِلْوٍ مِن أَيِّ خَطَأٍ، مُزَيَّنَةٍ بِابتِكاراتٍ شَخصِيَّة.
أَعادَ شاعِرُنا لِبُحُورِ الخَلِيلِ كَثِيرًا مِن بَهائِها وبَرِيقِها وعُنفُوانِها، حَيثُ تَضافَرَت عَلَيها أَقزامٌ شَعارِيرُ عَجَزَت رُكَبُهُمُ الواهِيَةُ عَنِ التَّوَقُّلِ في مَراقِيها، فَراحُوا يَكتُبُونَ النَّثْرَ المُقَلقَلَ، ويُسَمُّونَهُ شِعرًا وهو مِسْخٌ لَيسَ مِن بِضاعَةِ الشُّعَراءِ ولا مِن مُدَوَّناتِ الكَتَبَة.
لَقَد ارتاحَتِ الكلاسِيكِيَّةُ الشِّعرِيَّةُ إِلى سَلامَةِ حِياضِها على يَدِ هذا المُبدِعِ، مِن سِهامِ المُشَكِّكِينَ بِجَدارَتِها في مُواكَبَةِ العَصرِ، وارتَفَعَ صَوتٌ مِن عَبْقَرَ: «هُوَذا واحِدٌ مِن أَبنائِي البَرَرَةِ الَّذِينَ بِهِم سُرِرْت»(2).
لِلغُصَينِ مَقدِرَةٌ مُبِينَةٌ على حَفْظِ وَحْدَةِ القَصِيدَةِ، مَهما طالَت، في تَنَوُّعٍ لا يَتَكَرَّرُ فِيهِ قَوْلٌ أَو فِكرَةٌ أَو قافِيَةٌ، أَو حَتَّى لَفظَة.
في سِياقِهِ انتِظامٌ وتَرابُطٌ، فَأَنتَ، مَعَهُ، في سَردِيَّةٍ قَصَصِيَّةٍ مُتَماسِكَةٍ، تَتَعالَى عَن المُستَوَى «الحِكائِيِّ» النَّمَطِيّ. وإِنَّها، لَعَمرِي، مَقدِرَةٌ لا تَتَوَفَّرُ إِلَّا لِلقِلَّةِ، وتُغْبَطُ مِنَ الكَثْرَة.
صُلْبُ المَدامِيكِ، هو، مَهِيبُ الأَسوارِ، على جَلامِدِها تَتَغاوَى رِماحٌ وصِفاحٌ، وفي رَحَباتِها تَضحَكُ ورُودٌ وأَقاح.
مُوسِيقاهُ لا تَعرِفُ النَّشازَ، وتَعابِيرُهُ مَسبُوكَةٌ بِحَذاقَةِ جَوهَرِيٍّ ماهِرٍ، ومُعْجَمُهُ ثَرٌّ لا يَحضُنُ مَلَكُوتُهُ إِلَّا فَرائِدَ اللُّغَةِ، ومَلِكاتِ الأَلفاظ.
قَصَرَ مُؤَلَّفَهُ هذا على مُناسَباتٍ خاصَّةٍ.
وَلِمَ لا؟!
أَلَيسَ كُلُّ شِعرٍ هو شِعرَ مُناسَبَةٍ أَوحَت وَلَهًا، حُزنًا، رِثَاءً، غَزَلًا، حِكمَةً أَو وِجدانِيَّات؟!
ثُمَّ كَيفَ لا تَكُونُ لِلمُناسَباتِ على قَلَمِهِ مَواعِيدُ وهو صاحِبُ «شِعرِي الوَفاءُ بِحِبْرِ القَلبِ يَكتُبُنِي!» (ص 474)؟!
كَالسَّيفِ، هو، قاطِعٌ في الشَّهادَةِ لِلحَقِّ، وكَالنَّدَى في الهَجِيرَةِ تَعبِيرًا عن وَفائِهِ، وكَالرُّسُلِ في إِيمانِهِ العَمِيقِ الصُّلْبِ بِمَن جَسَّدُوا رَحمَةَ السَّماءِ في مَسلَكِهِم، ونَشَرُوا البِشارَةَ الأَنْقَى وَلَو كانَ جَزاؤُها جُلجُلَةً وإِكلِيلَ شَوْك. فَقَولُهُ، في مَواقِعِ الفَصْلِ، فَيْصَلٌ، وقافِيَتُهُ، حَيثُ المَقامُ عالٍ، حِكمَةٌ تُرَدِّدُها الدُّهُور: «سَنابِكُ الخَيلِ مَوشُومٌ بِها شَرَرُ» (ص 60).
أَلمُناسَبَةُ الخاصَّةُ الضَّيِّقَةُ تَقتُلُ الشِّعرَ إِلَّا إِذا ضَبَطَها وَرَوَّضَها قَلَمُ عَرُوفٍ يَخرُجُ بِها مِنَ الخاصِّ إِلى العامِّ، ويُزِيحُها عن قَوقَعَتِها إِلى رُوحِ الجَماعَةِ وثَوابِتِ الحَياة. وهي تُصبِحُ، على يَدِ مُبدِعٍ، فُرصَةً تَجلُو فِيها القَرِيحَةُ صَيقَلَها، فَتُعطِي ما يَمَسُّ كُلَّ قَلبٍ، وما تَرتَعِشُ لَهُ كُلُّ جارِحَة.
وأَن يَمتَطِيَ الشَّاعِرُ مُناسَبَةً لَيسَت بِالجُلَّى، فَيَخرُجُ بِشِعرٍ مُعافًى، لا يَسقُطُ في الابتِذالِ، ولا يَسِفُّ في التَّقرِيظِ الفارِغِ، ولا يُبقِي بَينَهُ وبَينَ الحَنايا سِتارًا كَثِيفًا، فَإِنَّ الأَمرَ لَمِنْ عَلاماتِ المَوهِبَةِ الحَقَّةِ الَّتي لا تَهُونُ في صَولَةٍ، ولا تَخلَعُ تاجَها كُرْمانًا لِعَينٍ غَيرِ عُيُونِ المَها، ولا تَسعَى لِوُصُولٍ مَشبُوه.
شاعِرُنا مِن هذهِ الطِّينَةِ المُبارَكَةِ، يَصُبُّ القَوافِي نارًا، ويَنضِدُ الأَبياتَ جُدُرَ قِلاعٍ عَصِيَّةٍ، ويُنزِلُ أَقوالَهُ في الصَّحِيفَةِ طَعَناتِ سَيفٍ، وفي المَسامِعِ نَغَمَاتِ كِنَّارَةٍ آنَ يُجَنُّ الهَوَى، ويَغدُو الهَمْسُ نَسِيمَ فَجرٍ بَلِيلٍ، وتَغرِيدَةَ هَزار.
هو يَعرِفُ جَيِّدًا كَيفَ يَشُكُّ البَنْدَ في الذُّرْوَةِ الصَّخْرِ، كَما يَعرِفُ كَيفَ يُرسِلُ النَّسِيبَ الوَجْدَ، عَذبًا تَرتَعِشُ لَهُ الأَضلُعُ والحَنايا. يَقُول:
«غَنَّيتُ حُبِّي مَدَى الأَشواقِ في وَلَهٍ، يا… لا جَمِيلٌ وَلا مِثْلِي انضَنَى عُمَرُ!
واشرَوْرَقَت دَمعَةٌ تَنهَلُّ مِن وَلَهِي… مَرَّ الشَّبابُ، فَضاعَ الرَّونَقُ النَّضِرُ!»
(ص 65)
كَما تَمُرُّ الحِكمَةُ والقَولُ العِبْرَةُ والقَولَةُ الَّتِي يَطِيبُ لِلذَّاكِرَةِ أَن تَحفَظَها، في طَوايا أَبياتِهِ، سَلِسَةً رَخِيَّةً، لا تَتَسَربَلُ بِجِلبابِ الوَعْظِ، ولا تَرفَعُ عَصا التَّهوِيل: «بَدْءُ القَنْصِ تَسدِيدُ» (ص 101)؛ «لَيسَ العَرِينُ مَشاعًا، إِنَّهُ حَرَمُ!» (ص 236)؛ «عُوْدٌ بِلا وَتَرٍ، لَوْحٌ مِنَ الخَشَبِ!» (ص 350)؛ «يَسطُو الجَمالُ، وَلَو مِن دُونِهِ سُتُرُ! (ص 444)».
وَمِن أَعجازِهِ الَّتِي لا تُنسَى، الاقتِباسُ المُبارَك: «وَسِفْرُ الخَلْقِ أَوَّلُهُ كَلامُ!» (ص 428)، الَّذِي يُعِيدُنا إِلى إِنجِيل يُوحَنَّا: «فِي البَدْءِ كانَ الكَلِمَةُ…»(3).
هذا «الغُصَينُ» المُورِقُ سِندِيانًا، المُزهِرُ نَوْرًا، المُثمِرُ زَيتُونًا، تُرفَعُ لَهُ الأَنخابُ في المَحافِلِ العُلَى، وتُعَلَّقُ قَصائِدُهُ في كَعْبَةِ الشِّعْرِ لِبَقاء.
فَيا مُبْدِعًا أَبدَعَ وَسَخا…
لَأَنتَ «بِالجَمرِ تَكتُبُ، بَل بِالنُّورِ في جَلَد» (ص 336).
دامَت لَكَ اليَراعَةُ السَّخِيَّةُ، تُزَوِّدُ مَواقِدَنا بِالجِمارِ، وتُضِيءُ دُرُوبَنا بِالأَنوارِ، فَإِنَّ لِشِعرِكَ دَفْقَ تَيَّارٍ على رِقَّةِ الوَردِ في نَوَّارَ، وبَثَّ الهَوَى في قَصَبَةِ مِزمارٍ، وخَدَرَ الخَمرَةِ في لَيالِي العَصْفِ والزَّمهَرِيرِ والأَمطار…
سَلِمت!
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً، وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْض﴾
(القُرْآنُ الكَرِيمُ؛ سُوْرَةُ الرَّعْد؛ الآيَةُ 17)
(2): وَصَوتٌ مِنَ السَّماواتِ قَائِلًا: «هذَا هُوَ ابْنِي الحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ» (إِنجِيل مَتَّى، 17:3)
(3): «فِي البَدْءِ كانَ الكَلِمَةُ، وَالكَلِمَةُ كانَ عِندَ اللهِ، وَكانَ الكَلِمَةُ اللهَ» (إِنجِيل يُوحَنَّا، 1:1)