بهية الحريري: لإعادة ربط أجيالنا بلغتها الأم
رعت رئيسة لجنة التربية والثقافة النيابية النائب بهية الحريري، حفل اختتام فعاليات مسابقة “جماليات الخط العربي” التي نظمتها جامعة الجنان والشبكة المدرسية لصيدا والجوار بالتعاون مع بلدية صيدا للسنة العاشرة على التوالي، وكان محورها هذا العام “وثيقة الأخوة الانسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك” التي وقعها قداسة البابا فرنسيس وشيخ الأزهر الإمام الدكتور احمد الطيب في أبو ظبي في شباط الماضي، حيث تبارى نحو 86 طالبا وطالبة من اكثر من عشرين مدرسة رسمية وخاصة وأناروا على تخطيط مقتطفات من الوثيقة ورسم لوحات حروفية منها .
الحفل الذي اقيم في قاعة مدرسة الجنان – فرع صيدا حضره الى جانب الحريري، رئيس بلدية صيدا محمد السعودي، مدير الفرع أسعد النادري، ممثل رئيس منطقة الجنوب التربوية باسم عباس حسين علامة، مديرة دار المعلمين في صيدا سمية حنينة، الامين العام للشبكة المدرسية نبيل بواب وحشد من مدراء وممثلي المدارس المشاركة والطلاب والأهالي واسرة الجامعة.
بواب
استهل الحفل بكلمة الشبكة المدرسية ألقاها بواب الذي توجه بالتحية الى جامعة الجنان ومدار الشبكة على انجاح المسابقة لهذا العام، وقال متوجها الى الطلاب المشاركين “لقد رسمتم وخططتم وكتبتم وثيقة الأخوة الانسانية بخط جميل واضح، هذه هي الشبكة المدرسية لصيدا والجوار وجامعة الجنان للسنة العاشرة على التوالي تقيم هذه المسابقة لجماليات الخط العربي لأننا من المؤمنين بان الخط واضح والهدف واضح واننا على الخط العربي الأصيل لنرسخ مفاهيم الخط الجميل”.
النادري
وتحدث النادري، فقال: “اهلا وسهلا بكم في رحاب جامعة الجنان التي تعتز بحضوركم اليوم لتوزيع جوائز مسابقة جماليات الخط العربي التي دأبت الجامعة منذ عشر سنوات على تنظيمها برعاية طيبة من معالي النائب السيدة بهية الحريري وبالتعاون والتنسيق مع الشبكة المدرسية لصيدا والجوار ومع بلدية صيدا. والفضل في إطلاق هذه المسابقة في فرعي الجنان – طرابلس وصيدا يعود الى مؤسسة الجامعة الدكتورة منى حداد رحمها لله التي تحيي الجامعة في معرض طرابلس الدولي للكتاب ذكرى رحيلها السادسة”.
واضاف: “تعودنا في كل سنة ان نختار عنوانا للمسابقة تدور حوله كتابات المشاركين وتخط موضوعاته أقلامهم المبدعة. وقد وقع اختيارنا هذا العام على وثيقة الأخوة الانسانية التي وقعها سماحة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف وقداسة بابا الفاتيكان في الرابع من شهر شباط هذا العام لتكون عنوان مسابقتنا. ومعلوم ان هذه الوثيقة انما جاءت تعبيرا عن لقاء الإسلام والمسيحية على قواسم مشتركة بينهما، قائمة على احترام الانسان وحقوقه والدعوة الى المساواة والتعايش والأمن والسلام ونبذ العنف والتمييز العنصري وسياسات التعصب والارهاب”.
وأردف: “الخط أيها السيدات والسادة رمز رائع من رموز ثقافتنا العربية لعدة اسباب، أهمها اثنان: أولهما ارتباطه بالكلام الذي يرتبط بدوره بدلالات الفكر، والثاني ارتباطه بالفن والجمال ولا سيما الرسم. فتلك الأشكال الفنية الإنسيابية المضيئة المنبثقة من انواع الخط العربي، من نسخ الى ثلث الى رقعة الى فارسي الى ديواني الى أندلسي الى غير ذلك، انما هي دليل ساطع على فرادة هذا الخط وتميزه الجمالي عن خطوط اللغات الأخرى وهي خطوط محدودة الأنواع فقيرة الأبعاد باهتة الإيحاء. ومن المؤسف ان مستوى الاهتمام بتدريس الخط كمادة من مواد مقرر اللغة العربية وخصوصا في المرحلة الابتدائية قد ضعف في السنوات الاخيرة. وهو ضعف يواكبه ويزيد من حدته انتشار وسائل التواصل الإلكترونية وتزايد الاعتماد عليها في الكتابة، وهي وسائل لا تستطيع ان تؤدي الدور التربوي الذي كان يؤديه تدريس مادة الخط من تحقيق التواصل مع ثقافتنا وقيمنا العربية والإسلامية، ومن تنمية للثروة اللغوية لدى التلميذ ومن تعزيز للخصال التربوية الجميلة في شخصيته، كالحرص على النظافة والترتيب والتعود على الصبر واثارة الإنتباه ودقة الملاحظة عنده. ومع ذلك نرى ان الاهتمام بتجويد الخط لا ينبغي حصره بأساتذة اللغة العربية ولا بالمرحلة الإبتدائية، وإنما هو مسؤولية مشتركة بين معلمي المواد المختلفة التي تدرس باللغة العربية، ومسؤولية خاصة لمعلمي اللغة العربية بمختلف مراحل التعليم ومسؤولية خاصة ايضا للأهل الذين لهم دور أساسي في توجيه ابنائهم الى هذا الاتجاه”.
وختم النادري بالقول: “اجدد شكري لمعالي النائب السيدة بهية الحريري لرعايتها الدائمة لهذا النشاط التربوي الثقافي المميز، وشكري لبلدية صيدا الممثلة لسعادة رئيس مجلسها الأستاذ محمد زهير السعودي وللشبكة المدرسية لصيدا والجوار على مساهمتهما الأساسية والفعالة في إنجاح هذا النشاط . وشكري لمديري المدارس المشاركة وأساتذتها الحاضرين معنا فردا فردا، وللتلاميذ الأعزاء الذين رسموا بأقلامهم الجميلة هذه اللوحات الجميلة”.
السعودي
واعتبر السعودي ان “للغة العربية وخطوطها، سحرها الخاص” وقال: “ففي المضمون، لطالما كانت لغتنا العربية خزانا لا ينضب من الجمال الأدبي والشعري، ولطالما طوعها الناس في السياسة والغزل والأدب والعلوم، فكان من ورائها الثورات والشعر وقصص الحب والطب والكيمياء وغيرها. وفي الشكل، يزخر التاريخ بأشكال وأنماط الخطوط التي كتبت بها اللغة العربية، وما زال المبدعون حتى هذا اليوم يبتكرون بريشتهم انماطا جديدة في الخط العربي. وفي عصر طغى عليه استعمال لوحة مفاتيح الكومبيوتر، خسر الكثيرون منا مهارة الخط العادية، حيث أصبحنا إذا كتبنا أي ملاحظة على ورقة ما، قد يعجز حتى من كتبها على قراءتها بعد أيام. نعم للأسف، في كل يوم نخسر من مهارات الخط، وكثيرون منا ما عادوا يستعملون القلم إلا ما ندر. هذا ناهيك عن التراجع الكبير في استعمال الحرف العربي في الطباعة، حيث يلجأ الكثير من الناس إلى استعمال لغة الإنترنت الهجينة، والتي تمعن تدميرا في لغتنا خاصة عند الجيل الجديد”.
واضاف: “لأجل ذلك، وفي الوقت الذي تواجه فيه لغتنا الكثير من التحديات التي تهددها كما حصل مع اللغة التركية والتغيير الجذري الذي لحق بها منذ عشرات السنين، نحن بحاجة إلى مثل هكذا مناسبات وفعاليات، وعلى نطاق أوسع، لكي نحافظ لا بل حتى نعيد تنمية هذه المهارة عند الأجيال الجديدة، ونعيد استعمال اللغة العربية في حياتنا اليومية بشكل أوسع وأساسي، كي لا نصل إلى مرحلة يصبح فيها الخط العربي مجرد آثار وزخرفات موجودة على جدران المتاحف أو المساجد”.
وختم السعودي متوجها بالشكر إلى جامعة الجنان وإلى الشبكة المدرسة في صيدا والجوار، وإلى كل الطلاب المشاركين على كل جهودهم في مواجهة التحديات التي تطال لغتنا، متمنيا للجميع “كل التوفيق في المستقبل”.
الحريري
واستهلت النائب بهية الحريري كلمتها بتوجيه الشكر والتقدير لجامعة الجنان وللشبكة المدرسية لصيدا والجوار وبلدية صيدا لمبادرتهم في تعزيز وتعميق علاقة أجيالنا الصاعدة باللغة العربية وجمالياتها، وقالت: “إن هذه الفعاليات حول جماليات الخط العربي تحولت من إضافة إبداعية إلى ضرورة وجودية لإعادة ربط أجيالنا بلغتهم الأم التي نشعر اليوم ببالغ القلق حول تراجع الإهتمام بها واستخدامها في التعبير والتواصل ، في حين أن كل الدراسات المعرفية تؤكد بأن التطور والتقدم لا يكون إلا بإعادة إحياء اللغات الأم للشعوب لما تمثله من إرث ثقافي وحضاري وقيمي، لأن الإنسان يسكن لغته، ومن خلالها يعزز تواصله مع كل الأجيال والفئات. في حين أن إستخدام اللغات الأخرى في التواصل اليومي يؤدي إلى التباعد والتنافر بين أبناء البيت الواحد والوطن الواحد، مع حرصنا الشديد على اكتساب أجيالنا لغات عالمية وكل ما هو جديد وحديث في العلوم والتكنولوجيا. إلا أن ذلك لا يجب أن يأخذنا من لغتنا ومن جمالياتها التعبيرية والفكرية والثقافية، وهذا ما تجسده مبادرة جماليات الخط العربي التي نتمنى أن تتحول إلى مبادرة دائمة لتصبح في صلب العملية التربوية، وتوضع في أساس الإمتحانات لكي تعود إلى مكانتها وضروراتها الفكرية والثقافية والإنسانية”.
وختمت متوجهة بالتهنئة لكل الفائزات والفائزين في هذه الدورة، وبالشكر والتقدير لكل المشرفات والمشرفين على فعالياتها “ليبقى لبنان رائدا في اللغة العربية وجمالياتها”.