لغتنا العربية الجميلة تنتشر في كندا (*)

بقلم: د. الياس خليل زين (*)

 في الوقت الذي تشهد فيه لغتنا العربية تراجعاً غير مسبوق إجمالاً، في جامعات ومدارس بلداننا العربية، لمصلحة اللغات الأجنبية الحيّة، نجد، في المقابل، otawaظاهرة جديدة تتمثل في نجاح تجربة نشر اللغة العربية وآدابها وثقافتها في جامعة أوتاوا، في كندا، وكذلك في بعض جامعات الولايات المتحدة. فمَن هو وراء هذه التجربة الناجحة، في نشر لغة الضاد وآدابها وتعزيزها في كندا والولايات المتحدة الأميركية؟

الأستاذ الدكتور عبد الله جرجس الحاج عبيد، المؤسّس- الرئيس لكرسي الدراسات العربية في جامعة أوتاوا وأستاذ اللغة العربية فيها، هو أحد الأدمغة العربية المهاجرة من لبنان. ولد في العام 1939 في مدينة أميون، عاصمة قضاء الكورة (محافظة لبنان الشمالي) وكان قد هاجر وعقيلته قسراً، إلى كندا صيف العام 1976، إبان الحرب الأهلية في لبنان (1975 – 1990).

 نتيجة نجاح مبادرة البروفسور عبد الله، في نشر اللغة العربية، بخاصة بين أبناء الجاليات العربية، منحته كندا جائزة الحاكم العام للبلاد، والتي تمنح عادةً باسم ملكة المملكة المتحدة، حيث لا تزال كندا تتبع التاج البريطاني. وجاء هذا تقديراً من الملكة البريطانية لإنجازاته وإسهاماته في العلم والتربية والتعليم، بالإضافة إلى نشر اللغة العربية، خلال فترة تمتد لأكثر من 30 سنة في كندا.

 هكذا بادر عبد الله بتجربته الرائدة

 ما إن استقر في أوتاوا، حتى اكتشف البرفسور عبد الله غياب تعلّم العربية في أوساط الجاليات العربية، بما فيها الجالية اللبنانية. ولاحظ نشوء أجيال كندية، من أصول عربية، ترتبط بشكل واهٍ مع الوطن الأم، أي لا يتعدى ذلك ما نقله الأهل لها في البيت. لذلك سعى، منذ البدء، إلى نقل خبرته الشخصية في مجال التربية والتعليم في لبنان. وتشجّع عندما استمع إلى السناتور (الشيخ) اللبناني – الكندي بيار دبانة، الذي تعود جذوره إلى مدينة صيدا، الذي كان وزيراً في حكومة كندا الفيدرالية، يومذاك، يتحدث أمام جمع من الجاليات العربية عن الانخراط في كندا وضرورة إسهام أبناء الجالية اللبنانية بخبراتهم وكفاياتهم الأكاديمية والعلمية، في مجتمع كندا المتعدد الأعراق والجنسيات.otawa 1

 تزامن ذلك مع فترة تدفقت فيها أعداد غفيرة من اللبنانيين المهاجرين إلى كندا، بسبب الحرب في بلدهم، بحيث وصل تعدادهم إلى 75 ألفاً خلال الأعوام 1976 – 1989.

كان عبدالله، الذي يحمل شهادة الليسانس في اللغة العربية وآدابها من الجامعة اللبنانية، قد لاحظ غياب مدارس تُعنى بتعليم العربية لأبناء المهاجرين الجدد. وعليه، تقدم بطلب إلى جامعة أوتاوا، التي تعتبر من كبريات مؤسسات التعليم العالي في كندا، لتعليم اللغة العربية وآدابها فيها. فوافق عميد كليّة الآداب على الطلب، ومنحه سلطة تنفيذ مشروعه الرائد من نوعه.

 ازدياد الطلبة من 24 إلى ألف

 بدأ د. عبد الله برنامجه في تعليم اللغة العربية في العام 1982، انطلاقاً من 24 طالباً وطالبة. ثمّ توسّع هذا البرنامج الرائد، بسبب النجاح الذي حققه، إلى تقديم مقررات عن الحضارة العربية الكلاسيكية والحديثة (أضيفت في العام 1984) والآداب العربية. وتضمّ المقررات: الشعر والأدب والقصّة والمسرح، بالإضافة إلى أكثر من عشرين مادة في أصول اللغة والقواعد والمخاطبة للمستويات الثلاثة كافة: المبتدأ، المتوسط، المتقدّم. ثم ما لبث أن توسّع البرنامج في السنوات اللاحقة ليصل العدد في العام 2013 إلى أكثر من ألف طالب.

 تطوّر البرنامج ليصبح كرسياً للدراسات العربية

 بسبب عوامل توسّع برنامج تعليم اللغة العربية، وكثرة مواده، وعدد الطلبة، كان لا بدّ من تطويره ليصبح كرسياً (أستاذية) للدراسات العربية في العام 1988، وذلك بميزانية وصلت إلى مليوني دولار. والجدير بالذكر، إن الكرسي لاقت تشجيعاً بالدعم المعنوي من مختلف سفراء الدول العربية. ولقد تمّ اعتماد مبلغ وقدره 600 ألف دولار لمساعدة الطلبة الراغبين بتعلّم لغة الضاد وآدابها، وبالتالي ثقافتها وحضارتها.

 تطوّرت المناهج الدراسية، في كرسي الدراسات العربية، في الأعوام اللاحقة. ففي العام 2003، أقرّت جامعة أوتاوا شهادة ليسانس صغرى في الدراسات العربية. وفي العام 2006 أُضيفت مادة السينما العربية، إلا أن الخطوة الكبرى كانت في إقرار شهادة ليسانس كاملة في الدراسات العربية في العام 2009. كما أضيفت مادة الثقافة العربية الشعبية في العام ذاته. وبهذا التوسع في الدراسات، أصبحت جامعة أوتاوا فريدة من نوعها في منطقة أميركا الشمالية. ويعود ذلك إلى أنها تميزت عن الشهادات في جامعات أخرى، في تخصّصها بالشرق الأوسط، أو بالدراسات الإسلامية. ونتيجة ذلك، أصبحت الجامعة تستقطب الطلبة من مختلف أرجاء كندا والولايات المتحدة وحتى المكسيك.

 جدير بالذكر إن الدراسات العربية في كليات جامعة أوتاوا توسّعت كذلك، حيث تمّ إقرار مواد عن التاريخ العربي في فرع التاريخ، وعن الفلسفة العربية في فرع الفلسفة. كما قدّمت كليّة الترجمة شهادة علوم الترجمة من اللغات العربية والفرنسية والإنكليزية وإليها، لعدد من الطلبة العرب.

 كرسي الدراسات من 30 طالباً إلى 300

 يقول أستاذ اللغة العربية د.عبد الله: “ضم الكرسي 30 طالباً كندياً من أصل عربي(أغلبهم من لبنان) في عام تأسيسه 1982. جاء ذلك مع الهجرة القسرية اللبنانية، أثناء الحرب الداخلية في البلاد وتوزع الطلبة إلى صفين، أحدهما فرنسي والآخر إنكليزي اللغة”.

 أما اليوم (2013)، فتضمّ (الكرسي) المذكورة أكثر من 300 طالب وطالبة، يتوزعون على 13 صفاً (حصة دراسية). وتشمل حالياً، بالإضافة إلى تدريس اللغة ودراسة الحضارة العربية، بشقّيها القديم والجديد، دراسة الآداب العربية، بدءاً من عصر الجاهلية وحتى العصر الحديث. وهي تُعطى في صفوف الحضارة والآداب باللغتين العربية والإنكليزية. ويأتي ذلك مع إعطاء نماذج بالعربية، لمن يحسنوها، من الطلبة. وهي، بالطبع، مترجمة إلى الإنكليزية والفرنسية للطلبة كافة”.

 انفتاح جامعة أوتاوا على العرب

 ونعرف من د.عبد الله أن جامعة أوتاوا ترتبط في الوقت الحاضر، بمعاهدات واتفاقات مع جامعات عربية يجاوز تعدادها الأربعين اتفاقية تعاون وتبادل مع جامعات من المملكة العربية السعودية، الكويت، سلطنة عُمان، العراق، لبنان، الأردن، تونس، المغرب، موريتانيا. ولا تقتصر الاتفاقات مع البلدان العربية، المذكورة، على جامعة واحدة، بل تضمّ مجموعة من الجامعات في البلد الواحد.

 هذا وكان وفد من جامعة أوتاوا قد قام بزيارة جامعة الإمارات العربية. واستعرض الوفد مع مديرها علي راشد النعيمي، آفاق التعاون بين الجانبين في موضوعات مختلفة، في مقدمتها مسألة تطوير اللغة العربية في جامعة أوتاوا، وكيف يمكن أن تسهم جامعة الإمارات في هذا المجال. وقال عضو الوفد د.عبد الله: “سعدنا كثيراً بمقدار التعاون الذي أبدته إدارة الجامعة في استقبال طلبتنا لتطوير لغتهم العربية، حيث لدينا أكثر من (ألف) طالب وطالبة يدرسون اللغة العربية، من خلال مقررات رئيسة وفرعية، في جامعة أوتاوا. ونحن نعلم أن دولة الإمارات ومؤسساتها الأكاديمية على اهتمام بالغ باللغة العربية. لذلك سعينا أن تكون جامعة الإمارات هي الداعم لنا في هذا الجانب”.

*******

(*) مؤسسة الفكر العربي – نشرة أفق

(*) كاتب وباحث من لبنان

كلام الصور

1- جامعة أوتاوا

2- طلاب عرب في جامعة أوتاوا

اترك رد