عقدت ندوة بدعوة من “المعهد الألماني للأبحاث الشرقية”، حول الكتاب الجديد للمؤرخ عبد الرؤوف سنو بعنوان “المدن الأقطاب في لبنان: بيروت – طرابلس – زحلة – صيدا”، بمشاركة كل من السفير خالد زيادة، أستاذ الليسانيات في الجامعة اللبنانية الدكتور نادر سراج، في حضور مديرة المعهد البروفسورة برغيت شيبلر وأكاديميين ومثقفين ومهتمين.
زيادة
استهل الندوة الدكتور زيادة بالقول “إن المؤرخ عبد الرؤوف سنو يقدم لنا في كتابه عملا أكاديميا ننتظره منذ زمن بعيد”. متسائلا عن “سبب التأخر في إعداد هذا العمل الضخم الذي يقدم لنا المدن الأربع في كتاب واحد يجمع بين التاريخ والحاضر، وبين الماضي والحديث”.
أضاف: “إن المؤلف، على الرغم من أنه باحث مدقق مشهود له بالأناة في إعتماد الوثائق والمصادر والمراجع، إلا أنه أراد في هذا العمل أن يقدم عملا يستطيع أن يقرأه العالم والقارىء غير المتخصص، بل يمكن أن يقرأه الطلاب من المرحلة المتوسطة فيتعرفون إلى مدن لبنان الرئيسية”.
وتابع زيادة بالقول: “على عكس كتب سنو الأخرى، التي تتناول التاريخ السياسي والتاريخ الحديث، فإن هذا الكتاب مرجع لا يضاهى في تناول الفترة الحديثة منذ بدايات القرن العشرين، بعد استعراض المراحل التاريخية المغرقة في القدم التي مرت بها هذه المدن الأربع، معرفا التاريخ السياسي والتاريخ الاجتماع، بالإضافة إلى التاريخ الثقافي”.
وأردف زيادة، “أن كل فصل من الفصول أو الأقسام الذي تناول فيه المؤلِّف إحدى المدن، هو بمثابة سجل لكل ما ميز المدينة في التربية والثقافة والفنون والآداب والآثار والاجتماع والاقتصاد، وسجل لأحداثها البارزة على مر العصور، وخصوصا في المرحلة المعاصرة”.
وإعتبر أن “المدهش في الكتاب، هو الجهد الذي بذله المؤلِّف، ليس في البحث على المادة المكتوبة فقط، بل في اللجوء إلى المادة المصورة، فعزز كتابه بمئات الصور العائدة لشخصيات ومباني وأحداث تاريخية ومعالم وغلافات صحف ولوحات فنية ومشاهد من أعمال مسرحية وسينمائية”.
وختم بالقول: كل ذلك جعل من الكتاب عملا متكاملا غنيا، لا بد لكلِّ ابن من أبناء هذه المدن، بل لكل اللبنانيين من الاطلاع عليه، فهو يزيد معرفتنا، بما كنا نظن أننا نعرفه”.
سراج
ومن ناحيته، قال الدكتور سراج إن المؤرخ سنو “كدأبه في معظم مؤلَّفاته، يمارس حرفته الكتابية بدراية موصوفة، ليخبر القراء بأسلوب سهل ومأنوس، أن لفحات التغيير والتمدين أدركتنا وأدركت منطقتنا واستتباعا مدننا. أربعا كانت أم أكثر بكثير”.
ورأى سراج أن “الانتقال الاجتماعي التدريجي نحو الحداثة هو ما يشغل فكر عبد الرؤوف سنو، لذا سعى في آخر نتاجه إلى تجديد النظر إلى هوية ووظيفة المدينة العربية عموما، واللبنانية تحديدا”.
وتابع: “حسنا فعل مؤرخنا سنو، فالمدن المختارة، بذاتها ولذاتها، وبما تختزنه من قيم روحية، وبنى ثقافية اجتماعية، ونشاطات اقتصادية وخدماتية، وأنماط سلوكية، وتراث مادي وشفهي، فعلت فعلها في الوسط الثقافي اللبناني.
سنو
وأعقب مداخلة سراج، كلمة للمؤلف سنو، الذي ذكر إن دراسة المدن الأربع، كأقطاب، في وحدة متكاملة، لها ما يسوغها، ذلك أنها الصفة التي يطلقها عليها مجلس الإنماء والإعمار. وهي تشكل وحدها مراكز رئيسية لغرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان، وشبكة مترابطة من المصالح المشتركة، ولفت إلى أن التعاطي مع المدن الأربع لم يكن على أساس مكوناتها الطائفية أو المذهبية: هذه سنية، وتلك شيعية، وثالثة مسيحية إلخ..، بل على أساس أنها تتألف من مجموعة من المواطنين اللبنانيين الذين يعيشون معا على أرض واحدة تحت مظلة كيان سياسي واحد، وفي إطار واحد من الثقافة والعادات والحقوق السياسية والمصير المشترك، صحيح أن مدنا لبنانية أخرى لها مميزاتها وشخصياتها التاريخية”، مضيفا” إننا فضلنا أن يقتصر بحثنا على المدن الأربع”.
وعن المنهجية الجديدة المتبعة في الكتاب، قال سنو إنه جمع في توليفة واحدة، بين النص والصورة أو اللقطة والمستند، أما المستهد بالكتاب، فهما جيل الشباب وشريح واسعة من المهتمين الذين يريدون التعرف إلى تاريخ لبنان، ولا يجدون إجابات وافية أو مقنعة أو سريعة في مؤلَّف واحد وافر بالمعلومات وبالوقائع العلمية. ومن خلال النوافذ، وإستطعنا تقديم معلومات إضافية للأكاديميين والمتخصيين، ولمن يريد الاستزادة في المعرفة”.
واعتبر سنو أن بيروت أدت دور الحاضنة لثقافات اللبنانيين، وإليها تسرب الفكر والثقافة الغربيان، منذ القرن التاسع عشر. فأضحت مدينة العلم والثقافة المتفرنجة لكثر الإرساليات والقنصليات والشركات والمؤسسات والمدارس والجامعات والمراكز الثقافية الأجنبية، وهذا ما أعطاها تلك “الخلطة” الثقافية الفريدة المنفتحة على أوروبا وعلى العالم، وأن تصبح عاصمة كوزموبوليتية. ولهذا السبب، وجد الجميع نفسه فيها، لأية طائفة انتمى أو جنسية، سواء أكان سياسيا أم رجل أعمال أم تاجرا أم كاتبا أم فنانا أم مثقفا أم شاعرا وأدبيا أم صحفيا أم موظفا وعاملا، أم نازحا من الأطراف، أو ساعيا إلى تعليم جيد لأبنائه، كما الطبابة والاستشفاء”.