بعد مسيرة طويلة في العمل الفكري والبحثي والنضالي أثمرت مؤلفات ومقالات وأبحاثًا، غاب الكاتب والباحث والمفكر اللبناني خالد غزال الذي ناضل في سبيل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية حتى الرمق الأخير.
نعى المكتب التنفيذي لمنظمة العمل الشيوعي في لبنان أمين سره القائد المناضل خالد حسين غزال الذي وافته المنية بعد صراع طويل مع مرض عضال . وجاء في بيان المكتب : تخسر المنظمة والحركة اليسارية والعلمانية والثقافية برحيل القائد غزال مناضلاً صلباً ظل وفياً لقضية التقدم والعدالة الاجتماعية والديموقراطية والعلمانية حتى الرمق الأخير من حياته.
لقد صمد القائد خالد غزال ( واصف ) وسط أقسى الظروف وأصعبها ولم يتراجع عن خط المواجهة مع القوى التي تكالبت على الشعب اللبناني وتآمرت على وحدته وتقدمه وقضيته الوطنية والديموقراطية. وقد خاض القائد غزال مع رفاقه في المنظمة وأحزاب اليسار وقوى الحركة الوطنية كل النضالات الكبرى التي عاشها لبنان في غضون العقود الخمسة الأخيرة، ولم تفت في عضده موجات اليأس التي أصابت عشرات المثقفين والمناضلين بفعل النكسات والهزائم، بل على العكس من ذلك تماما، فقد ظل صلباً وأمينا للقضايا التي استشهد في مسارها مئات المناضلين في الحركات العمالية والكفاحية، وبالأخص في مواجهة الغزو والاجتياح الصهيوني للبنان في العام 1982. وبعده ورغم الهزيمة التي أصابت اليسار اللبناني وقضية التغيير والتقدم، والمقاومة الفلسطينية والقضية القومية، ظل القائد غزال أميناً لخط الصراع الوطني مع النظام الطائفي وممثليه في السلطة ، وكذلك حافظ على إيمانه بعدالة القضية الفلسطينية وحق شعبها في بناء دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس . كذلك لم تجرفه الأوهام الرائجة في حينه ، وأمواج هيمنة المصادرة السورية على البلد وإعاقتها مشروع التقدم وتحقيق السلم الأهلي الحقيقي .
والمناضل غزال من مواليد قب الياس – محافظة البقاع في العام 1945. درس في مدرستها الرسمية وعمل في التعليم ، وأكمل دراسته في الجامعة اللبنانية وتخرج منها في العام 1969 حاملاً إجازة في العلوم السياسية والاقتصادية . ثم أمضى دورة تدريب وإعداد في مجلس الخدمة المدنية ، تولى بعدها مهمة رئيس مصلحة في كل من وزارتي التصميم العام والاقتصاد الوطني ( 1974 – 1983 ). تفرغ بعدها للعمل النضالي في قيادة المنظمة من خلال موقعه كأمين سر للمكتب السياسي، وسبق ذلك أن كان القائد غزال عضواً في حركة القوميين العرب وأسس مع الفريق القيادي اليساري فيها منظمة الاشتراكيين اللبنانيين ثم منظمة العمل الشيوعي في لبنان وحضر مؤتمرها الأول، وساهم من خلال موقعه في بلورة النضالات العمالية والفلاحية والشعبية خلال مراحل النضال الاجتماعي والطبقي الذي خاضته المنظمة ممثلاً بتحركات عمال معمل غندور ومزارعي التبغ وفلاحي عكار وغيرها.
وساهم في تنظيم العمل المقاوم في إطار جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في سنوات المواجهة مع الغزو الصهيوني منذ صيف العام 1982 وحتى إرغامه على الانسحاب مدحوراً عن أرضنا. ولعب دوراً أساسسياً في التحضير للمؤتمر الرابع لمنظمة العمل الشيوعي الذي انعقد أواخر العام 2018، والذي قدمت فيه المنظمة مراجعة نقدية فكرية لخطها السياسي والفكري وأعلنت التوجه نحو بناء حزب يساري ديموقراطي علماني.
إلى جانب دوره التنظيمي والإداري الداخلي برز القائد خالد غزال واحداً من المثقفين اللبنانيين والعرب الملتزمين بالدفاع عن قضايا التقدم والديموقراطية على امتداد المنطقة العربية، وساهمت كتاباته في فضح منوعات الإرهاب الذي تمارسه السلطات والأنظمة القمعية العربية، ودورها المشيوه في إنتاج ظاهرة الارهاب الأصولي والعنف الأعمى والموجة التكفيرية التي طغت على المنطقة من خلال مئات المقالات التي نشرها في صحف: النهار، الحياة، السفير، الوسط وأوان ( الكويت ) وفي موقع الآوان، إضافة إلى ما نشره في بيروت المساء من مقالات منذ عودتها إلى الصدور الشهري. وإلى جانب المقالات والتعليقات التي نشرها، له دراسات كثيرة منشورة لدى جهات وهيئات ديموقراطية وتقدمية عربية ولدى الأسكوا وغيرها من مؤسسات بحثية.
وأصدر غزال العديد من الكتب المنشورة وجميعها تنطلق من الهاجس الدائم لديه ممثلاً بقضايا الدفاع عن الحريات والديموقراطية والعلمانية والتقدم والحداثة والعقلانية.
من مؤلفاته :
– المجتمعات العربية وإعاقات الحداثة، دار الطليعة 2008 .
– وجهاً لوجه مع الفكر الأصولي، دار الطليعة 2009 .
– البؤس النهضوي: مسائل ثقافية من زمن الهزيمة دار النهضة 2013
– الانفجار السكاني في العالم العربي، دار النهضة، 2013 .
– من الدين إلى الطائفية: في ضرورة الدولة المدنية، دار الساقي، 2015….
– الإسلام والأسلمة: هوامش لنقد العقل والتاريخ، دار العودة 2015.
– الأزمنة الدينية: النص سيف السلطة، دار بيسان 2017.
– الإصلاح الديني في الإسلام: قضايا في الإصلاح الديني، دار بيسان 2018.
إن منظمة العمل الشيوعي في لبنان إذ تخسر أحد قادتها ورموز صمودها تعاهد جماهيرها على الصمود في خط الالتزام الذي درجت عليه دفاعاً عن حق الشعب اللبناني في تجاوز هذا النظام الطائفي الفاسد والمفسد وبناء الدولة الديموقراطة العلمانية ، دولة المواطنية والعدالة الاجتماعية والمساواة .