صدر الكتاب السادس من “منارات ثقافية”، وهي سلسلة دراسات أكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية باللغات العربية والفرنسية والانكليزية. وقد تضمّن هذا الإصدار ملفّاً بعنوان “مهارات وطرائق التدريس الحديثة”، بالإضافة الى أبحاث تغطي ميادين فكرية متتوعة. كما زيّنت الغلاف لوحة للفنان محمد عزيزة بعنوان “طرابلس القديمة”.
كلمة رئيس التحرير
للإضاءة على هذا العدد نورد هنا كلمة رئيس التحرير الدكتور جان جبور، وقد جاء فيها :
“لقد أولت هذه السلسلة البحثية منذ انطلاقتها مساحة واسعة للعلوم التربوية وضمّنت العددين الثالث والرابع ملفين بعنوان “مقاربات تربوية حديثة”، وذلك ليقين المشرفين عليها بأنه إن كانت المؤسسات الحياتية المختلفة مطالبة بالتميّز ومواكبة التطور، فإن المؤسسة التربوية هي الأَوْلى بمثل هذه المطالبة، كونها المسؤولة عن إعداد جيل قادر على استيعاب تطورات العصر والتعامل معها، وقيادة التغيير.
من هنا تأتي أهمية ملف العدد الحالي بعنوان “مهارات وطرائق التدريس الحديثة” الذي شارك فيه اختصاصيون، معظمهم يدرّس في كلية التربية في الجامعة اللبنانية، وهم يؤدّون دوراً هاماً في تنشئة جيل المستقبل الذي يؤمل منه أن يقود عملية التنمية والتقدّم.
في الواقع، يشغل التطوير التربوي مساحة كبيرة من اهتمامات الباحثين والمسؤولين، سيما في وقتنا الحاضر حيث يعيش العالم تغييرات سريعة في كافة مجالات الحياة، بفعل ظهور التكنولوجيا الحديثة وثورة المعلومات وسهولة الانتقال والاتصال، وهذا يتطلّب تجديداً في السياسة التربوية، وفي الإدارة التربوية، وفي البنى التعليمية، وفي المناهج وطرائق التدريس، وفي الوسائل التعليمية، أي تجديداً يطال العملية التربوية برمّتها. أهداف هذه العملية متشعّبة، لكني أودّ في المناسبة أن أركّز على أحد الأهداف الذي أصبح حاجة ملحة في العلاقات داخل مجتمعنا وفي علاقاتنا بالمجتمعات الأخرى، ألا وهو “التعلّم للتعايش مع الآخرين”. إنه شعار تنبّهت له اليونسكو منذ نهاية القرن الماضي في تقريرها الشهير “التعليم ذلك الكنز المكنون” (1999)، واعتبرته أحد الأعمدة الأربعة المطلوبة في أي نظام تربوي (الأعمدة الثلاثة الأخرى هي “التعلّم للمعرفة” “التعلّم للعمل”، و”تعلّم المرء ليكون”)؛ هذا الهدف، كما يذكر التقرير، “يتضمن اكتساب المتعلم لمهارات فهم الذات والآخرين، وإدراك أوجه التكافل فيما بينهم، والاستعداد لحل النزاع، وإدارة الصراع، وتسوية الخلافات، والحوار في إطار من الاحترام والعدالة والتفاهم والسلام”. في الواقع، نحن اليوم بأمسّ الحاجة لممارسة التسامح مع الآخر وقبول الآراء المضادّة، وهو الطريق الوحيد لبناء السلام في إطار من التعددية الفكرية والثقافية والسياسية، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والتعاون بين الدول والجماعات.
هذا الهدف السامي المتمثِّل بـِ “التعلّم للتعايش مع الآخرين” يجد صدى له في أحد الأبحاث المتفرقة التي نُفرد لها مساحة في كل عدد :”أيّ دور للجهل بالآخر في رسم الصورة النمطية السائدة عنه؟”. كما يغتني العدد بأبحاث تاريخية وأدبية نأمل في أن تشكّل إضاءات جديدة. فالشكر لكل الباحثين الذين أسهموا في إثراء هذا الكتاب السادس من سلسلة “منارات ثقافية”، وهي مناسبة لكي نجدّد دعوتنا للباحثين الشباب مرة جديدة لكي يوظّفوا أبحاثهم في عملية التغيير وبناء الفكر الواعي”.