وَلاّدَةُ أيّامِ زمان

تتطلب عرض الشرائح هذه للجافا سكريبت.

    

وردةُ ، ولاّدةٌ نُحِتَتْ على الـمُروءةِ ، كثيرةُ العَوائِدِ ، تَعَدَّتْ فواضِلُها في الستّينيّاتِ قُرى الجِوار . إنّها حقًّا لَعَلى وَفْزٍ(1) من أمرِها .

* * *

بولسُ ، يُجرِّرُ ذَيْلَ السعادةِ إلى منزلِ وردةَ في القاطعِ الثاني من البلدةِ ، فقد بَدَتْ تباشيرُ الصُّبحِ تَنصُبُ في مَفازةِ بيتِهِ أعلاما . وها زوجتُهُ هندٌ يُدرِكُها الـمَخاضُ ، والطَّلْقُ يحتفِزُ الطَّلقَ ، أُعلومَةً تَواضَعَ الحَبالى ، وشَفّتِ القرائنُ ، أنّ مولودًا يَسْتَقري أطوارَهُ في حَشا والدتِهِ، يَتَبيَّنُ نَسَمَ الطريقِ إلى الحياة .

* * *

القابلةُ وردةُ ، على أنّها لَحِيْمَةٌ مِبْدانٌ ، عَضِلَةٌ ، رَبْلَةُ الأَلْيَتَيْنِ رَجاحٌ ، مُسْتَويَةُ القَدَمِ لا أخمَصَ لها ، تَنْصَلِتُ بِفَخذِها اللفّاءِ العُجَيْلى سَرَعًا سَرَعًا إلى بيتِ بولُسَ مُلَبّيةً النِداء ، فالهُوَيْنا، في هكذا مهمّةٍ أسْهَرَتْ لها قَلبَها ، ليستْ من مواثيقها بشيءٍ ، وممّا آلَتْ به على نَفْسِها ، وعَتَقَت عليها يَمينًا لا يُخفَر .

اتّسَمَتْ وردةُ واقتَسَتْ في زِيّها بِسِمَةٍ مازَتِ القوابِلَ القُدامى في الرّيفِ ، عَفَتْ رُسُومُهُ، ودَرَسَتْ آثارُهُ ، وطُمِسَتْ معالِمُهُ ، ممّا تُحَدِّثُكَ بتَقادُمِهِ الظّنُونُ ، حتّى ليُلْقى في رَوْعِكَ أنّه يَترامى إليكَ من وراءِ حُجُبِ الغَيْبِ فَتَسْتَشْعِرُ خَشْيَة .

* * *

النِسْوَةُ الفُضولياتُ – أدامَ الله جُمعَةً – احتشَدْنَ منذُ ساعاتِ النّهارِ وزُلفَةً(2) من اللّيلِ، في دارةِ فارسَ بما لَهُنّ من آصِرَةٍ ، ودالّةٍ ، وأسبابٍ تُرعى ، يَتَحَمَّلْنَ بمواهِبهنّ وتَعارُضِ الخواطِرِ بينهنَّ ما جازَ وُجوهَ النُصْحِ ، ومَواقِعَ الرُّشدِ ، وهندُ تتقلّبُ على ألِيْمِ ومَضيضِ مَخاضِها ، بَرِمَةً بخُلْفِهنَّ ، واضطِرابِ حَبْلِهِنَّ ، وقد اغرَوْرَقتْ مآقيْها من تَصَبُّر وتجلّد .

* * *

وفجأةً ، دَبَّتِ الهَيْصَةُ وعلا الصِّياحُ : “وِصْلِتْ وردة.. وِصْلِتْ وردة” .

ها هي وردةُ تَشُقُّ الصُّفوفَ خاطِرةً بِوَثاقَةِ الـمُقتدِرِ إلى غرفةِ مَنامةِ هندٍ ، سائلةً الجميعَ إخلاءَ المكانِ لِضروراتٍ طِبيَّةٍ… موْجِبَة .

* * *

الجنينُ في قُحمةٍ(3) من أمرِهِ ، فقد تَوَعَّرَ تَمَوْضُعْهُ والتَوى ، فَنَشِبَ في جَوْفِ والدتِهِ لِيَخرُجَ بعضُهُ ، فيما استَمْسَكَ البعضُ الآخَرُ مُعْتَرِضا .

وتجهَدُ وردةُ بما أُوتِيَتْ من دُربةٍ وحّذاقَةٍ في إنقاذِ الموقِفِ اللَّبِكِ الرَّبِكِ على حَيْرةٍ منها.

– أَطلِقي يا هندُ.. أَطلِقي يا ابنتي ، فجنينُكِ من الحَجْمِ – على اسم الله – ما يربو على وليدِ ستّةِ أشهر .

* * *

وتُصَعّدُها هندُ استغاثَةً من الأعماقِ بمار الياسِ الحيِّ ، جارِ الرِّضى ، شفيعِ القرية.

* * *

… وتُعْتَلَنُ البُشرى: صبـي… صبـي، ما شاء الخالِق. لِيَسْتَطيرَ الخُبْرُ استطارةَ البرق. فَتُسُومِعَ به للحالِ في أرجاءِ القريةِ ، وسارَ على الأفواهِ أَسْيَرَ من مَثَل.

* * *

وتُدارُ أَطباقُ الحَلوى والـمُرطَّباتُ والـمُعلَّلاتُ ابتِهاجًا بالمولودِ البِكْرِ السَّعيد.

وتُعقَدُ حلقاتُ الدَّبكةِ لا إلى انتهاء !

* * *

فيا طفلاً لا يُقْدَحُ في صِدْقِه.

إنّ لِسانَ أيّامِكَ الآتيةِ لَصُورَةُ قَلْبِكَ ،

فلا تخشيَنَّ في الحقِّ لَوْمَةَ لائِم ،

وأعِرِ الاخرينَ متى  شَبَبْتَ عن الطَّوْقِ جانِبَ الثِّقةِ ،

وتنزّهْ عن مَظانِّ الزُّورِ ونُسّاجِهِ .

تَطمئنَّ لك النفوسُ ،

وتصونَكَ الضمائرُ عن الألسِنةِ ،

ما أنتَ مُخلِصٌ لِمَبادِئِكَ ،

فلا تنطِقُ عليكَ بُطلاً ،

وتكونُ حياتُكَ مزروعةَ السَّهْلِ بالخير !

* * *

أيْ بُنَيَّ !

حَسْبـي بك حَصيفًا أَريبًا ،أرَدْتُ لو تَسْمَعَ صَوْتي !

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1. عجلة
  2. طائفة من اللّيل
  3. الأمر الشاق. صعوبة

2233444

اترك رد