تحقيق: إيمان سلامة
خان الافرنج. حكاية تاريخ تروى كلما دخله سائح وقصده لبناني شغوف بموطنه وأخذه فضوله لمعرفة مكنوناته التراثية والأثرية. يقع على البحر الصيداوي شمالا ويتجاور والقلعة البحرية نظيرته في التراث والآثار التاريخية، يحاكي كلاهما الآخر بالثقافات والحضارات التي وطأت ساحتيهما وطبعت عليهما مراحل كر وفر في معارك عسكرية تارة، وازدهار وانتكاس اقتصادي تارة أخرى.مركز تجاري.
ترجح المعلومات، أن الخان بني في العقد الأول من القرن السابع عشر عندما تولى الأمير فخر الدين الثاني السلطة في الشوف، فبنى قصراً وجسراً وحماماً وخاناً، لتسهيل استقبال الوفود الأجنبية والعربية، لا سيما الآتية من الجهة البحرية وجعل الدورة الاقتصادية تتحرك بشكل أفضل.
وفي عام 1600، وصل والي الشام إلى صيدا عن طريق البحر ليعلن ولاية الأمير فخر الدين رسمياً على صيدا وأقاليمها، بعدما جعلها هذا الأخير مقراً لحكمه عام 1594.
تشير المصادر إلى أن الخان كان مركزاً للتبادل التجاري مع فرنسا ومقراً لإقامة تجارها، لا سيما الوافدين من مدينة مرسيليا، حتى أن دائرة المعارف الإسلامية كانت تعرف الخان تحت اسم “الخان الفرنساوي”. وفي أثناء ولاية أحمد باشا الجزار على صيدا (1791)، أخلى التجار الفرنسيون الخان واستعمل كثكنة عسكرية خلال حملة نابليون على مصر.
وعندما سمح لتجار فرنسا بالعودة (1802)، نشب حريق في الخان دمر قسمه الجنوبي الغربي، فأعيد ترميمه تحت إشراف القنصل الفرنسي الذي كان يقيم في البيت القنصلي الملحق بالجهة الشمالية الشرقية لمبنى الخان.
عوامل الطبيعة
في عام 1820، أصابت الخان أضرار جراء الأنواء البحرية الشديدة، وتأثر الجامع العمري المجاور له، وفي العام 1822 ضربت مدينة صيدا هزة ارضية عنيفة دمرت مبانيها وتعرض الخان لتدمير الجزئي.
وفي المعارك العسكرية، لم يسلم هذا المكان من القصف، ففي سنة 1840، ضرب الأسطول الإنكليزي والنمساوي المدينة، فأصيب الخان باضرار جسيمة، وترك هذا المبنى منذ ذلك الحين دون ترميم فعلي لغاية 1881، أي بقي أربعين سنة ينازع بين الموت التاريخي والمادي لبنائه الحجري العريق وبين إحيائه وبعث الروح فيه من جديد الذي لاحت أفقه ببدء أعمال الترميم تحت اشراف مهندس فرنسي ونائب القنصل، التي دامت 12 عاماً وانتهت في 1893.
استمرارية حضارية
بعد انتهاء ترميمه أصبح الخان مكانا لدير راهبات، وضم مدرسة للايتام. وحاليا يستعمل مبنى بيت القنصل الفرنسي سابقاً والملحق عقارياً بالجهة الشمالية كـ “مدرسة صيدا الوطنية”، كذلك يشمل كنيسة ملحقة به للجهة الشمالية الشرقية في منسوب الطابق الاول. وقد أقيمت بحسب المعلومات في المدخل عام 1856.
بعد انتهاء الحقبة التجارية للفرنسيين في خان الافرنج، وكان الامير فخر الدين قدم الخان كهدية لهم، فعملت دائرة الأوقاف الإسلامية على استرجاع ملكيته العقارية العائدة إليها، إلا أنها لم تكن تملك صكاً ملكياً يثبت صحة معلوماتها عكس الجانب الفرنسي الذي حافظ على حق الملكية لهذا المكان.
بعد ذلك الاتفاق مع الفريق الفرنسي لتشغيل الخان برسم تأجيري رمزي من خلال عقد ايجار مع طرف لبناني يستخدمه في خدمة الإنسان عموماً والمواطن اللبناني خصوصاً.
عام 1992 عملت “مؤسسة الحريري” على ترميم المكان وإعادته إلى سابق عهده كما في زمن الأمير فخر الدين الثاني، وتمتين هيكليته المعمارية، سواء من ناحية الأحجار الصخرية أو أرضيته الداخلية والخارجية، وذلك على مراحل لما يتطلبه هذا النوع من الأمكنة الأثرية التاريخية من عمل فرض الدقة في إعادة أصالته من جهة، والحفاظ على جودة مكوناته من جهة أخرى.
فخان الافرنج اليوم، بناء حجري له بوابتان للدخول والخروج وطبقتان. تتألف الأرضية من 36 وحدة كانت توضع فيها بضائع التجار الفرنسيين إلى جانب اسطبل للجياد والإبل ومستلزماتها، أما الاولى فعدد وحداتها 50 وحدة توزعت بين غرف صغيرة لمبيت التجار الأجانب والعرب على حد سواء، أما اليوم فجهزت مؤسسة الحريري، من خلال إدارتها للخان، ست وحدات منها كغرف بأجرة رمزية للمبيت تشجيعاً للوفود السياحية والثقافية، كذلك تضمنت باقي الوحدات غرفاً خاصة في بيت المحترف اللبناني لإقامة المعارض، وذلك دعماً من المؤسسة للمواهب الشابة الطامحة لمستقبل أفضل، إضافة إلى وحدات خاصة بوزارة الشؤون الاجتماعية كقاعات تعنى بعرض اشغال يدوية تراثية لبنانية.
كذلك لوزارة السياحة مكتب لمساعدة السياح على معرفة تاريخ الخان والثقافات التي عاصرها وما الى ذلك، إلى جانب مؤسسة “أناملنا” التي تساندها مؤسسة الحريري لتمكين المرأة من استخدام مواهبها في حياكة الصوف وأعمال التطريز وغيرها لترقى بها كعنصر فعال في المجتمع للنمو والاستمرار.
ختاماً لا بد للبنان كدولة ومؤسسات، من تكاتف مواطنيه ومؤسساته الإنسانية لينهض بثرواته التاريخية الوطنية وصون كنوز طبيعته من الاندثار والضياع.
كلام الصور
1- 2- خان الافرنج
3- خان الافرنج مركز لفعاليات ثقافية