كتب احد الاصدقاء نصا يتصل برائعة جبار الغزي “غريبة الروح” وقد علقت عليه
النص
اغنية (غريبة الروح) الشهيرة التي غناها المطرب حسين نعمة، التي تعد أحدى روائع الغناء العراقي، لها حكاية مؤلمة هي ان كاتب الأغنية الشاعر جبار الغزي، الذي غادر مدينته الناصرية ليستقر في بغداد وينقطع عن اهله ، بعدان فشل في الزواج من عشيقته لمستواه المادي ،و بعد أن انغمس في حياة العاصمة، حيث الصخب والصعلكة والأصدقاء، أو قل الفضاء الذي يحتوي تمرده مع أصدقائه الذين أدمنت اقدامهم النوادي الليلية، وزوايا الباب الشرقي بخليطه البشري الذي يرسم لبغداد احدى صورها الغريبة، وفي احد الايام، كانت والدة الشاعر جبار الغزي في سفرة لبغداد، برفقة أحد أولادها، لغرض زيارة الامام موسى الكاظم (ع) وعندما مرت السيارة في منطقة الباب الشرقي التي كانت تعرف ان ابنها يتواجد فيها، حيث يعرض بسطة صغيرة يبيع فيها بعض الحاجيات ليؤمن مصاريفه، طلبت من ابنها أن يأخذها لولدها جبار لتراه، لكن الابن أو أخ جبار الذي لم ترق له حياة أخيه وصعلكته، رفض أن يتوقف ويمنح الأم فرصة لقاء ابنها، لاسيما وانهم متوجهون الى الامام الكاظم (ع) وجبار معروف عنه أنه يحتسي الخمرة بشكل مستمر، وكادت الفرصة تضيع على الأم ، لولا ان القدر أو حظ المطرب حسين نعمة وقبله حظ متذوقي الغناء الأصيل، تسبب في عطل السيارة في الباب الشرقي تماماً! وهكذا وبمحض المصادفة رأت الأم ابنها جبار فارشاً مواد بسطته وجالساً على مقعد، ربما يكون علبة صفيح (تنكة) فأقبلت عليه بلهفة الأم التي فارقت ولدها مدة طويلة، وبعد السلام، قالت له عبارات أيقظت المارد الشعري في داخل الغزي، حيث عاتبته لعدم مجيئه لأهله قائلة..(( اشجم عيد مر وانت ما جيت، واشجم سنة هاي وانت ما سألت.. الخ)) من العتب الذي يأتي بهذا السياق من الكلام..وبعد ان فرغت من كلامها، أستأذنها ابنها جبار الغزي، الذي قدحت هذه الكلمات في داخله كلمات الأغنية الشهيرة.. التي تبدأ بعبارة.. غريبة الروح.. لا طيفك يمر بيها ولا ديرة التلفيها.. جثيرة أعياد مرن وانت ما مريت.. الخ.
لقد رحل جبار الغزي ، بعد ان اشبعته الحياة عوزاً وحرماناً ، وشبع منها ايضاً صعلكة وغربة ، لكن اغنية (غريبة الروح) ظلت باقية بعده، وان لم يعرف الكثيرون حكايتها هذه!
كلمات الاغنية “غريبه الروح”
لاطيفك يمر بيها
ولا ديره تلفيها
غدت وي ميل هجرانك
ترد وتروح
وعذبها الجفا وتاهت
حمامة دوح
اه غريبه الروح
تحن مثل العطش للماي
تحن ويلفها المكابر ويطويها
وأنت ولا يجي أبالك تمر مرت غُرب بيها
ولا طيفك !! يوعيها
وأهيسك جرح بجروحي… يمرمرني وترد روحي
تفز أجروح … محنه تفوح …. غريبه الروح
جم هلال هَلن !!! وأنت ماهَليت
كثير أعياد مرن وأنت مامريت
سنين الصبر حًنن وأنت ماحنيت
ترف ما حسبت بي
وأنه وغربتي وشوقي
نسولف بيك ليليه
نكول يمر .. نكول يحن وتظل عيونه ربيه
يالمامش الك جيه … الك جيه
تفز جروح محنه تفوح
وغريبه الروح … وغريبه الروح .
وقد علقت عليه
“غريبة الروح”..بوح شجي ترجمه الغزي لقدرته على ذلك وهو مترع بشجن جنوبي تحكيه اهتزازات القصب والبردي وتقوله سعفات النخيل بلهجة مختلفة وتنعاه طيور الماء على طريقتها وقبل كل ذلك تعدده وتردده الجدات وهن يهدهدن اولاد الابن والبنت او في مشراگه بحثا عن دفء في شتاء قاس او عند تاخر زيارة الاولاد والاقربين،انه شجن يكاد ان يكون بالنسبة للجنوب الموجوع كالملح من الزاد.. “غريبة الروح” حكاية زمن يوثق لذاك وهذا الزهد الوقيح لحكام وطن باهله وثروته الحقيقية..انه زمن يجلد الوعي ويحاسبه على تقدمه على الجهالة والحماقة فليس اقسى من سوط الفقر والحرمان والتهميش شيء يستطيع ان يوجع هذه الجلود التي تفوح بالنبل والكرامة..غريبة الروح صوت يكشف عن زيف هذا الضجيج المفرغ من الاحساس والمنغمس باحجية السلطة والمال..
لا ادري الى متى يبقى اقرب التعاريف تطابقا مع العراقي المعتق بعراقيته والمغمس بملح الوفاء والممزوج بماء الكرامة هو غريبة الروح..
شكرا لانك لمست فينا الف جرح وجرح.