مسيرة المليون ميل للقضاء على التمييز ضد المرأة

تبدأ بخطوات نملة هي القضاء

على التمييز اللغوي

تتطلب عرض الشرائح هذه للجافا سكريبت.

سيَسيلُ حبر غزير في يوم المرأة العالمي، عن جوانب كثيرة تتراوح من السطحي والتافه إلى الأساسي والجوهري. ومما لا شك فيه أن الدفاع عن حقوق المرأة آخذ في الانتشار يوماً بعد يوم في مختلف أنحاء العالم، ولبنان في صلب هذا الاتجاه. ولكن الفرق لا يزال شاسعاً بين الكلام والمساعي والمطالبات من جهة، والنتائج والإنجازات وإحقاق الحقوق من جهة ثانية.

والمؤكد أن التنمية الاجتماعية والاقتصادية التي ينادي بها المجتمع الدولي وتسعى إليها الدول لن تتحقق ما لم تحصل المرأة على كامل حقوقها التي هي حقوق الإنسان. ومن المؤسف أن تكون شريحة كبرى من النساء في معظم المجتمعات لا تدرك أهمية هذه القضية، وفي المقابل من المشجِّع أن يتقدم رجال كثيرون إلى الصفوف الأمامية والمواقع الرائدة في العمل على تحقيق المساواة بين الجنسين. ومن المحزن الاستمرار في تنويم المرأة بمغناطيسية الأمومة وتعمِيَتها بقدسية هذا الدور، للحفاظ على نمطية الأدوار المتحكمة في حياتها والطامسة لقدراتها، ولتخلو ساحات العمل العام، أي إدارة المجتمع وسياسات الدولة ومواقع صنع القرار، لهيمنة الرجل.

لن أكتب عن الإحصاءات والقرارات الدولية والاستراتيجيات والقوانين الوطنية وغيرها من الأفعال الكبيرة، فالمعلومات عنها متوفرة من مصادر عدة. بل سأكتفي بجانب بسيط ولكن مهم من جوانب مسيرة النضال من أجل الحقوق والمساواة هو القضاء على التمييز اللغوي، فاللغة مجال اختصاصي وعملي ووسيلة تعبيري الإبداعي. سأركز على اللغة وما تحتويه من إنصاف لا نعيره اهتماماً؛ اللغة التي يمكن أن تكون البداية والمنطلق للتغيير في المفاهيم وفي الممارسات.

أتساءل، ليس في هذا اليوم فقط بل في كل لحظة، كيف نأمل في تغيير القوانين المجحفة والعقليات المتحجِّرة والتقاليد السخيفة الظالمة، عندما يرفض الكثيرون وخصوصاً النساء مجرد تعديل التسميات والمصطلحات التي تتجاهل وجود المرأة وتتنكَّر لإمكاناتها؟ كيف نغيِّر واقعاً راسخاً إذا كنا لا ننتبه في لغتنا إلى تاء التأنيث ونون النسوة، وإذا كنا عاجزين عن تصحيح العبارات والمصطلحات الممعِنة في ترسيخ الذكورية في خطاباتنا وإذاعاتنا وصحافتنا وشاشاتنا وأحاديثنا وكلامنا اليومي المنطوق والمكتوب؟

من الأمثلة الصارخة على ذلك، إصرار الكثيرين عندنا على تسمية السيدة المنتخَبة للبرلمان، في لبنان والبلدان العربية، “نائب” وليس “نائبة”. ويبرِّرون ذلك بأن كلمة “نائبة” تعني “مصيبة” ولا يريدون إثارة هذا التوصيف للمرأة في منصب النيابة. وهنا أطرح سؤالاً بسيطاً جداً: كم مرة تُستعمل كلمة نائبة للحديث عن المصيبة؟ نادراً جداً، بل قد لا تُستعمل قط، حتى أن كلمة “نائبة” بمعنى “مصيبة” قد تكون سقطت سقوطاً شبه تامّ من قاموسنا الكلامي والكتابي. إذاً، لماذا يظل الناس يفكرون بالمصيبة عند استعمال كلمة “نائبة”؟ ومتى يبدأ فكرهم بالتوجه إلى احتمال أن يكون أول معنى لكلمة “نائبة” هو منصب المرأة في موقع ممثلة الشعب المنتخَبة وعضوة البرلمان؟ أميل إلى تفسير ذلك بأن وصول المرأة إلى هذا المحفل، هو بمثابة المصيبة للرجل الذي لطالما تمتع بالهيمنة الكاملة في السلطة التشريعية وفي الكثير من المجالات الأخرى، إذ يجعله يشعر أن هذه الهيمنة يهددها انتزاع المرأة لمقاعد لطالما اعتبرها من حقه الطبيعي وحده في حين أن هذا الحق الطبيعي هو للمرأة والرجل على حد سواء. وجود المرأة في تلك الأدوار مصيبة.له طبعاً، لأن هذا الوجود “يُنزل صرمايته عن الرف” كما تقول العبارة الشعبية.

هل عندما يصبح وجود المرأة بأعداد منصفة في البرلمان نبدأ بالانتباه إلى أن النائبة تعني أولاً عضوة البرلمان، ومن ثم قد تحمل المعنى الآخر؟ قد يحصل ذلك وقد لا يحصل، خصوصاً وأن غالبية النساء في هذا المنصب وغيره من المناصب هن نفسهن لا يدركن أهميته ولا يزلن متمسكات بالتوصيف الذكوري لمنصبهن. هل لديهن عقدة نقص إزاء الرجل؟ ومن المؤسف انتشار نقص الوعي بهذا الجانب من قضية التمييز ضد المرأة، وهو التمييز اللغوي. يجب أن لا ننتظر ازدياد عدد النساء في المناصب السياسية والإدارية والمهنية العليا إلى مستويات منصفة لكي يصبح التأنيث أمراً واقعاً. التأنيث موجود في لغتنا منذ فجر تاريخها. إذا كان التأنيث موجوداً في الفكر الذي عبَّرت عنه اللغة. فلماذا نطمسه؟ ولذلك، فالتغيير ينبغي أن يصحح الذهنية لكي يظهر الفكر في التعبير اللغوي، ومن ثم، أو الأحسن بالتوازي معه، في التغييرات القانونية وفتح الأبواب والفرص للوصول إلى مشاركة المرأة في كل مواقع صنع القرار جنباً إلى جنب وبالتساوي مع الرجل. فلنبدأ إذاً باستعمال كلمة “نائبة” حتى لو كان عدد النائبات في البرلمان عندنا لا يتعدى أصابع اليد الواحدة، ولنؤنِّثْ سائر المهن والألقاب والمصطلحات.

من الأمثلة المعاكسة، تأنيث مهنة التمريض، لأنها لطالما استأثرت بها النساء. فنقول دائماً “ممرّضة” أو “ممرّضات”. وإذا طبقنا القاعدة مقلوبة هذه المرة، فمثلما نقول عن المرأة “الوزير فلانية” والنائب فلانية” والقاضي فلانية” إلخ، ينبغي أن نقول عن الرجل في مهنة التمريض “الممرضة فلاني” !!! ما رأيكم/رأيكن؟

اللغة العربية تتيح التأنيث، ولا لزوم للإبقاء على صيغة المذكر عندما يتعلق الأمر بمناصب اعتاد الناس أن لا يروا فيها إلا رجالاً.

والمرأة إذاً هي:

نائبة لا نائب

وقاضية لا قاضي

ووزيرة لا وزير

ورئيسة لا رئيس

وأمينة عامة لا أمين عام

وكاتبة عدل لا كاتب عدل

وطبيبة لا طبيب

ودكتورة لا دكتور

وطيارة لا طيار

وضابطة لا ضابط

ونقيبة لا نقيب

وعميدة لا عميد

وجندية لا جندي

وشرطية لا شرطي

إلخ…

ومَن يصرّون على استخدام المذكَّر للمرأة النائبة والمرأة في مناصب عدة أخرى، إنما يرسخون ذكورية التسميات بلا سبب لغوي وجيه، وبذلك يرسخون النظرة النمطية إلى أدوار المرأة والرجل والتي توحي بأن وجود المرأة في هذه المناصب حادث فريد وليس قاعدة طبيعية.

المسؤولية في هذا التصحيح تقع على الأهل في العائلة، وعلى المعلمين في المدارس والجامعات، وبالتوازي على وسائل الإعلام التي لها دور خطير في التأثير في الناس، فإما تنشر الأخطاء وترسخها أو تنشر الصحيح وترسخه. ومن المؤسف أن الجهل بهذه القضية منتشر انتشاراً فادحاً في الأُسَر وفي هذين القطاعين، وإذا لم يكن جهلاً فهو استهتار واستهزاء بهذه المسألة الجدية، وهي القضاء على التمييز اللغوي، في مسيرة القضاء على التمييز ضد المرأة في كل المجالات لتحقيق المساواة وإحقاق الحقوق.

woman vector

اترك رد

%d