مآثر العرب في الفن القصصي

تتطلب عرض الشرائح هذه للجافا سكريبت.

feather_pen 111 د. عمر الطباع

إنّ الاحتكام في دراسة موقع الفن القَصصي عند العرب وفي تاريخهم الأدبي، إلى نظرية السببية وقوانينها الفاعلة، مع الأخذ بمبادىء فلسفة سبنسر وجماعته في تطور الاداب وعدم الانسياق وراء ادعاءات نفر من المستشرقين الذين حادوا عن روح العلم انجرافا منهم نحوالعنصرية والأهواء والعصبية القومية، كل هذا يوفي بنا إلى ساحة الحقيقة الناصعة وهي أن أدب القصص عند العرب في طور حياتهم الأول كان استجابة طبيعية لمؤثرات البيئة وفعل قوانين الزمان والمكان بدليل أن العرب عندما استقرت ظروف عيشهم واستتبت لهم حياتهم السياسية، وأرادوا أن يأخذوا – أي ملوكهم وعامتهم – بحقهم في اللهو والاستمتاع أقبلوا على تراث الأمم القصصي فعنوا بنقله. وعندما واتتهم السليقة الفنية جاروا هذا التراث فاحتذوه وكتبوا على مثاله وارتقوا به إلى درجات عالية من الاتقان والإبداع، وفي هذا يقول الزيّات:

tabba3

“ولما أترف العرب وحمل الأعاجم عن الخلفاء أعباء الخلافة قطعوا لياليهم بالمنادمة والمسامرة. فتنافس الندماء في حفظ الأقاصيص والأسمار، وتسابق أدباء القرنين الثالث والرابع إلى وضعها يسامرون بها الخاصّة شفاها. واحتاج العامّة من أهل الترف والبطالة إلى من يسامرها كذلك في ديارهم وأعراسهم واشتدت هذه الحاجة عندما توالت المصائب والمحن على العالم الإسلامي في أواخر العصر العباسي . . فتقدم إليهم القصاص والمحدّثون . . . فحدثوهم بما جمعوا من أقاصيص الشجعان وأخبار الجان واعمال السحرة. مما تناقلته الأفواه من وراء الأجيال والأزمان . . حتى قيض الله لهذه السير من دوّنها . . ذلك كان مولد القصة في الأدب العربي وهو شبيه بمولدها في الأدب الغربي فكلتاهما ولدتا على إثر الملاحم، و كلتاهما ابتدأتا بأخبار الشجعان و مخاطر البطولة”[1].

the-harem-john-frederick-lewis

ولعلّ تفهم بعض مؤرخي الأدب من عرب و مستشرقين لهذه الحقائق التاريخية والفنيّة وما رافق ذلك كلّه من أطوار الإجتماع وحاجاته وشؤون السياسية وأدارة الملك هوالذي دعا إلى إنصاف العرب والأعتراف لهم بالمكانة في ميدان القصص، ففي كتابه “تراث الإسلام” يذهب المستشرق ميكائيل إلى أن أوروبا “مدينة بقصصها للعرب”. كذلك أعلن كارّادوفو أن “أي أدب لم يسيق الأدب العربي في باب القصص”. ولم يقلّ حماس المستشرق “جب”للأدب العربي وأثره في الأداب الأروبية – وبخاصة في العصور الوسيطة وفي مجال القصص بالذات – عن حماس ذاك النفر من الباحثين الغربيين، وهذا يفضي بنا إلى نظرة متأنية نتناول فيها الخطوط العامة في تراث العرب القصصي قبل أن نلج عالم ألف ليلة و ليلة.

القصص العربي الأصيل

لم تكن القصة بمدلولها العام غريبة عن اداب العرب التي شملت الأصيل الموضوع والدخيل المنقول من القصص.

oriental-dance-dilorom-abdullaeva-1-1

أما القصص العربي الأصيل فأنماط متعددة غنية الألوان تتميز في مجملها برواء الأدب في رصانة لفظها وأناقة عبارتها و سلامة تراكيبها ولغتها، وحسن أدائها و جماليّة أسلوبها .

هذا القصص الأصيل يتفرع تفرع الأفنان من الجذع الواحد القويّ، وكالخطوط المتوازية البديعة الوشي في البرود المزركشة: فهناك حكايات الغناء والمغنين ومجالس الغناء في الحواضر وقصور الخلفاء وسادات القوم، و يعتبر كتاب الأغاني و”الإماء والشواعر” وكلاهما لأبي الفرج الأصبهاني من أوسع المصادر الحافلة بهذا النوع من القصص.

07285599e40161975bcae1d7cbfd88c8

ومن أبواب القصص الأصيل أمثال العرب ونوادرهم وطرائف مجالسهم، ومعظم هذه الطرائف تدخل في الأدب “الإخباري”.وهذه القصص غنية متعددة الإيقاعات والصور و نحن واجدون فيها غير قليل من الأدب الوعظي التعليمي فضلا عن القصص الميثولوجي المتضمن ما وصلنا من معتقدات العرب الدينيّة قبل الإسلام وأخبار الهتهم مما جمعه الأدباء، أمثال ياقوت الحموي في معجم الأدباء، وابن عبدربه في العقد الفريد والأصفهاني في الأغاني والمؤرخين، كالطبري والمسعودي، وابن الأثير.

ومن فصول التراث القصصي عند العرب، قصص البطولة والمغامرات ومن أعلامها، ومحمود تيمور وعبّاس محمود العقاد والمازني وطه حسين ونجيب محفوظ ويوسف أدريس في مصر وعبد السلام العجيلي وشكيب الجابري في سوريا.

7-intercepted-correspondence-oriental-john-frederick-lewis

أما هذا القصص الحديث فبعضه تاريخي وبعضه الاخر اجتماعي فضلا عن الروايات البوليسية وقصص المغامرات مما لا يتسع المجال في هذا السياق لذكره والإسهاب في الكلام عليه هذا وإن الأدباء الذين ذكرناهم لم يكن القصص عند فئة منهم سوى أداة أو وسيلة للأغراض الفكرية الأخرى كالنقد الإجتماعي والسياسي.

****

[1]-الزيات : تاريخ الأدب العربي ص 393 – 395.

 

اترك رد