لم أعرف شاعرة أو كاتبة بلغت هذه الدرجة في التعبير عن مشاعرها الفياضة، وبهذا الصدق المطلق، حتى أن “أميرة الياسمين” تتفوق بمشاعر حبها على أشهر العاشقات في التاريخ، وهذا هو العطاء الجديد في كتابها ..
من بيروت المدينة التي أنتمي إليها، بكل ثقافتي ومشاعري وعواطفي ، منذ أيام طفولتي، لأنها عاصمة الصحافة والإعلام والثقافة، وصلني كتاب الإعلامية والأديبة والشاعرة اللبنانية المعروفة أميرة الياسمين ريتا الخوند، ممهوراً بتوقيعها وبكلماتها، التي أعتز بها ، وكتابها هذا ” أميرة الياسمين” يكتنز بالعبارات الوجدانية والإنسانية، التي تواجه فيها بشاعة وسوداوية الزمن الراهن .. كتابات أقرب الى النثر الشعري الرومانسي، الصريح والواضح ، والذي يلاقي الإعجاب لدى الشرائح والمستويات والأعمار كافة، والكتاب مرفق ب CD يحتوي على تسجيلات، بجودة عالية، لمعظم قصائد المجموعة بصوتها وبإلقائها المنساب طلاقة وحيوية ورومانسية وعذوبة ..
و” أميرة الياسمين” هي بطلة كتابات ريتا الخوند القصصية والشعرية ، ولقد توجت بلقب ” أميرة الياسمين” وهو اللقب الأغلى على قلبها ـ على حد قولهاـ من قبل نقاد وأدباء وشعراء تابعوا بشغف روايتها “الفايسبوكية” العاطفية وبطلتها “أميرة الياسمين” ، هي التي توجت ملكة جمال الصحافة اللبنانية عام 1988، ومنذ سنوات لقبتها أنا “بمبدعة الكلمات” بعد أن لمست عفويتها المطلقة، وصدقها العظيم في التعبير عن فيض مشاعرها وأحاسيسها ، وأستطيع أن أضيف بأن كتاباتها تنتمي بنقاء وصدق كلماتها إلى النمط الكتابي الفطري، البعيد كل البعد عن منزلقات الوقوع في خيوط شرنقة عصر الألة، والبرمجة الرقمية المحفوظة في ذاكرة العقول الإلكترونية .. وكتابها الأول هذا، صدر حديثاَ في بيروت، ويقع في 238 صفحة من الحجم المتوسط ، طباعة أنيقة وفاخرة على ورق مصقول، وتغلب عليه القصائد المفعمة بالوجدانية والرومانسية، وفيه تكشف عن علاقتها الوطيدة بالقصيدة النثرية، متجاوزة بذلك الأنماط التقليدية والكلاسيكية ، في خطوات مجاهرتها بحريتها التعبيرية ، والارتماء في فضاءات التلقائية والدهشة ومشاعر الحب اللانهائية, وميزة هذه المجموعة الأساسية تتركز في أنني، لم أعرف شاعرة أو كاتبة بلغت هذه الدرجة والقدرة في التعبير عن مشاعرها الفياضة، وبهذا الصدق المطلق، حتى أن ” أميرة الياسمين” تتفوق على أشهرالعاشقات في التاريخ القديم والحديث، وهذا هو العطاء الجديد في كتابها.
حتى أنها تقدم كتابها بعبارة ” قانون الحب ” :
في الحب فضيلة اسمها الاشتياق …
وخطيئة هي الغياب ..
وجريمة هي الكبرياء ..
وتضيف: في الحب أيضاً ..
كبر وإرتقاء وحنان وطهر وقلب كنز ..
وفرحة وضمة ولقاء .. ومن له قلب عاشق فليسمع ..
هكذا تبرز أميرة الياسمين ريتا الخوند هاجس انفتاحها المتحرر، على العوالم العاطفية الجياشة، بصدق نادر.
وقد تثير تساؤلات حادة وصارخة عبر حرية مجاهرتها بمشاعر المرأة، في مجتمع شرقي، وفي ظل هيمنة نشاف القلوب ونضوب العواطف ورتابة الحياة.
احترفني الياسمين وأحترفته
حتى صار قلمي ومحابري والأحرف ..
وأنا اقسم أني أعتنقت النقاء ديني ..
والحب مذهبي والمحبة طائفتي ..
والصفاء معتقدي وأنت وطني ..
وهي من هذا المنطلق تجعل الرؤية الشعرية النثرية، الواضحة والصريحة، منطلقاٌ للبوح بمشاعرها الذاتية بصدق عظيم من ألف إلى ياء الحب :
أنت ..
أنا وأنت.. إحتفالية حب ..
وفرحة .. تبدأ منها كل البدايات ..
ولغة جميلة ..
من ألف إلى ياء ..
وتتجاوز ريتا حدود السواد، الذي يغلف عتمة أحزاننا في أزمنة الحروب وأهوالها, وتجعل حضور الورد يستدعي حضور الحبيب مع إطلالة كل صباح:
وتقول لي ” صباحك ورد”..
فيطير بي الورد .. إلى بحور الشعر ..
قل لي كل صباح .. صباحك ورد ..
فيضمني الورد ..
ويقبلني العطر ..
وتصر على ايجاد مقاربة بين حركة مشاعرها الفياضة ، وحركة الكواكب والمجرات، لزيادة إحساسها بالمدلول الايقاعي النابض باحتمالات التجاوز ، حيث تقارب وبشكل دائم بين فيض مشاعرها وفضاء الكواكب والمجرات والبحار والمروج الخضراء .. وكل ذلك بتعابير صريحة، لا تحتمل التأويل والإجتهاد والغموض ، الذي نراه بكثرة في كتابات الآخرين، بحجة التجديد والمعاصرة، رغم أن تكثيف الصور البلاغية، في كتاباتها يضعنا أمام وعي الضرورات الجمالية الحديثة لهذا العصر:
لازالت عندي
مفاجات وكواكب وبلدان
لم تكتشفها بعد
سماءاتها
مجرات تبرق ..
وملح بحارها
خليط
من سكر وعسل
ورغم عتمة أحزاننا، تبقى مشاعر الحب حاضرة، وجماليات الحياة قادرة على الإنبعاث كطائر الفينيق من بين الرماد، فالعشق يتجدد مع نبوءة المطر وشروق الشمس وإطلالة الفجر وبهاء القمر:
أنت الشمس .. وأنت المطر ..
أنت الفجر .. وأنت القمر ..
انها ردة فعل حتمية ضد لا مبالاة الاستمرار في معايشة فصول الرعب ودوامة الأحزان ، حيث تواجه بشاعة وسوداوية العالم الراهن، بحبها للحياة وللجمال، وبالقدرة على الحب المطلق والمفتوح في كل الإتجاهات دون حدود، أو فواصل أو ضفاف .. وهكذا فحب الشاعرة ريتا لايعادله كل ما في الكون، وهنا يتماهى الإفتراضي مع الواقعي :
من ضوء في عينيك .. تشرق شمسي ..
ومن شعاعات في كلماتك .. يخفق قلبي ..
ومن عبق في بوحك اتنشق ياسميناً وورداً ..
فأميرة الياسمين تراهن على موضوع الحب، من خلال إدراكها، بأن لا قيمة لشعر أو فن ، إلا بقدرمايساهم في إحداث الأثر المزلزل، وبقدر ما يهبنا من حالات تمرد ورفض وإصرار، على مواجهة العادات والتقاليد، التي تحد من حرية المرأة في التعبير عن مشاعرها وأحاسيسها الفياضة.
أنت الورد وأنت الزهر ..
أنت الطيب وأنت العطر ..
أنت الكأس وأنت الخمر ..
أنت الموج وأنت البحر ..
أنت المد وأنت الجزر ..
هكذا تعتمد على تأملات الكون والطبيعية والإنسان ، انها حقل ثراء حقيقي يمكن من خلالها التعبير عن عواطفها الفياضة :
توسدت شواطىء ضوء
سماءاتها غيوم عطر ..
وأنجمها ياسمينات بيضاء ..
قالوا ما الصباح ..
قلت: الصباح هو موعدنا مع الحياة كل يوم ..
أما موعدي أنا مع الحياة دونك فموعد حياة .. بلا حياة ..
ورغم هذا السيل الجارف من مشاعرها الفياضة، التي تفوق الوصف والخيال، تصر على أنها لا تزال تلميذة في مدرسة الحب، إنه التنقل المثير ، والعازف على أوتار المشاعر :
كن استاذي
وعلمني .. علمني مادة الحب ..
ودرسني درسني لغة القلب ..
وهي في خطوات مجاهرتها، بفيض عشقها المتجدد، تصل بالجوهر الإنساني، إلى ضفاف الصورة المطهرة بالعطر الياسميني :
شقية .. قارورة عطري الفارغة
لاتكف .. تشيء بطيف عطرك
يهمس .. في الأرجاء ..
هكذا تركز ريتا في مجموعتها الشعرية النثرية، على اللغة الصريحة والواضحة والشديدة الوقع بصدق معانيها وجرأتها، مبتعدة كل البعد عما يسمى بشعر ما بعد الحداثة، والذي يجعل معظم الناس تهرب منه، وهي مع ذلك ليست تقليدية ، وحداثتها تكمن في اعتمادها على اللغة النثرية وعلى المقاربة والمباعدة، والعمل على تكثيف الصور، في تخيلات رحلتها الرومانسية بين الكواكب والأقمار والمجرات، دون ان تذهب الى ذاتية جانحة أو تأويلات ركيكة ..
مبدعة القصص وكلمات الحب الفياضة ريتا الخوند، تبحر في زورق العشق الأزلي والكوني، مؤكدة أن الحب الحقيقي ، قادرعلى الإستمرار والبقاء والتجدد في كل المواسم والفصول ، مع إطلالة كل صباح وإشراقة كل شمس :
يالصباحك .. وما نفعها الصباحات .. دون صباحك ..
وتتواصل قصائد الحب : وفي كل صباح .. أرسل الشمس تقبل وجنتيك ..
صباحك عمري لايشرق ، إلا من شعاع نور ..
في عينيك ..
هكذا تتجاوز كل ماقيل عن حب روميو وجولييت وقيس وليلى، وكل ما كتب في الحب من أيام عمر بن أبي ربيعة ووصولاً إلى نزار قباني، ومروراً بآراغون مجنون إلسا ، وسلفادور دالي مجنون غالا .. حتى أنها تقترب في طريقة سرد تعابيرها العاطفية، من اسلوب الفرنسية سيمون دي بوفوار، مع فارق يكمن في أن الأخيرة سجلت في أحد كتبها يومياتها الخاصة مع جان بول سارتر، أما ريتا فلم تخبرنا، إن كانت تتحدث عن حبيب واقعي أو إفتراضي ، رغم معرفتنا المسبقة أن الواقعي في كتاباتها، وحتى في اسلوب حياتها، يتداخل مع تخيلات الصورة الرومانسية، التي تفوق الوصف والخيال :
وإني أتحرق لقبلات
وشفاه ترويني مرة ..
وتشعلني ثم تحرقني
ألف مرة ومرة ..
لقد تجاوزت الخطوط الحمراء، وتخطت المألوف الإجتماعي، وأدخلتنا في أجواء وجدانية وعاطفية، تضاعف حالات التأثير الرومانسي، الحامل رغبة حنين وانفلات وانعتاق حتى لا تقع في سكونية البعد المتلاشي في الفراغ والعدم, في خطوات الوصول الى حدود التعبير عن نبض الحياة وإيقاع الجمال ومشاعر الحب بأعلى سماء :
وسماء شاهقة أطل
أطل من شرفتها
على أعلى سماء ..
لقد حولت الرواية الرومانسية والقصيدة النثرية، الى مكان يطفح بالمشاعر العميقة والذكريات المشرقة بالأمل، والإشارات العاطفية تكمن خلف تأويلات واضحة، وليس بالكسر المتعمد للمباشرة الخطابية ، الذي يؤدي في كتابات الآخرين إلى طلاسم وغموض وافتعال غير مبرر، وهكذا تتداخل الصور والاشارات والرموز بوضوح تعبيري لافت :
أنت .. تحاصرني مثل عطري .. تحيطني من كل جهة .. وكأنك السماء ..
تجتاح زماني ومكاني .. وكأنك إحتلال ..
واطلالات الإعلامية الراقية ريتا الخوند على الشاشة الصغيرة وعبر الإذاعة، فيها العفوية والفائدة والابتسامة القادرة على إدخال البهجة الى العيون والقلوب معاً .. وقبل كل ذلك فيها الإيمان والمحبة الدائمة، التي لا تعرف الانكسار والإنهزام ، وهي في كتابها الياسميني تقدم نتائج وخلاصة وثمرة تجربتها في التقديم الشاعري وفي الكتابة الأدبية والشعرية .
ريتا الخوند العاشقة الأبدية للإعلام والثقافة، لها حضورها وجمالها الخاص ، وأنوثتها ومشاعرها التي لا تتغير ولا تتبدل مع تعاقب المواسم والفصول، وأبرز مايميز كتابها “أميرة الياسمين” هو بوحها الرومانسي، بحرية المرأة وبقدرتها على الإنعتاق وتحدي المظاهر القاتمة التي تحد من حريتها في الخروج والتعبير والعمل.
فهي كاتبة وقارئة وحبها مزمن ومتجدد للثقافة والإعلام المرئي والمسموع والمقروء، تنتقي كلماتها بعناية مركزة، وبلغة شاعرية نثرية، لا تترك فيها لأية شاردة أن تتسرب الى حروفها، لقد عرفناها إعلامية تلفزيونية وإذاعية وملكة جمال، واليوم نكتشف عندها حيوية الموهبة الكتابية العفوية والصادقة والخارجة من القلب، بدون تصنع أو تكلف، فما هو على شفاهها، يظهر على أوراقها، وفي دفتروبرنامج يومياتها ..
****
(*) عالم نوح.