لقد أسرَّ زعيم مدرسة التحليل النفسي سيغموند فرويد ذات يوم إلى تلميذته ماري بونابرت:
إن السؤال الكبير الذي لم يلقَ جوابًا قط، والذي لم أقدر بعدُ على الإجابة عليه إبان ثلاثين عامًا من دراسة النفس المؤنثة، هو: ما هي رغبات المرأة
يمكن قراءة هذا التحدي المعرفي لباحث دائب ومحترف مثابر مثل فرويد على انه جاء في سياق ظروف زمانية ومكانية شكلت خلفية (خفية) سواء كانت ( واقعية او معنوية) لحدث ما يتصل بخلق هذا التحدي الذي اصحر به الاستاذ لتلميذته ليس بعنوانها تلميذة ولكن بعنوانها انثى، وقد بحث الكثير ممن كتب عن النتاج الفرويدي ( ايجابا او سلبا) عن ربط ما لخلفيات واقعية او تحليلية منتزعة تفسر مواقفه المعرفية على هذا الاساس.
المهم عندي انه في حدود استقصائي ومتابعتي القديمة على وجه الخصوص للفرويديات لم اعثر على موقف جديد عقب تلك الحيرة التي بثها فرويد في تسائله الشهير والذي لا يكشف عن عجز معرفي بقدر ما كان محاولة منه للكشف عن فضاء زئبقي شديد العتمة محاط بمجهولية مغرقة لا يمكن وضع مقاييس محددة ولو في فرشة واسعة الطيف على اساس ان المرأة نفسها كثيرا ما تجهل ما تريده وترغبه تحديدا، ومع ادراكها له لا تعرف غالبا لماذا تريده تحديدا ولماذا تفضله عن غيره؟
ان هذه الغيومية لا تعني نقطة ضعف او نقص معرفي كما يتصور الانطباع الاولي او تمثل حيرة وعي او قلق ذاتي او اي خلل نفسي بحسب كل الفهومات التي اشتقت او تناغمت مع التساؤل الفرويدي، لكنها عندي وان كانت ثابتة من حيث اصل فكرة عدم معرفة ما تريد إلا ان هذا ( قصدي خلقي رباني) يجعل المرأة بمثابة طلسما متعاليا يستغرق الرجل حولها بمختلف الاقترابات من اجل ان يفي بما تحب وتريد وترغب كما وكيفا، وهو في ذات الوقت يعطي المرأة زخما من ( التطلب المفتوح) وعمق الاحساس بالحاجة ( دون تحديدها) الذي ينعكس الى حث دائب من جهتها ليخلق حركة نحلية مشتعلة بالتفاعل التام بين ( الطلب والتلبية) ويلقي بظلال الدفء على الحياة، وهذا الذي يفسر تقدم ( الاعتناء) على ( الحب) من منظور المرأة، وصمود العلاقات التي مادتها الاعتناء مع قليل من الحب بخلاف العكس.
إن وعي الرجل بأنه وفي ظل منظومة الخلق الاجمل لابد ان يظل محور الاستجابة المتتابعة باشكالها المختلفة للمرأة على اساس ان هذا ( زيت الحياة) ، ومن جهة اخرى وعي المرأة بان هذا الصوت الداخلي في ذاتها المستدعي لتطلب مفتوح تتعدد وجوهه غير القائم على حاجات حقيقية واقعية ، بل في معظمه بحث نفسي للتاكد من استجابات حسية ومعنوية تدلل على الاهتمام والاعتناء ،هو وضع قابل للترويض والقناعة المستقرة مع تحقق جزء مقبول من الاستجابة دون ان يتحول الى مرض او هلوسة او عادة او نموذج عيش يوصل رسائل خاطئة على ان المرأة مشروعها الاساس هو تحويل الرجل الى مسننة تتحرك ذاتيا باعتمادها على قدرتها من اجل ان تكون دائرة بين يديها فقط.
ان هذين الوعيين من شأنهما ان ينتزعا فتيل ما يراد وصفه او خلقه على انه حالة تصارع وتغالب بين المرأة والرجل، ويفيض على الحياة المزيد من الطمأنينة والاستقرار والحب.