يُحار المرء من أين يبدأ، من بيروت ملهمة الشاعر فاضل حاتم، من بحرها، معبدها غرورها المترجم في قصائده، أمّ يبدأ بأوراق من ذاكرة وجدانه، وعذاباته، من قلم ينزف قصائد وجدانية، غزلية ووطنية.
في الحقيقة ونظراً لاطلاعي على شعر فاضل حاتم، ومع هذا الديوان، يصل عدد اصدارته الى تسعة، ارى ان بيروت ساكنة ابدا في شعره مثلما الشعر ساكن في عروقه، فهي ليست ملهمته فحسب إنما هي انتظام نبضه كالوزن في القصيدة. وهو إن كتب شعرا حراً وومضات شعرية، يعود في كل مرة الى الالتزام ببحوره، باحساس مرهف وحرف شفيف.
“أوراق من ذاكرة جانبية” ديوان يستفزك، نعم يستفزك في انسياب حروفه كخرير المياه في نهر دجلة او الفرات، تجتاحك قصائده من دون استئذان، لتدرك العمق فتغرف من اللقاء او الفراق، من بقايا هيكل او وجه في المرايا، من امرأة مختلفة او من شعر مجنون، لتكتبك الذاكرة سمفونية ضياع او تغرفك لحنا في الفجر. فتارة تتلمس الوجع بيديك:
“في الظلام ترقدُ شمعةٌ بلا ظلال
يحتلُ السرير زاوية الغرفة ونافذة
مشرعة للحزن
اسمع صوتَ النهر، مرهقا، هو النهر
يطاردهُ ازيزُ الرصاص
كيف يغتسل من كل هذه الدماء”.
وطوراً، تكتشف ان شاعرنا وهو بغدادي الجذور، لا يستطيع العيش من دون امرأة فوق العادة فيشبهها بالعاصمة التي تضج بالاضواء، ولعمري أنّ امرأته هذه هي بيروت. ففي صفحة 87 يقول:
“سأهديكِ وردةً
وكأساً وقُبلة
على طاولة في شارع الحمراء
وأخبر النساء، كلّ النساء
بأنكِ الوطنُ، والبحرُ، والدينُ والقِبلة”.
كتب في مقدمة الديوان، الدكتور الناقد بشير عريعر بأن نص الشاعر فاضل حاتم يشعرك بالمتعة، ويفتح لديك ابواباً للتأويل، وهو مصيب بدليل القصيدة التي يحمل الديوان عنوانها “أوراق من ذاكرة جانبية” والتي تظهر بشكل واضح وجميل هذه الناحية:
“… ربما كنت أعاني من وحشة الطريق واغتراب الروح في دنيا الآماني
ربما وفرت عن قلبي المسافات الطوال
وأرحت سفني من رياح كاذبة
لو أنني، لم أفترش، قلبي قصيدة
وأعدُّ النجم، في الظهيرة بسلال من خيال”.
ختاماً، مباركٌ ديوانك الجديد صديقي الشاعر، بصدوره، نستطيع ان نؤكد بأنّ الشعر الجميل ما زال يمسكنا بأيدينا لنسافر على متنه الى الروح الخلاقة التواقة الى الجمال.