بول أوستر و “كتاب الأوهام”

guilaf awham

صدرت حديثاً عن منشورات المتوسط – إيطاليا رواية “كتاب الأوهام” للروائي الأمريكي بول أوستر، وبترجمة أسامة منزلجي، هذا الكتاب الذي اعتبرته (فاينانشل تايمز – لندن) أفضل ما كتب أوستر حين صدوره في لغته الأصلية، وكتبت: «إنها رائعة … إنَّ رواية كتاب الأوهام إنجاز مُبدع مُذهل وأفضل ما كتب أوستر». أما صحيفة (لوس أنجليس تايمز) فذهبت إلى أن أوستر في روايته هذه أضاف عنصراً جديداً إلى العمل الميتافيزيقي وأسلوب الرواية، فكتبت: «لقد أضاف أوستر الذي أضحى أكبر سناً وأكثر حِكمة عنصراً آخر إلى العمل الميتافيزيقي وأسلوب الرواية الرشيق، إنه الحزن الذي يقول إنَّ الألوان كلها وهم، ويُبدِع صورة مؤثِّرة بصورة مُذهلة وشديدة الواقعية لرجلٍ محكوم بالموت … إنها قصة حزن يعصى على الوصف، يُروى ببراعة حِرفيّة، ينجح أوستر أخيراً في إعادتها إلى الأرض ببساطة إنسانيّة شديدة».

وفي “كتاب الأوهام” وبعد أن يفقد ديفيد زيمر الأستاذ في جامعة فرمونت، زوجته وولديه الصغيرين في حادث تحطُّم طائرة، يقضي أيامه يتخبّط في حياة من الحزن ومعاقرة الخمر ورثاء الذات. ثمّ، بينما يُشاهد التلفزيون في أحد الأيام، يُصادف مقطعاً من فيلم مفقود من تنفيذ الفنان الكوميدي من زمن السينما الصامتة هكتور مان. ويتحرك فضول زيمر، وسرعان ما يجد نفسه منطلقاً في رحلة حول العالم بحثاً عن كتابٍ عن صاحب تلك الشخصية الغامضة الذي اختفى عن الأنظار في عام 1929، وافتُرِضَ على مدى ستين عاماً أنه قد مات.

بعد مرور عام على نشر الكتاب، تصل إلى زيمر رسالة عائدة من بلدة صغيرة في نيو مكسيكو، تتضمن دعوة للقاء هكتور. يتردّد هكتور في الذهاب بين الشك والتصديق، إلى أنْ تظهر ذات ليلة امرأة غريبة على عتبة بيته، وتأخذ القرار بالنيابة عنه، وتغيِّر حياته إلى الأبد.

عن الكتاب:

“رواية السيد أوستر “كتاب الأوهام” الأنيقة، المكتوبة بشكل رائع، هي عمل آسر يتصف ببراعة عقلية … وهكتور هو إبداعٌ مُلهَم … وواقعيّ أكثر من العديد من الممثلين على الأرض”. (نيويورك تايمز).

من الكتاب:

ظنَّ الجميع أنه مات. عندما صدر كتابي عن أفلامه في عام 1988، لم يكن أحد قد سمع شيئاً عن هكتور مان منذ ما يُقارب ستين عاماً. وباستثناء حفنة من المؤرّخين والمهتمين بالأفلام القديمة، بدا أنه لا أحد كان يعرف أنه لا زال على قيد الحياة. وقد عُرِضَ آخر أفلامه الكوميدية المؤلَّف من بَكَرَتَين الذي صنعه في نهاية فترةٍ من الصمت في 23 من شهر تشرين ثاني (نوفمبر) عام 1928. وبعد ذلك بشهرَين، ودون أنْ يودِّع أحداً من أصدقائه أو أقربائه، دون أنْ يترك رسالة أو أنْ يُبلِغ أحداً عن خططه، خرج من منزله المُستأجَر في نورث أورانج درايف، ولم يعُد أبداً. كانت سيارته الديسوتو الزرقاء متوقفة في المرأب؛ وعقد إيجار الملكيّة صالحاً لمدة ثلاثة أشهر أخرى؛ فقد كان الإيجار مدفوعاً بالكامل. كان هناك طعام في المطبخ، وويسكي في خزانة المشروبات، ولم تنقص من ملابس هكتور قطعة واحدة من الأدراج في غرفة النوم. وحسب ما ورد في صحيفة لوس أنجليس هيرالد إكسبريس في العدد الثامن عشر من شهر كانون ثاني (يناير)، عام 1929، “بدا وكأنه خرج ليتمشّى قليلاً، وأنه سيعود في أي لحظة”. لكنه لم يعُد، ومنذ ذلك الحين، بدا وكأنَّ هكتور مان قد تلاشى عن وجه الأرض.

على مدى سنوات عديدة تلت اختفاءه، دارت حكايات وإشاعات حول ما حدث له، ولكنْ، لم ينتج عن أيٍّ من تلك التخمينات أي شيء. وأشد تلك الحكايات معقوليّة – التي تفيد بأنه انتحر أو وقع ضحية عمل عنيف – لم يكن في الإمكان إثباته ولا استهجانه، بما أنه لم يُعثَر على أية جثة. وهناك حكايات أخرى عن مصير هكتور كانت تنطوي أكثر على مخيلة خصبة، ومملوءة بالأمل، وتتماشى مع التضمينات الرومانسية لتلك الحالة. تقول إحداها إنه عاد إلى وطنه الأصلي الأرجنتين، وإنه الآن صاحب سيرك قروي صغير. وتقول أخرى، إنه انضمَّ إلى الحزب الشيوعي، ويعمل باسمٍ مُستعار كمسؤول نِقابي بين عمال الألبان في يوتيكا، ولاية نيويورك. وفي أخرى أيضاً، إنه يستقل القطارات كأحد مُشرَّدي فترة الكساد الاقتصادي. ولو أنَّ هكتور كان نجماً أشدّ سطوعاً، لوردت الحكايات بمثابرة أكثر؛ لظلَّ حياً في الأشياء التي قيلتْ حوله، ليتحول تدريجياً إلى أحد تلك الرموز التي تسكن المناطق السفليّة من الذاكرة الجماعيّة، كمُمثِّل للشباب والأمل وتحولات الحظ الشيطانية. ولكنْ، لا شيء من هذا حصل، ذلك أنَّ هكتور كان بالكاد بدأ يضع بصمته على هوليوود عندما انتهت مسيرته. لقد باشر متأخّراً جداً في استغلال مواهبه استغلالاً كليّاً، ولم يبقَ فترة كافية، بحيث يترك انطباعاً يدوم عمّا مثّله أو عمّا كان يمكن أنْ يُنجز. ومرتْ بضع سنوات، وكفَّ الناس شيئاً فشيئاً عن التفكير فيه. وبحلول عام 1932 أو 1933، أصبح هكتور ينتمي إلى كونٍ بائد، وإذا كان قد تبقّى منه أي أثر، ففقط كتعقيبٍ في كتابٍ مغمور، لم يعُد أحد يتكبَّد مشقة قراءته. والآن أصبحت الأفلام ناطقة، وطوى النسيانُ المشاهدَ الخرساء المتقطِّعة في الماضي. لم يعُد هناك مهرّجون، ولا ممثلون إيمائيون، ولا فتيات جميلات صغيرات يرقصن على إيقاع موسيقى فرق موسيقية لا يسمعها أحد. وعلى الرغم من أنه لم يكن قد مضى على غيابهم أكثر من بضع سنوات، إلا أنه بدا وكأنها من ما قبل التاريخ، كمخلوقات جالتْ الأرض عندما كان الإنسان لا يزال يعيش في الكهوف.

بول أوستر

ولد عام 1947، وهو روائي، وناقد، وشاعر، ومترجم، وسينارست ومخرج وممثل ومنتج سينمائي. يعيش حالياً في بروكلين في نيويورك. أوستر هو من أبرز الشخصيات في الأدب الأمريكي والعالمي المعاصر. يُنسب إلى أدب ما بعد الحداثوية.

اثنا عشر كتاباً لأوستر كانت الكتب الأكثر مبيعاً في العالم، ليكون كتابه هذا هو الثالث عشر. كما أن كتبه تُرجمت لمعظم لغات العالم.

أصدرت المتوسط كتبًا عدة لبول أوستر: “اختراع العزلة”، “رحلات في حجرة الكتابة”، “صانست بارك”، “غير مرئي”، “تمبكتو”، أخيرًا أصدرت روايته الأخيرة “1234” الواردة  في القائمة القصيرة لجائزة المان بوكر 2017.

أسامة منزلجي

أحد  أهم المترجمين عن اللغة الإنكليزية، ولد في اللاذقية عام 1948، حائز  شهادة الليسانس في الأدب الإنكليزي عام 1975 في  جامعة دمشق. ترجم إلى العربية ما ينوف على خمسين كتاباً، وعُرف بترجماته لأغلب كتب هنري ميللر وغيرها من أعمال جان جينة ونورمان ميللر وهرمان هسه وتينسي وليامز وبول أوستر وجيمس جويس وتيري ايغلتون…

اترك رد