أوجه تحية إلى بلدة قانا التي لخصت النضال اللبناني الأصيل وللجنوب الذي سطر البطولات وقدم ابناؤه قرابين على مذبح الوطن من أجل أن يبقى حراً ومحرراً وسيداً.
فكرت أن لا يكون موضوع المواطنة طرحاً مدرسياً إلقائياً وإنما طرح أفكار من وحي الدراسة لنطرح سؤالا لماذا يستشهد ابن قانا أو ابن الجنوب أو أي مواطن لبناني ضد اسرائيل؟ فيأتي الجواب أن السبب المباشر لذلك هو الدفاع عن الوطن، وهنا ندخل في موضوع الوطنية وبالتالي مسألة المواطنة التي هي أشمل من الانتماء العاطفي، فلو لم يكن هناك انتماء لوطن لما يضحي الإنسان بأغلى ما يملك، فالدفاع عن الوطن، وبشهادة الرسول الأكرم، هو واجب عندما تتعرض الأرض للعدوان من مات دون أرضه فهو شهيد.
مسألة الخلافات والتنازع والأحقاد الطائفية والمذهبية التي نشهدها من وقت لآخر، هي استثناء وحالة ظرفية مرفوضة، وليست القاعدة في بناء الأوطان، فلبنان الذي عمره أكثر من ستة آلاف سنة، مرت خلالها أجيال واختلطت الناس، وأن الحديث عن عدم التعايش هرطقة والجنوب خير مثال، حيث أن هذه المنطقة، جبل عامل، معروف عنها أنها منطقة انفتاح بحكم جغرافيتها وثقافتها.
موضوع المواطنة ليس موضوعاً مدرسياً بالمعنى المباشر، ولا أعني بها المساواة بين المواطنين فقط في الحقوق والواجبات التي هي أساس في الحياة القانونية والمدنية، بل هناك أبعاد عدة للمواطنة منها: البعد السياسي أي انخراط الناس بالحياة السياسية الذي يعبر عنها بالمشاركة في الاقتراع العام، إضافة إلى تشكيل الأحزاب والجمعيات الوطنية، وفي تقديري أنه إذا لم ننجح في بناء أحزاب وطنية لبنانية تتجاوز حدود المذاهب والطوائف، لن ننجح في بناء مجتمع مدني لبناني.
ليس المقصود هنا بالمجتمع المدني مجتمع اللا دين، لا سمح الله، بل المجتمع المدني، حياة الناس مع بعضها البعض بدون أطر رسمية حكومية وبدون مخافر بدون تدخل من القائمقام أو المحافظ، الحياة المدنية أن تتعاون هذه البلدة مع البلدة الأخرى، أن تتعاون الناس مع بعضها البعض على امتداد الوطن لكن للأسف، فإن البعد السياسي للمواطنة شوه في بلادنا وفي بلاد العرب عامة وفي كثير من البلدان النامية، عندما تركزت فكرة الإقطاع السياسي وفكرة الظلم السياسي التي وصفها ابن خلدون، بالملك العضوض أي السلطان الجائر الذي يجمع في قبضته الملك والسلطة والسيادة في وقت واحد، فلا احد ينازعه، الشرعية منه وله، وهذا ما أسس لحياة ديكتاتورية في عالمنا العربي ما نزال نشكو منها الى اليوم…
البعد الاجتماعي في المواطنة، فليس هناك مجتمع متقدم مع امرأة متخلفة، ولا يوجد امرأة متخلفة ورجل متخلف في مجتمع واحد، فأنا لست مع النقاش الذي يدور حول حقوق المرأة، بل حقوق الإنسان وحقوق المواطن – كل مواطن – رجل أو امرأة معني بهذه الحقوق، وأن الاختلاف الجنسي بين الاثنين هو اختلاف بيولوجي لاستمرار الحياة وليس اختلافا في النفس البشرية، ولا يمكن إلا أن نقر بالمساواة بين الجنسين من الناحية الاجتماعية.
البعد الاقتصادي في المواطنة: حصول الفرد على نصيب عادل من الثروة الوطنية ،وهذا الفرد هو الفرد المواطن، وهذا يفرض علينا أن لا نختلف عندما نتحدث عن ثروة معينة مثل الثروة المائية أو الثروة النفطية، ونجمد المشاريع عشرات السنين، علماً أن الدستور اللبناني صريح عندما يقول إن الثروة الوطنية هي لجميع اللبنانيين فلم الخلاف إذا كان هناك مواطنة حقيقية؟ المادة السابعة من الدستور لو طبقت تؤسس لحياة مواطنة وهي المساواة بين اللبنانيين في الحقوق والواجبات وأمام القانون.
هذه الأبعاد المتعددة للمواطنة لم نصل اليها نحن في بلاد العرب عامة لا بصورة متساوية بين كل البلدان، ولا بشكل مرضي. للفكر الاسلامي فضل كبير في هذا الشأن حول حقوق الجنسية، وصولا إلى حق المشاركة ومسألة الموازنة بين الفرد والجماعة، في حين أن الأفكار الأخرى لم تفلح في تأمين هذه الموازنة.
لا يجوز أن نبقى نعيش بتوتر ولا يحق لاحد ان يكفر الآخر، للأسف بعض وسائل الإعلام يستضيف من يبث السموم والفتن، هذه المظاهرلا تؤسس للمواطنة الصحيحة بل تزيد من حالة الانقسام والتشرذم ولا تخدم الا العدو الاسرائيلي.
*************
(*) محاضرة في عنوان “المواطنة” ألقاها الدكتور عدنان السيد حسين، رئيس الجامعة اللبنانية بدعوة من مجلس بلدية قانا – جنوب لبنان