القدّيس مارون “الجامع”

“إنّ حبّة الحنطة إن لم تقع على الأرض وتَمُت تبقى واحدة” (يو 12: 24). يسوع المسيح المخلّص هو حبّة الحنطة التي تعطي الحياة للإنسان المؤمن به.

امتلك القدّيس مارون الحبّ الإلهيّ والعكس صحيح. دخل هذا الحبّ حياة مارون، فشعّت قداسته، ونوره ومجده “فأتت حبّة الحنطة بثمرٍ كثير” (يو 12: 24). تميّزت سيرته بالصلاة والصوم، والعمل والتقشّف، متنسّكًا في العراء، كما بقدرته التأثيريّة في الوعظ، أي في إعلان كلمة الله وفاعليّتها على المؤمنين. نعم، جمع حوله المؤمنين طالبين منه النور والهداية والحكمة، كما شفاء النفس والجسد معًا، “لأنّه حيث اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم” (متى 18: 20).

أطلّ مارون من صومعته ليجمع حول السيّد المسيح أبناء الإيمان والمحبّة، كما جمع حوله تلاميذًا ومؤمنين. “وبينما هو مجتمع بهم ]…[ فرجعوا إلى أورشليم ]…[ صعدوا إلى العليّة التي كانوا يقيمون (مجتمعين) فيها” (أعمال 1: 4 و13). انتشروا في العالم، حاملين روحانيّته واسمه، وقداسته وقوّته الروحيّة، وقدرته “الجامعة”. اهتدى المؤمنون، لا سيّما الذين أخذوا (تكنّوا) اسمه وروحانيّته شفيعًا لكنيستهم، أي الموارنة، نحو عيش الإيمان والرجاء والمحبّة، بالرغم من الاضطهادات والحروب وما ينتج عنهما من أحزان ومآسي وتهجير، وخوف وجوع وعذاب وغيرها، والتي طالتهم عبر العصور.

جذب إليه الكثيرين، فأضحى بالنسبة لهم “علامةً” بإيمانه وصلاته واتّحاده بالربّ يسوع وشاهدًا لقيامته. استطاع مارون أن يعيش الكمال من خلال مسيرة طويلة أعطته القداسة باستحقاق. أصغى إلى الروح القدس، من خلال حوار عميق داخليّ مع الله الخالق.

يُطلب اليوم من الذين اتخذوه شفيعًا لكنيستهم، أي الموارنة، التوقّف عن التشرذم الجارح، والخلافات العقيمة، والتباعد القاتل، والنفور المشكّك، والتقوقع الأنانيّ، والكيديّة الرخيصة والحقد الفتّاك وغيرها، “فقد أخبرني عنكم ]…[ أنّ بينكم مخاصمات” (1 قور 1: 11)، “أزيلوا من بينكم كلّ شراسةٍ وسخطٍ وغضبٍ وصخبٍ وكلّ ما كان سوءًا (أفسس 4: 31).

يُطلب اليوم من هؤلاء، العودة إلى روح الخدمة والتجرّد وبذل الذات، من أجل المساهمة في تفعيل رسالة ومهمّة “كنيستهم”، ألا وهي تثبيت وبثّ روح الوحدة والتضامن والتآخي. يُطلب منهم أن “يجتمعوا” معًا حول الروحانيّة الإنجيليّة واتّباع طريق القداسة، و”التماسك” وقبول الاختلاف، “أناشدكم، أيّها الأخوة ]…[ ألاّ يكون بينكم إختلافات، بل كونوا على وئام تامّ، في روحٍ واحد وفكرٍ واحد” (1 قور 1: 10)، كما أن يجتمعوا مع سائر شرائح المجتمع من أجل وحدة الهويّة والانتماء والأرض واحترام حقوق الإنسان وقبول الآخر المختلف وتحقيق السّلام. “…حيث كان التلاميذ مجتمعين وقال لهم سلامٌ لكم!” (يو 20: 19) لتكن “اجتماعاتهم” خير دليل على مدّ اليدّ نحو الآخر، الذي يتقاسمون معه القيم والمبادئ الإنسانيّة والأخلاقيّة. لتكن “اجتماعاتهم” علامة تفانٍ وبطولة في خدمة “كنيستهم”، أي المنتمين من خلال عمادهم ومواطنيّتهم ونضالهم، من أجل الإنسانيّة المتألّمة والمضطهدة والمجروحة. هُم يدركون جيّدًا تلك الحالة لأنّ تاريخهم وحاضرهم يؤكّد على ذلك.

“ليجتمعوا” من أجل النهوض من السبات “فانهضوا إذًا وشدّوا أوساطكم بالحقّ والبسوا درع البرّ وانتعلوا بالنشاط لإعلان بشارة السّلام” (أفسس 6: 14)، والدخول في حالة من التأهّب، لعيش متطلّبات الإنجيل ببساطة وإخلاص، “ولمّا أتى اليوم الخمسون، كانوا مجتمعين كلّهم في مكانٍ واحد ]…[ فامتلأوا جميعًا من الروح القدس” (أعمال 2: 1و4). لنطالبهم بتحمّل المسؤوليّة، لنحترم “خياراتهم” و”رسالتهم” و”أعمالهم” الحسنة على جميع الصّعد. لنعطهم الأمان والسّلام، كي نأخذ منهم روح الانفتاح والمبادرة والتجدّد والتضحية والأخوّة. فهم جديرون ويستحقّون الحياة، وعسى أن نعذر بعض أخطائهم وهفواتهم، “ليصفح بعضكم عن بعض كما صفح الله عنكم في المسيح” (أفسس 4: 32).

“ليجتمعوا” حول مَن “جمعهم”, فهو القائد الروحيّ، الذي يحملهم نحو القداسة، باتّباع الربّ المخلّص. “فقاما في تلك السّاعة ورجعا إلى أورشليم، ووجدوا الأحد عشر مجتمعين، هُم والذين معهم” (لو 24: 33).

“ليجتمعوا” دومًا وأبدًا من أجل وقفة أمام الذات والضمير والوجدان. ليميّزوا حقًّا إرادة الربّ ودعوته لهم، من أجل المساهمة في بناء مجتمع تسوده العدالة والرحمة والحقّ والحقيقة، “حيث كان كثيرون مجتمعين وهُم يصلّون” (أعمال 12: 12).

نعم، لنجتمع مع “اجتماعاتهم”، كي نستحقّ أن نكون رجال سلام ومحبّة، نسير على طريق القداسة كما أراد الله لنا أن نكون.

saintmaroun

اترك رد